نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا عن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية التي قالت إنها مذهلة ولكنها لا تعبر عن استراتيجية متماسكة.
صحيح أنها أعاقت تقدم المشروع الإيراني وتطوير المواد التي تحتاجها إيران لتطوير القنبلة واستعانت إسرائيل بجواسيس زرعوا القنبلة مقدما في منشأة لتخصيب اليورانيوم لكنها لم تغير عقلية إيران بشأن المشروع النووي. وتقول أنشال فوهرا إن كل هجوم يصلح لأن يكون موضوع مسلسل إثارة جاسوسي، لكنها في النهاية لم تفعل الكثير لإيران التي تعاني من اقتصاد متحطم بسبب العقوبات الأمريكية عليها. بل على العكس لم تغير موقفها من المحادثات النووية وتصميمها للوصول إلى نقطة إنتاج الأسلحة النووية.
وتشير الكاتبة إلى أن هذه الهجمات رغم براعتها لكنها استراتيجية لا تدوم. وأشارت إلى تعرض مفاعل نطنز في 11 نيسان/إبريل لهجوم أدى لانقطاع التيار الكهربائي في أشهر المفاعلات النووية الإيرانية. وتوقفت النشاطات في المفاعل لما بين عدة أسابيع حسب مسؤولين إيرانيين إلى تسعة أشهر حسب المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. وهذا هو الهجوم الثالث الذي يتعرض له المفاعل والثاني في عام، ففي تموز/يوليو انفجرت أجزاء من المفاعل وطالت جزءا يتم فيه إنتاج أجهزة طرد مركزي جديدة مما أخر البرنامج لعدة أشهر. ويقول الخبراء إن الهجومين نفذا باختراق داخلي.
ويعود الهجوم الأول إلى عقد حيث تم استهداف نطنز من خلال عملية إلكترونية “ستاكسنت” التي عطلت ألفا من بين خمسة آلاف جهاز طرد مركزي. وأدى هذا الهجوم إلى تأخير البرنامج النووي مدة 18 شهرا.
في الهجوم الأول، تم استهداف نطنز من خلال عملية إلكترونية “ستاكسنت” التي عطلت ألفا من بين خمسة آلاف جهاز طرد مركزي. وأدى هذا الهجوم إلى تأخير البرنامج النووي مدة 18 شهرا
وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر اغتيل محسن فخري زادة الذي يعتقد أنه العقل المدبر للبرنامج قرب طهران باستخدام سلاح تم تفجيره عن بعد. وتم اغتيال سبعة علماء إيرانيين آخرين منذ عام 2007. ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي أيا من هذه الهجمات ولكنها اعترفت فقط بسرقة أرشيف المشروع النووي من طهران في 2018، والتي كشفت كما تقول إسرائيل عن خطط فخري زادة السرية لتطوير السلاح النووي وخرق شروط الاتفاقية النووية الموقعة في عام 2015.
وأبطأت العمليات السرية الإسرائيلية الجهود الإيرانية. ويعتقد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أنها الطريقة الوحيدة لاحتواء الطموحات الإيرانية. ويقولون إن إحياء الاتفاقية النووية لن تردع إيران عن عمليات التخصيب بل وتكافئها. ويناقشون أن رفع العقوبات عن إيران سيسمح لها ببيع النفط وملء خزينتها الفارغة وتمويل ميليشياتها المتعددة بالمنطقة. ويرون أن الضغوط الاقتصادية والعسكرية هي الطريقة الوحيدة لإكراه إيران على الحد من نشاطاتها الإقليمية.
ويخالف الكثيرون هذه المواقف قائلين إن عمليات التخريب المتعددة فشلت في إقناع إيران بالتخلي عن طموحها لإنتاج القنبلة أو إقناع إدارة جوزيف بايدن الضغط من أجل صفقة متشددة في المحادثات الأخيرة. ولم توقف إيران أو الولايات المتحدة حول العودة لشروط الاتفاقية في فيينا، بل وردت طهران بزيادة معدلات التخصيب من 20% إلى 60% مما قرب المدة الزمنية لبناء القنبلة.
وقال علي فائز، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن عمليات التخريب الإسرائيلية أخرت ولم تحد من النشاطات النووية الإيرانية. وحالة تواصلت عمليات التخريب، فسيتقوى ساعد المتشددين الذين يدفعون باتجاه إنتاج القنبلة. وقال: “التخريب والعقوبات قادت فقط إلى نمو مطرد للبرنامج النووي الإيراني” و”تؤخره فقط الدبلوماسية”.
ويدافع يوسي كوبرواسر، الجنرال المتقاعد في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عن العمليات السرية التي تعبر عن جهود شاملة وتضم ضغوطا اقتصادية وخيارات عسكرية “هذه سياسة طويلة الأمد ومن العبث السؤال كل يوم حول نجاح السياسة” و”في هذا الوقت، تخدم العمليات السرية لتوضيح أن هناك طرقا أخرى للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني بدلا من شراء الوقت لضمان طريق آمن لوصول إيران إلى الترسانة النووية”.
يقول الإسرائيليون إن الاتفاقية ليست حلا سحريا لمعركتها مع إيران وقد تجلب الميليشيات الشيعية قريبا من حدودها
وتقول إن معارضة إسرائيل المشروعة للاتفاقية نابعة من كونها لم تمنع إيران من تخصيب اليورانيوم بمستوى 90% بعد 2031 ولم تشمل الصواريخ الباليستية التي قد توجه ضدها. ويقول الإسرائيليون إن الاتفاقية ليست حلا سحريا لمعركتها مع إيران وقد تجلب الميليشيات الشيعية قريبا من حدودها. وعلى خلاف دونالد ترامب الذي لم يتوقف عن تحقيق أمنيات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فبايدن ليس مستعدا للعب نفس الدور. وربما هدفت العمليات الأخيرة أكثر من التخريب بل وكانت موجهة للولايات المتحدة وإقناعها بعدم مواصلة المحادثات في فيينا، وربما توفير ورقة نفوذ لإدارة بايدن لكي تستخدم عدم قدرة إيران على حماية منشآتها والحصول منها على تنازلات. وتخشى إسرائيل من عودة الولايات المتحدة للاتفاق كما هو، ومن هنا فالعمليات الأخيرة هي رسالة لبايدن أنها تستطيع ضرب الجهود النووية الإيرانية، قبل أم أبى.
وترى سنام وكيل من تشاتام هاوس في لندن أن النشاطات الإسرائيلية مصممة للضغط على إدارة بايدن لمعالجة النشاطات الإيرانية في المنطقة. وقالت “لا يتطلع فريق بايدن في الوقت الحالي لتغيير الاتفاقية ولكن الهدف هو عودة إيران للالتزام ووقف التقدم في برنامجها”. واستبعدت أن تكون إدارة بايدن تبحث عن تنازلات لتخفيف مظاهر القلق الإسرائيلي. وأضافت أنه في حالة نجاح هذا فسيكون الهدف مع مرور الوقت هو تقوية وإطالة أمد الاتفاقية وتحديد جدول زمني وإضافة بنود جديدة قد تعالج موضوع الصواريخ الباليستية.
وتطالب إيران الولايات المتحدة بالعودة أولا إلى الصفقة وبعدها ستوقف الخطوات التي اتخذتها. ويقول سيد حسين موساويان الخبير في أمن الشرق الأوسط والسياسة النووية بجامعة برنستون إن إيران واصلت التزامها بالاتفاقية حتى بعد عام من خروج ترامب منها. ومن هنا فالمسؤولية تقع على عاتق أمريكا حتى تظهر حسن النية.
وقال “ستكون نهاية عمليات التخريب الإسرائيلية إيران نووية تكسر تفوق إسرائيل النووي في الشرق الأوسط”. وحذر من حرمان إيران من صواريخ طويلة المدى في وقت لدى أعدائها ترسانات منها. وقال موساويان “مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية هو ألفي كيلومتر أما السعودية وإسرائيل فمدى الصواريخ لديها هو خمسة آلاف كيلومتر. والخطوة الأولى هي تحديد السعودية وإسرائيل مدى صواريخهما إلى ألفي كيلومتر. ويحظر على إيران استيراد الأسلحة التقليدية أما إسرائيل والسعودية وبقية حلفاء الولايات المتحدة فتستورد بمئات المليارات من الدولارات الأسلحة المتقدمة من الولايات المتحدة وبقية القوى العالمية. ومن هنا فالخطوة الثانية هي ترتيب عادل للأسلحة التقليدية لكل دول الشرق الأوسط”.
وفي النهاية فلن يترك التخريب والعقوبات الاقتصادية المطولة إلا أثرا تكتيكيا من خلال إضعاف مقايضة إيران على طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي، والسؤال الإستراتيجي المهم هو متى تفهم إسرائيل والولايات المتحدة أن أيا من الأسلوبين لن يؤدي إلى حل دائم للمأزق مع إيران.
القدس العربي