تشير عملية التخريب الأخيرة في منشأة نطنز النووية في إيران إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تطبقان اليوم بنجاح نهج “الشرطي الصالح/الشرطي السيئ” في المواجهة مع الجمهورية الإسلامية. ولا شك أن صمت واشنطن الواضح إزاء هذا التخريب النووي ينبع من واقع كسب إسرائيل المزيد من الوقت للمفاوضات.
شهد هذا الأسبوع ثلاث مفاجآت كبيرة في الحرب المستمرة – التي يصعب وصفها بحرب الظل – بين إسرائيل وإيران. المفاجأة الأولى هي النجاح التقني اللافت للنظر الذي حققته عملية تخريب نظّمتها إسرائيل بشكل شبه مؤكد ضد منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية الخاضعة لحراسة مشددة في نطنز. أما المفاجأة الثانية فتثير الدهشة أكثر من الأولى، وهي الموافقة الأمريكية الظاهرية على هذه العملية، حتى مع إعلان الولايات المتحدة أن “المفاوضات هي السبيل الوحيد للمضي قدماً”. غير أن المفاجأة الثالثة هي الأكثر إثارة للدهشة بينها، وهي رد إيران المتحفظ نسبياً على المفاجأتين الأولى والثانية – على الأقل حتى كتابة هذه السطور.
وتشير هذه التقلبات الثلاثة الرئيسية الجديدة مجتمعةً إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تطبقان اليوم بنجاح نهج “الشرطي الصالح/الشرطي السيئ” في المواجهة مع إيران. ويقيناً، قد نرى بعض التقلبات الأخرى، وربما الأقل استساغة في الأشهر المقبلة. لكن في الوقت الحالي، مالت الاحتمالات فجأة ضد طهران، كما ستُظهر نظرة سريعة على كلٍّ من هذه التطورات الثلاثة الجديدة.
وفيما يتعلق بالعملية التخريبية في نطنز، بينما تظل العديد من التفاصيل غامضة، يكفي هنا اقتباس أقوال بعض المسؤولين الإيرانيين المعنيين. فقد أقر رئيس لجنة الطاقة في “المجلس” (البرلمان) الإيراني فريدون عباسي دواني بصورة علنية بأنه “من الناحية الفنية، كانت خطة العدو جميلة نوعاً ما”. وقال المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” بهروز كمالوندي، إن “الانفجار داخل المستودع أزال الغطاء عن كوة كبيرة لدرجة أنه سقط فيها فيما كان يحاول معاينة الأضرار، فأصيب بجروح في رأسه وظهره وساقه وذراعه” – وبعث صورة من سريره في المستشفى لإثبات ذلك. وكذلك أكد رئيس مركز البحوث في “المجلس” علي رضا زكاني على المحطة التلفزيونية الرسمية في إيران أن “عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي تضررت أو دُمّرت” في هذه العملية التي حمّل مسؤوليتها على إسرائيل.
وحدث الأمر نفسه على الجانب الإسرائيلي. فبينما لم يتبنَّ أحد رسمياً المسؤولية عن هذا الحادث، إلا أن كبار الخبراء غير الرسميين (والمسؤولين سابقاً) مذهولون به بشكل عام. وحتى الصحفي البارز في الشؤون الأمنية عاموس هارئيل الذي لا يزال ينتقد نتنياهو بلا هوادة، أقرّ في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” في 14 نيسان/أبريل بأن العمل السري الإسرائيلي ضد برنامج إيران النووي كان “فعالاً”. كما أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند صرح لقناة تلفزيونية محلية هذا الأسبوع أن إسرائيل قدّرت قبل عقدين من الزمن بأن إيران ستكون قد امتلكت أسلحة نووية بحلول عام 2005 تقريباً، ولكنها اليوم لا تزال تفتقر إلى هذه القدرة – “وليس لأن إيران لم تحاول”.
وهذا يقودنا إلى المفاجأة الثانية وهي رد الفعل الأمريكي على هذه الحادثة، أو غيابه الملفت. وحتى هذه اللحظة، بينما كان من الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل منخرطتان في مشاورات وثيقة بشأن إيران، كان من الواضح أيضاً بنفس القدر أنهما بقيتا مختلفتين بشأن الرغبة الواضحة لإدارة بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي المعروف بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». فقد سارعت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي إلى الإعلان بأن الولايات المتحدة “ليست متورطة” في عملية نطنز الأخيرة. ونتيجة لذلك، افترض البعض أن الولايات المتحدة ستتبنى موقفاً سلبياً تجاهها، وربما حتى تجاه السياسة الإسرائيلية ككل.
لكن هذا ما لم يحدث على وجه التحديد. ففي اليوم التالي لحادثة نطنز، عقد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان اجتماعاً آخر عبر الإنترنت مع نظيره الإسرائيلي، ثم أصدر بياناً جاء فيه: “أعاد السيد سوليفان التأكيد على التزام إدارة بايدن-هاريس الثابت بأمن إسرائيل وضمان عدم امتلاك إيران أبداً سلاحاً نووياً”. علاوة على ذلك، وفي عبارة ختامية انطوت على طابع شخصي ومجامِل بشكل غير اعتيادي، ذكر البيان أن “السيد سوليفان دعا بحرارة نظيره الإسرائيلي مائير بن شبات لزيارة واشنطن قبل نهاية هذا الشهر لإجراء مشاورات متابعة”. وكان ملفتاً بشكل بالغ غياب كلمة نطنز أو ما شابهها عن هذا الإعلان.
فما الذي يفسّر هذا الرضوخ الأمريكي لعملية إسرائيل السرية الأخيرة ضد إيران؟ تعيدنا الإجابة إلى الوراء قرابة عقد من الزمن إلى التخريب الإلكتروني بواسطة “ستوكسنت” الذي تعرضت له منشأة نطنز، والذي أفادت بعض التقارير أن إدارة أوباما لم توافق عليه فحسب، بل شاركت فيه بالفعل، إلى جانب إسرائيل. وكانت الفكرة آنذاك، كما هو الحال اليوم، هي تعزيز سلطة الولايات المتحدة في المفاوضات النووية مع طهران، وفي الوقت نفسه تجنب حملة عسكرية كاملة علنية وخطيرة ضدها. لكن هذه المرة، يبدو حتى الآن أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تعلمتا درساً بأنه من الأفضل لكلتيهما تجنب الشجار العلني حول شروط أي اتفاق نووي جديد مع إيران.
وهذا يقودنا أخيراً إلى المفاجأة الثالثة في هذه السلسلة السريعة من المفاجآت: وهي الرد الإيراني الاستفزازي، بل المحدود، على حادثة نطنز، مما يشير إلى إمكانية التوصل إلى صفقة من نوع ما، والتي لا تزال مطروحة. فقد أعلنت إيران أولاً عن بعض الشروط الجديدة للمفاوضات – لكن ليس رفضها للتفاوض. ثم أعلنت عن زيادة تخصيب اليورانيوم من 20 إلى 60 في المائة متذرعة بالاحتياجات الطبية – لكن ليس انتقاماً عسكرياً. وحتى هذه الزيادة، على الرغم من الانبهار الذي تحمله لبعض المراقبين الأجانب، فإنها لن تفعل الكثير في تقصير المدة اللازمة لتنفيذ تفجير اختباري، ولن تسهم بأي شكل تقريباً في تقصير المدة اللازمة لحصول إيران على سلاح نووي قابل للاستخدام، مع الإشارة إلى أن العملية الجديدة في نطنز أدت بشكل شبه مؤكد إلى إطالة هذه المدة إلى حد كبير.
باختصار، نجحت إسرائيل للتو في منح الولايات المتحدة والأطراف الأخرى مزيداً من الوقت للتفاوض حول اتفاق نووي مقبول مع إيران، وتحت ضغط أقل. لكن هذا كله يترك المعالم النهائية لمثل هذا الاتفاق مفتوحة على الاحتمالات، شأنها شأن التحدي الخطير والمستمر للتهديدات الإيرانية الأخرى غير النووية على المنطقة وخارجها. وقد يكون لدى إيران بعض المفاجآت الخاصة بها. لكن المفاجآت الثلاث هذا الأسبوع تشير إلى أن المصالح المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المجاورة لإيران قد يكون لديها فرص أفضل إلى حد ما من ذي قبل لتنتصر في النهاية.
ديفيد بولوك
معهد واشنطن