تصف الخارجية التركية هذا النشاط بأنه من مؤشرات السياسة الخارجية الدينامية لتركيا؛ حيث تسعى ما تسمى “مبادرة آسيا الجديدة” إلى تعزيز علاقات أنقرة بالقارة من خلال نهجها الشامل، الذي لا يسعى فقط إلى تضمين الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية، وإنما الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وغير ذلك.
ولم تعمل “مبادرة آسيا الجديدة” التركية، التي تسعى إلى تنويع العلاقات الدبلوماسية للبلاد، على تعزيز علاقاتها مع القارة فحسب، بل وضعت أيضا إطاراً لتحديد وتنسيق الآليات المؤسسية لزيادة تعزيز العلاقات. وكان هذا ما تحدثت عنه صحيفة “ديلي صباح” في تغطية موسعة للموضوع كتبته نوربانو كيزيل.
كان قرار أنقرة إطلاق المبادرة خطوة في عالم اليوم متعدد الأقطاب. وإلى جانب فوائدها الاقتصادية والسياسية، قد تسهم في إنقاذ الاقتصاد التركي والمناورة مع الولايات المتحدة التي لا يرضيها أي تقارب بين تركيا والصين.
وكان وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، قد أعلن في مؤتمر السفراء الحادي عشر في آب (أغسطس) 2019، أن “مبادرة آسيا الجديدة” أشارت إلى أن تركيا عازمة على الاستفادة بشكل أكثر فعالية من إمكانات التعاون في آسيا، التي يعتبرها المنظور التركي المنطقة الاقتصادية الأسرع نمواً والقارة ذات الاقتصاد الأكبر.
يقول ألتاي أتلي، الأكاديمي المتخصص في العلاقات بين تركيا وآسيا، لصحيفة ديلي صباح: “أصبحت آسيا بشكل عام مركز الاقتصاد العالمي، وأصبحت إقامة علاقات مواتية مع هذه المناطق ضرورة وليست اختياراً”.
وفي إشارة إلى أن هناك الكثير من الجدل الدائر حول تحويل تركيا لمحورها إلى الشرق، والذي يعبر عنه النقاد في الداخل والخارج، قال أتلي إن هذه المزاعم عفا عليها الزمن تماماً لأن فكرة النظام العالمي ثنائي القطب هي ظاهرة القرن العشرين. وقال أتلي: “تدعي الدول الغربية أن هذا يعني في الواقع تحولاً هائلاً من العلاقات التجارية والاستثمارية مع آسيا، لا سيما مع الصين”، وتنتقد المعايير المزدوجة ضد تركيا.
ليس خافياً أن سياسات أنقرة ترتكز على ركنين فيما يتعلق بالعلاقات الآسيوية، الأول هو المصالح الاقتصادية والتجارية، لا سيما مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تركيا؛ والركن الثاني هو المتغيرات الجيوسياسية ومحاولة الضغط على الولايات المتحدة لتطبيع علاقتها مع أنقرة، لأن واشنطن لن تنظر بعين الرضا إلى أي تعاون بين تركيا والصين.
في غضون ذلك، قال البروفيسور جنكيز تومار، رئيس جامعة أحمد يسيفي في كازاخستان، لصحيفة “ديلي صباح” إن “مبادرة آسيا الجديدة” بدأت بالفعل في تعزيز علاقات تركيا مع المنطقة، وعززت علاقات أنقرة مع الدول التركية. وقال: “يمكننا أن نسميها نهجاً متعدد الأوجه للسياسة الخارجية”، حيث وافق أيضاً على فكرة أن المبادرة لا تشكل تحولاً محورياً في السياسة الخارجية لتركيا. وأشار إلى أن لهذا علاقة بموقع تركيا، الذي يعمل كجسر جيوسياسي وثقافي بين الشرق والغرب.
تقدم “مبادرة آسيا الجديدة” في تركيا خريطة طريق لعلاقات أقوى باعتبارها أحد مؤشرات السياسة الخارجية الدينامية لتركيا، وتسعى المبادرة إلى تعزيز علاقات أنقرة بالقارة بنهجها المنسق والشامل من خلال تضمين الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية، والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني أيضاً.
في الأثناء، أشار تومار إلى أن المبادرة أثرت بشكل خاص على العلاقات بين الدول التركية القديمة في آسيا.
في إشارة إلى دعم تركيا لأذربيجان في أزمة ناغورنو كاراباخ الأخيرة، أشار تومار إلى أن غالبية الناس في الدول التركية أشادوا بالتضامن، وقالوا إن على بلدانهم أيضاً دعم مسعى أذربيجان لتحرير أراضيها التي احتلتها أرمينيا لمدة ثلاثة عقود.
وقال تومار: “لقد تم الدفاع عن فكرة أن خطاب ‘أمة واحدة، دولتان’ الذي تستخدمه تركيا وأذربيجان يجب أن يُراجع ليصبح ‘أمة واحدة، ست دول’ في المنطقة (بين الدول التركية)”. لكن جهود تركيا لا تقتصر على الدول التركية في آسيا الوسطى، بحسب توما، الذي أشار إلى أن أنقرة تعمل أيضًا على تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية.
لا شك في أن العلاقات في هذا القسم من آسيا يرتبط بأسباب عرقية وثقافية، لا سيما مع الدول الآسيوية الناطقة بالتركية، والتي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق. كما تعتبر تركيا أيضًا رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) منظمة رئيسية في المنطقة، وتقدمت بطلب لتصبح شريكًا في الحوار القطاعي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في العام 2015. وتم قبول طلبها في 5 آب (أغسطس) 2017، خلال الاجتماع الخمسين لوزراء خارجية (آسيان) الذي عقد في الفلبين.
أما بشأن الصين، وهي الأهم في هذا الملف، فهناك مبادرة “الحزام والطريق” مع الصين والعديد من العلاقات التجارية مع العديد من الدول الإقليمية الأخرى. كما زادت الزيارات الثنائية في الأعوام الأخيرة. وقد سافر وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مؤخراً في 25 آذار (مارس) إلى تركيا وناقش العلاقات الثنائية مع نظيره التركي والرئيس رجب طيب أردوغان. وأشار أتلي إلى أن تبني استراتيجية شاملة كان إحدى أهم سمات المبادرة، لأن الدول الآسيوية تختلف عن بعضها بعضا.
منذ العام 2003، شهدت علاقات تركيا مع آسيا اتجاهاً تصاعدياً، حيث أنشأ البلد 17 بعثة جديدة، بما في ذلك خمس سفارات و12 قنصلية في المنطقة، مع 30 سفارة في آسيا في المجموع. وقال أتلي إن أحد أهم أهداف تركيا هو موازنة العجز التجاري مع آسيا، مضيفاً أن ذلك سيكون ممكناً من خلال تسهيل علاقات اقتصادية أكثر توازناً مع الدول الآسيوية، بما في ذلك جذب المستثمرين.
وتتوقع الوزارة تعزيز التعاون في القطاعات ذات القيمة المضافة، مثل التكنولوجيا المتقدمة والسياحة والتمويل وقطاعات الصناعة الدفاعية والبنية التحتية والنقل واللوجستيات ومشاريع الطاقة، كجزء من المبادرة، بحسب المصادر.
وأما النقطة الحساسة مع الصين فتتعلق بالوضع في منطقة شينجيانغ الصينية، حيث تستخدم أنقرة هذه الورقة بين الحين والآخر وتتحدث عن ضرورة معاملة الإيغور الأتراك بشكل جيد. وذكرت وزارة الخارجية، في وقت سابق، أن تركيا قلقة بشأن وضع حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم في الصين، لكنها لا تسمح لأحد بأن يتحدث عن انتهاكات حقوق الانسان في منطقة ديار بكر وسائر المدن التركية-الكردية. وفي حين تتوقع أنقرة معاملة الأويغور كمواطنين متساوين في الصين لكنها غير معنية بالمساواة للمواطنين الأتراك الأكراد.
وقال أتلي: “لقد رأينا خطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على الصين، والتي لم يكن لها أي تأثير فعلياً، لأن الطريقة الوحيدة لاتخاذ خطوات بناءة في مثل هذه القضايا هي من خلال الحوار”. وأضاف أن إحدى المميزات الإيجابية لـ”مبادرة آسيا الجديدة” هي أنها تشمل الأكاديميين والبيروقراطية والدبلوماسية وعالم الأعمال والمجتمع المدني وغير ذلك الكثير.
أحوال تركيا