حول المعضلة والحل

حول المعضلة والحل

1_20081023_4016

قرأت للأمير خالد الفيصل مقالا يوصي فيه بعدم التركيز على الشكوى من المشكلة بل تحويلها إلى حل. يقول الأمير في مجمل حديثه «هاكم سويسرا وهولندا وسنغافورة. أمم تتسابق بالعلم وتتبارى. لم تنتظر ثروة طبيعية ولا مداخيل نفطية مالية وإنما أعملت العقل واستثمرت في العلم والتقنية وفازت بالجهد والإتقان والإنجاز».

حبذا لو بدأت أجيالنا الجديدة بالتفكير بهذا المنحى، فقد خطت دول لا ثروات طبيعية لها أشواطا طويلة في التقدم مما يجعلنا ننبهر ولكننا لا نقتبس.

أذكر أنني كنت في الكويت مشاركا في مؤتمر أسماه منظموه «ارتدادات الربيع العربي» وكان الكثيرون يتحدثون عن الدول الريعية وغير الريعية بمعنى التي حباها الله بموارد طائلة من الثروات الطبيعية وتلك التي لا تمتلك تلك، مما يجعلها دولا فقيرة. قلت في مداخلتي بأنه لا توجد دول غنية ودول فقيرة، بل دول جيدة الإدارة ودول سيئة الإدارة. فالدول جيدة الإدارة تغتني وتتقدم ولو لم يكن فيها موارد طبيعية ضخمة ومنها الدول التي سماها سمو الأمير. بينما هناك دول تزخر بالموارد الفائقة ولكن شعبها يعاني شظف العيش. هل لي حاجة لأن أشير إلى ليبيا والعراق مثلاً؟

ضربت المثل بدولة صنعت نفسها من مستنقعات وكان اسمها فعلا «سوامي» بما يعني المستنقعات، ولكنها تحولت في حقبة أخرى من الزمن إلى «فنلندا» التي تضاهي أكبر الدول المتقدمة من حيث الثراء والتقدم. قلت إن شركة واحدة في هذا البلد كانت ميزانيتها السنوية تفوق موارد عشر دول بما فيها الدول الريعية.

يقول «لي كوان يو» مؤسس سنغافورة الحديثة ورئيسها الأسطوري في كتابه، ما معناه أنه يمكنك الحصول على كتب تعلمك النجارة أو البناء أو تخطيط المدن ولكن لا يمكنك أن تحصل على كتاب يعلمك كيف تنشئ دولة!

لقد ذكرت في أكثر من محاضرة، أننا في تركيا نحمد الله ونشكره بكرة وأصيلاً على أمرين حبانا بهما الله في تاريخنا، الأول عدم امتلاكنا ثروة طبيعية زاخرة من البترول والغاز الطبيعي، ما جعل الشعب في تركيا يجهد ويكد لبناء دولة عصرية أصبح اقتصادها يضاهي الدول الغربية والشرقية الأخرى التي وصلت إلى مصاف القمة، وها هي الآن ضمن مجموعة العشرين دولة الأكبر اقتصاداً ولولا المصاعب التي تواجهها دوماً في التصدي للإرهاب بأشكاله لطمحت لأن تكون في العشر الأوائل.

أما الأمر الثاني الذي يجب أن يشكر الشعب التركي ربه بشأنه، فقد كان الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية بشأن الأسلحة والمعدات الحربية بعد العملية التي قامت بها تركيا في قبرص في أوائل السبعينات من القرن الفائت لإنقاذ الشعب التركي المسلم من الهيمنة، ما أفشل العملية الانقلابية التي قام بها المتشددون الذين ضربوا باتفاقية لندن عرض الحائط بغرض إلحاق الجزيرة باليونان.

لقد كان هذا الحظر حافزاً هاماً على تطوير الصناعات الدفاعية في تركيا التي تنتج حالياً طائراتها ومروحياتها ودباباتها وذخائرها بل تصدر الكثير منها إلى الدول الشقيقة وإلى الدول الحليفة بما فيها الولايات المتحدة. إن هيئة الصناعات الدفاعية في تركيا تعمل كخلية النحل ويكفي أن أقول لكم إن هناك أكثر من عشرة الآف من المهندسين يعملون فيها حالياً ليس في الإنتاج بل حصراً في البحث والتطوير.

من هذا المنطلق أدعو دائماً أجيال منطقتنا إلى الاعتماد على الذات والنهل من منابع العلم والعرفان وأرجع لأشير ثانية إلى ما يقوله الأمير خالد الفيصل من أمر يجب أن نوقع تحته بأسمائنا الصريحة أيضا بمعنى الإقرار والدعوة لذلك حيث يقول:

«لنحول المشكلة إلى حل وربما تكون (المشكلة) نعمة تجعلنا نسرع في إيجاد البدائل، وأول وأهم البدائل إعمال العقل والتفكير الجاد ونفض غبار الكسل والاسترخاء والبدء الفوري بتفعيل الاقتصاد المعرفي».

  أرشد هورموزلو 

صحيفة الحياة اللندنية