يحذر باحث إسرائيلي بارز مما يسميه حالة الضعف الأمريكية في مواجهة إيران مما يضع إسرائيل أمام معضلة استراتيجية، داعيا للاستعداد لاختيار إدارة بايدن الاستمرار في “تخفيف” المطالب من إيران. كما يرى أن هذه الحالة تضع إسرائيل أمام معضلة استراتيجية تفرض عليها الاختيار بين خيارين أولهما يقضي بالوقوف بصراحة ضد الإدارة الأمريكية ومحاولة ثنيها عن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، والثاني يتمثل بالتفاهم الهادئ معها تستند إلى تعهدات معلنة وقاطعة بأمن إسرائيل القومي.
ويقول أودي أفينطال، وهو باحث بارز في معهد هرتزيليا للسياسات والاستراتيجيا، إن المفاوضات بين إيران والدول العظمى في فيينا تكشف توجهاً مثيراً للقلق، لافتا أن الولايات المتحدة تبدو كأنها تعمل انطلاقاً من إحساس بالإلحاح وموقف ضعف في المواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي الموسع وسياستها العدائية في شتى أنحاء المنطقة. ويعتبر أن هذه الدينامية تضع إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي متشعب يمكن أن يؤدي إلى سياسة مواجهة مع إدارة بايدن، أو إلى تعميق التعاون الثنائي معها من أجل محاولة التوصل إلى تفاهمات تضمن مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي.
في شتى أنحاء المنطقة أيضاً تُظهر إدارة بايدن توجّهاً متردداً في مواجهة الخط العدواني لإيران ووكلائها
عودة متبادلة تدريجية
ويستذكر أنه عشية محادثات فيينا، ألمحت إدارة بايدن إلى أنها مستعدة للتراجع عن المبدأ الذي وجّهها حتى اليوم، وهو امتثال إيران الكامل والعودة إلى الاتفاق النووي كشرط لرفع العقوبات. ويضيف: “في ضوء موقف طهران المتشّدد بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يصر على جدول أعمال معاكس، أي رفع كل العقوبات كشرط للامتثال، بلورت الإدارة الأمريكية اقتراحاً يقضي بالعودة المتبادلة والتدريجية إلى الاتفاق. في إطاره توقف طهران في المرحلة الأولى تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة وتخصيب اليورانيوم على درجة 20% في مقابل رفع جزء من العقوبات الأميركية بصورة تسمح لها بالوصول إلى أموال مجمدة تقدَّر بمليار دولار”.
كما يستذكر رفض النظام الإيراني الاقتراح قبل أن يقدّم، وكرر في فيينا معارضته للعملية، ويهدد بمواصلة توسيع خروقاته للاتفاق النووي إذا لم تُستجب مطالبه. منوها أنه علاوة على ذلك، ترفض طهران أي محادثات مباشرة مع إدارة بايدن، التي تصر على إجراء مفاوضات معها وتنقل إليها رسائل من خلال وسطاء وأن التصريحات المتكررة للإدارة الأمريكية بأن “الكرة في ملعب إيران” لا تبدو قوية، والظاهر أن الكرة تقفز في كل مرة مجدداً إلى الملعب الأمريكي”.
ويتابع الباحث الإسرائيلي في تحذيراته: “في شتى أنحاء المنطقة أيضاً تُظهر إدارة بايدن توجّهاً متردداً في مواجهة الخط العدواني لإيران ووكلائها. منذ استلام بايدن منصبه، إيران “صعدت درجة” في سياستها الهجومية كاشفة عن جرأة وثقة كبيرة بالنفس. يتجلى هذا التغيير في استمرار الهجمات من طرف وكلائها، ومن طرف الحرس الثوري ضد مجموعة أهداف وساحات: منشآت استراتيجية في السعودية، قواعد أمريكية في العراق، وسفن إسرائيلية في الخليج، وأهداف في المجال السيبراني وغيرها”.
تخفيف المطالب من إيران
ويقول أودي أفنطال إن إدارة بايدن لاحظت التغيير في السياسة الإيرانية واضطرت إلى تنفيذ هجوم ضد ميليشيات موالية لإيران على الحدود السورية- العراقية رداً على إطلاق صاروخ على قاعدة أمريكية في الجيب الكردي في العراق. ويقول أيضا إن الإدارة الأمريكية أثبتت أن استخدام القوة هو خيار موجود في صندوق أدواتها، لكن العملية التي قامت بها بدت أنها عملية تحدث مرة واحدة بعد أن امتنعت عن الرد على هجمات أُخرى ضد مصالح أمريكية في المنطقة. ويرى أن كل ذلك على ما يبدو خوفاً من أن تؤدي عمليات الرد العسكري إلى الإضرار بمساعيها الدبلوماسية حيال إيران.
ويتابع: “في ضوء سعي الإدارة الأمريكية لإعادة إيران إلى الصندوق، والتفرغ لمسائل خارجية أكثر احتداماً، وعلى رأسها الصراع التاريخي، في نظرها، على الزعامة في مواجهة الصين، وعلى انتصار النظام الديمقراطي – يجب أن نهيئ أنفسنا لاحتمال أنها ستختار الاستمرار في تخفيف المطالب من إيران. وذلك على خلفية صعوبة العودة إلى تشديد العقوبات للضغط عليها- عملية يمكن أن تبدو كعودة إلى سياسة ترامب التي نبذتها إدارة بايدن واعتبرتها غير ناجعة”. وبرأي الباحث الإسرائيلي فإنه سواء حدثت انعطافة في المفاوضات قبل الانتخابات الإيرانية في حزيران/ يونيو، أم استمرت المفاوضات بعدها، فإن التوجه الآخذ في الظهور يشكك في قدرة إدارة بايدن على تحقيق تصريحاتها التي قالت فيها إن العودة إلى الاتفاق النووي ستؤدي إلى “اتفاق قوي وطويل” أكثر مع إيران.
الخيار الأول لإسرائيل يقضي بالوقوف صراحةً ضد الإدارة الأمريكية ومحاولة ثنيها عن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران
إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي
ويعتقد أفينطال أن هذه التوجهات وما يبدو مصلحةً مشتركة للرئيس بايدن وللمرشد خامنئي، كلّ من وجهة نظره، تضع إسرائيل أمام معضلة استراتيجية تفرض عليها الاختيار بين خيارين: خيار أول يقضي بالوقوف صراحةً ضد الإدارة الأمريكية ومحاولة ثنيها عن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات. معللا ذلك بالقول أن انتهاء القيود، التي يفرضها الاتفاق بعد مرور عدد من السنوات، سيمهد الطريق أمام إيران كي تصبح دولة على حافة النووي وتتمتع بشرعية دولية كاملة، وسيتيح لها القيام بالبحث والتطوير اللذين يمنحانها حداً أدنى من الوقت للحصول على مواد مخصبة لصنع قنبلة، ولن يمنح الوكالة الدولية للطاقة النووية صلاحيات الرقابة على البرنامج النووي الإيراني.
ويتابع: “علاوة على ذلك، المواجهة مع إدارة بايدن بشأن المسألة الإيرانية من المتوقع أن تنعكس سلباً على مجمل العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تقوض الموقف الأمريكي الداعم لها في مواجهة تهديدات واسعة، مثل التحقيقات في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، والتطورات في المنظومة الفلسطينية، والمحافظة على تفوقها النوعي، وخطة الجيش الإسرائيلي لزيادة قوته في المدى البعيد بمواجهة تهديدات عسكرية متطورة، وتوسيع دائرة التطبيع وغيرها”.
الخيار الثاني
أما الخيار الثاني فيتمثل برأيه في السعي للوصول مع الإدارة الأمريكية إلى تفاهمات ثنائية صامتة، تستند إلى تعهدات معلنة وقاطعة بأمن إسرائيل القومي، وإلى اتفاق الدولتين على منع حصول إيران على سلاح نووي بأي طريقة، وتعتمد على قنوات تعاون بين الدولتين في المجالات السياسية والاستخباراتية والعملياتية والعسكرية. ويقول إنه حتى الآن لم تجر إسرائيل مشاورات منهجية بين أجهزتها لبلورة سياستها في هذه المسألة – التي تُعتبر شأناً استراتيجياً من الدرجة الأولى وإنه رغم ذلك يبدو أنها اختارت المواجهة إذا كانت فعلاً هي مَن يقف وراء العمليات المنسوبة إليها ضد إيران، بينما تجري الدول العظمى مفاوضات معها في فيينا. ويقول أيضا إنه على أي حال يصرح رئيس الحكومة بأن الاتفاق مع إيران لا يُلزم إسرائيل، وهو يلمّح إلى إعداد الخيار العسكري لإحباط البرنامج النووي الإيراني.
الخيار الثاني يتمثل في السعي للوصول مع الإدارة الأمريكية إلى تفاهمات ثنائية صامتة، تستند إلى تعهدات معلنة وقاطعة بأمن إسرائيل القومي، وإلى اتفاق الدولتين على منع حصول إيران على سلاح نووي بأي طريقة
خيار المواجهة مع إدارة بايدن
يرى الباحث الإسرائيلي أن خيار إسرائيل الذهاب إلى مواجهة مع إدارة بايدن يمكن أن يتضح كأنه تكرار للأخطاء التي حدثت مع الرئيس أوباما، الذي لم تمنع المواجهة معه توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015. منوها أنه في ضوء الإجماع الدولي الذي يبرز اليوم بوضوح في محادثات فيينا بشأن الحاجة إلى العودة إلى الاتفاق النووي، يمكن لسياسة المواجهة والتلميحات العسكرية أن تضع إسرائيل في عزلة وتحول التهديد النووي الإيراني إلى “مشكلة إسرائيلية” بدلاً من أن يكون تحدياً عالمياً. في المقابل يرى أن سياسة تسعى لتفاهمات ثنائية مع الإدارة الأمريكية يمكن أن تضعف الضغط عليها لانتهاج سياسة صارمة في مواجهة إيران، ويمكن أن تنطوي على فرض قيود معينة على حرية تحرك إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني. ويضيف: “مع ذلك، من المحتمل أن تغير الإدارة بصورة جوهرية سياستها وسلوكها في المسألة الإيرانية، نتيجة ضغط إسرائيلي علني”.
يشير أفينطال أيضاً إلى أن خياراً عسكرياً إسرائيلياً في التوقيت الحالي يبدو غير ناجع، وذلك بسبب ضرورة تنسيقه مع الولايات المتحدة
خيار عسكري
يشير أفينطال أيضاً إلى أن خياراً عسكرياً إسرائيلياً في التوقيت الحالي يبدو غير ناجع، وذلك بسبب ضرورة تنسيقه مع الولايات المتحدة، وفي الأساس في ضوء حقيقة أن العودة إلى الاتفاق النووي ستُبقي البرنامج النووي الإيراني على مسافة معقولة من القفز إلى سلاح نووي في السنوات القادمة. وفي سياق الاستنتاج يرى الباحث الإسرائيلي أنه في الوضع الحالي للأمور يبدو أن السعي لحوار صامت وعميق لبلورة تفاهمات ثنائية مع إدارة بايدن يخدم مصلحة إسرائيل بصورة أفضل.
ويتابع: “مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت ظروف الأزمة والشلل السياسي الداخلي غير المسبوق سيجعلان إسرائيل قادرة على تحريك العملية التشاورية المطلوبة لبلورة سياسة حوار مثمرة مع الولايات المتحدة”. ويخلص أودي أفينطال للقول إن الحوار مع الإدارة الأمريكية يجب أن يتركز على المضامين والأهداف التالية: سبل التوصل إلى اتفاق قوي وطويل مع إيران والخطوات التي يجب أن تُتخذ في حال لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق؛ مراقبة البرنامج النووي الإيراني للتأكد من أنها لا تقفز، أو “تتسلل”، إلى سلاح نووي؛ كشف مسبق عن هذه العمليات وتعهدات بإحباطها في الوقت المناسب؛ المحافظة على تهديد عسكري موثوق به إزاء النظام في طهران؛ الفصل بين المسألة النووية وبين الحاجة إلى لجم تمدُّد وتمركز إيران ووكلائها في أنحاء الشرق الأوسط؛ النواحي التي تتعلق ببناء القوة وتعاظمها وغيرها.
القدس العربي