في الثاني عشر من شهر نيسان/ أبريل الجاري، عرضت قناة التلفزيون العامة في أذربيجان، “أي تي في”، برنامجا استمر ساعة عن مراسم افتتاح متحف في العاصمة باكو للاحتفاء بانتصار البلاد في الحرب ضد أرمينيا والتي استمرت 44 يوما في منطقة ناغورنو قره باغ.
وظهر الرئيس الأذري، إلهام علييف -والذي لم يخدم أبدا في الجيش- في زي عسكري، يتجول على قدميه، ويستعرض المعدات الحربية التي استولت عليها بلاده من القوات الأرمينية، وتماثيل من الشمع لجنود أرمن.
واتخذ مايكل روبين، الباحث المقيم بمعهد “أمريكان إنتربرايز”، من هذا الحدث مدخلا رصد منذ خلاله أوجه الشبه التي رصدها، من وجهة نظره، بين الرئيسين، العراقي الراحل صدام حسين، والأذري علييف، حتى فيما يتعلق بتعامل السياسة الأمريكية مع كل منهما، وذلك في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية مؤخرا.
أوجه الشبه بين صدام حسين وعلييف قوية بشكل لا يمكن تجاهله، فقد أثار صدام حسين اهتمام وزارة الخارجية الأمريكية التي رأت فيه براغماتيا معتدلا، وذلك قبل سنوات من أن يصبح عدوا صريحا لأمريكا. ولدى أمريكا نفس التقييم عن علييف.
وقال روبين إن المحور الأساسي في “حديقة الغنائم” هو قوس أقيم من خوذات جنود أرمينيا الذين قتلوا أو أسروا خلال القتال. ولا تزال أذربيجان تحتجز، بشكل غير قانوني، 260 من أسرى الحرب، أو المدنيين الذي اختطفتهم، وربما قتلت بعضهم أثناء الأسر، وهو ما يجعل ما يعرضه المتحف أمرا لا معنى له. ولم يكن علييف أول من يقيم مثل هذا المعرض، ففي كتابه “النصب التذكارية- الفن والابتذال والمسؤولية في العراق” “، الصادر عام 1991، حلل المفكر العراقي كنعان مكية، “قوس النصر”، المعروف في العراق باسم “سيوف القادسية”.
بدأ العمل في “سيوف القادسية” عام 1985، وافتتح بعد أربع سنوات، وهو أعلى من “قوس النصر” في باريس، ويتكون من سواعد مصبوبة تمثل سواعد صدام حسين، وصنعت القبضتان اللتان تمسكان بالسيفين المتقاطعين من الصلب الناتج عن صهر أسلحة الجنود العراقيين الذين سقطوا في الحرب مع إيران. و جرى استخدام خمسة آلاف خوذة إيرانية أحضرت من ساحة القتال في استكمال النصب التذكاري.
واختلف خطاب صدام حسين لدى البدء في إقامة “سيوف القادسية” ، قليلا عن خطاب علييف، حيث قال صدام يوم 22 نيسان/ أبريل عام 1985، إن العراقيين الشجعان سجلوا أكثر المآثر الأسطورية في الدفاع عن أرضهم ومعتقداتهم المقدسة، مضيفا أنهم اختاروا أن يمر العراقيون تحت علمهم الذي يرفرف، تحميهم سيوفهم التي قطعت رقاب المعتدين.
أما علييف، فقال لدى افتتاح “حديث الغنائم”: “كل من يزور منتزه الغنائم العسكرية، سيشهد قوة جيشنا، وإرادتنا وكم كان تحقيق النصر أمرا شاقا”.
وأوضح الباحث روبين أنه بالنسبة لأسرى الحرب، كان هو مسؤول وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، على رأس العمل عندما جرى اكتشاف المقابر الجماعية لأسرى كويتيين اعتقلهم صدام.
إن أوجه الشبه بين صدام حسين وعلييف قوية بشكل لا يمكن تجاهله، فقد أثار صدام حسين اهتمام وزارة الخارجية الأمريكية التي رأت فيه براغماتيا معتدلا، وذلك قبل سنوات من أن يصبح عدوا صريحا لأمريكا. ولدى أمريكا نفس التقييم عن علييف.
وأبلغ وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لورانس أيجلبرجر من مبعوث لصدام حسين بألا يأخذ العراق إدانة أمريكا لاستخدام الأسلحة الكيماوية على محمل الجد.
ويكشف التاريخ الحديث لمجموعة مينسك التي أنشئت في عام 1992، للعمل على تسوية النزاع في منطقة ناعورنو قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، أنه يبدو أن المسؤولين الأمريكيين، قللوا من شأن المخاوف المتعلقة بانتهاكات أذربيجان لاتفاقياتها الدولية.
كما أرادت أمريكا تجاهل مسألة الأقليات في الحالتين. فعندما ظهرت تقارير عن استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد أكراد العراق، شرح دبلوماسي أمريكي أن “النهج الذي نريد أن نتبعه هو: نريد علاقة طيبة معك، ولكن مثل هذا الأمر يجعل ذلك صعبا للغاية”. وبنفس المنطق، تلتزم الخارجية الأمريكية الصمت إزاء ما يردده علييف من أن أعمال الإبادة الجماعية بحق الأرمن، غير حقيقي.
كما أن هناك إحساسا متشابها بالديكتاتور الأنيق كان يحيط بصدام حسين، والآن بعلييف. وفي كانون أول/ ديسمبر من عام 1985، نشرت “واشنطن بوست” تفاصيل مثيرة للغثيان بشأن مائدة غداء استضافها السفير العراقي لدى واشنطن آنذاك، نزار حمدون، بهدف التواصل مع الشخصيات المؤثرة ضمن اليهود الأمريكيين، والمؤيدة لإسرائيل. واليوم، تسعى سفارة أذربيجان في واشنطن، على نحو منتظم، إلى نفس الهدف، حيث يعرف الصحافيون والدبلوماسيون “دبلوماسية الكافيار” الخاصة بعلييف.
وكذلك سعى صدام وعلييف إلى المجد من خلال عمليات غزو إقليمي، مع إلقاء اللوم على الضحية. فعندما كان صدام يتفاخر بأن العراقيين قطعوا رقاب المعتدين الإيرانيين، أغفل أن العراق هو الذي بدأ الحرب بهجوم مفاجئ. وقال علييف إن أرمينيا هي الطرف المعتدي، في حين كانت القوات الأذرية، بدعم من تركيا، هي التي شنت هجوما مفاجئا من عدة جوانب على ناجورنو قره باغ، في الذكرى المئوية للغزو العثماني لأرمينيا.
وفي ظل إفراط في الكلام الفضفاض، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يرفضون تصريحات صدام حسين المتكررة بأن الكويت تعتبر محافظة عراقية، حتى وقع الغزو العراقي للكويت في عام 1990. وبنفس المنطق، تتجاهل الخارجية الأمريكية تصريحات علييف التي تطالب بالسيادة على أرمينيا بكاملها.
وتذهب أوجه الشبه إلى أبعد من ذلك: ففي حين يعتبر الدبلوماسيون أن صدام وعلييف علمانيين معتدلين، سعى الاثنان إلى توظيف التطرف لصالحهما. فقد كان “فدائيو صدام” يقطعون رقاب مئات النساء التي قرر حزب البعث آنذاك أنهن بغايا لرفضهن ارتداء الحجاب.
وفي الصراع الأخير في قره باغ، استأجر علييف مرتزقة على صلة بتنظيم القاعدة، جلبهم من سوريا.
ويرى الباحث روبين في تقريره أن إحصاء أوجه الشبه بين صدام حسين وإلهام علييف ليس عملية فكرية فحسب، بل تحذير. فعندما تناقش الخارجية الأمريكية استراتيجيتها تجاه الدول الأخرى، فإنها نادرا ما تدرك أن الديكتاتوريات لديها استراتيجيتها الخاصة لإلهاء أمريكا وخداعها، من خلال الاستهواء أو الشخصيات الكاريزمية والكافيار ومشروبات الكوكتيل. إنهم يعتقدون أن الأمريكيين يتسمون بالسذاجة، حيث تلهيهم القشرة الخارجية الرقيقة، في الوقت الذي يسعون فيه خلف أجندات أخرى.
وفي ختام تقريره، حذر روبين من أن العالم قد يشهد حربا عدوانية أخرى تشنها أذربيجان -مثل غزو صدام حسين للكويت قبل أكثر من ثلاثة عقود- إذا ما استمر المسؤولون الأمريكيون في تحديد سياستهم على أساس أسلوب المسؤولين في أذربيجان، وليس على أساس حقيقة سياساتهم.
(د ب أ)