شاهدت الأب الفلسطيني الذي يحاول حماية ابنته من الشرطة، والشباب الكهانيين المتطرفين الذين يهتفون، “الموت للعرب”، في الشوارع، والخوف الذي شعرت به عندما سُئلت عما إذا كنتُ يسارية. وأنا أكتب بدفع الحاجة إلى تفكيك هذا الجنون إلى عناصره الأساسية -لعلي أتمكن من فهمه بشكل أفضل. وأكتب لأدلي بشهادتي، لأنه لا يمكنني فعل أي شيء آخر. أكتب لأتذكر هذا كله.
* *
منذ بداية رمضان هذا الشهر، منعت شرطة القدس الفلسطينيين من الجلوس على الدرج الواسع عند مدخل باب العامود، الساحة الرئيسية في البلدة القديمة، وإقامة التجمعات المسائية تكريماً للشهر الكريم. وأشعل هذا القرار التعسفي، الذي لم يتم تقديم تفسير معقول له، فتيل احتجاجات فلسطينية واسعة النطاق. وقامت الشرطة، كما لو أنها كانت تنتظر الفرصة المثالية، بتحويل المكان إلى ساحة معركة ليلية.
وعلى خلفية هذا العنف، دعا نشطاء من جماعة “ليهافا” اليهودية التفوقية المتعصبة أنصارهم إلى القدوم بأعداد كبيرة يوم الخميس “لاستعادة الكرامة اليهودية”، بعد ظهور العديد من مقاطع فيديو “تيك توك” التي تظهر فلسطينيين وهم يضايقون بعضاً من اليهود الأرثوذكس المتطرفين في المدينة. وبدعم من ممثليهم الجالسين الآن في الكنيست، استجاب المئات من أنصار المنظمة الكهانية للدعوة، ووصلوا إلى المنطقة بهدف معلن هو مهاجمة العرب (أو اليساريين بدلاً منهم).
سار هؤلاء إلى باب العامود وهم يهتفون “الموت للعرب”، محولين ليلة الخميس إلى أعنف ليلة عرفتها القدس منذ سنوات. وحضرنا نحن، النشطاء اليساريون في القدس، أيضًا لمحاولة موازنة الفاشيين الذين يذرعون شوارع المدينة.
وأنا أكتب الآن، ليس لأن لدي أي إيمان بأن وصف منطقة الحرب التي شاهدتها في شوارع القدس في الأيام الأخيرة، أو الخوض في التفاصيل حول الشباب اليهود الذين كانوا يهتفون، “الموت للعرب”، في قلب المدينة، سيغيران أي شيء. أعلم علم اليقين أنهما لن يفعلا.
إنني أكتب لأن هناك حاجة إلى تفكيك هذا الجنون إلى عناصره الأساسية -لعلي أتمكن من فهمه بشكل أفضل. وأكتب لأدلي بشهادتي، لأنه لا يمكنني فعل أي شيء آخر. وأكتب لأتذكر.
أكتب لأتذكر كيف أنني رأيتُ، وسط سحب الغاز المسيل للدموع وأصوات القنابل الصوتية التي تصم الآذان التي أُطلِقت على الفلسطينيين، أبًا يمسك بيد ابنته وهما يحاولان الفرار معًا.
أكتب لأتذكر العيون المرتعبة للفتى الصغير الذي كان ضباط الشرطة يجرُّونه بعد أن اجتاحوا تجمعاً من الشبان الفلسطينيين.
أكتب لأتذكر الدرجات الفارغة في باب العامود، التي مُنع الفلسطينيون من الجلوس عليها منذ بداية رمضان.
وأكتب لأتذكر أنه عندما كانت رائحة “الظُّربان” -السيارة التي تطلق سائلًا كريه الرائحة بقوة أثناء الاحتجاجات الفلسطينية- تجعلني على وشك أن أتقيأ وعندما تُرك براز خيول الشرطة على الأرض، تساءلت عما إذا كانت البلدية ستنظف الأوساخ في اليوم التالي، وكم يجب أن يكون فوق قدرة الاحتمال أن يفطر المرء في ليالي رمضان بعد نقعه في مياه الصرف الصحي الفاسدة من “الظربان”، حين يُفترَض أن تكون هذه أكثر ليالي العام احتفالية.
أكتب كي أتذكر كيف تردد دوي القنابل اليدوية لفترة طويلة بعد مغادرتي للمنطقة. لأتذكر كيف أنني لم أكن خائفةً عندما رأيت مجموعة متعطشة للدماء من الكهانيين تقترب. وبدلاً من ذلك، صُدِمتُ من كثرة عددهم ومدى صغر سنهم.
أكتبُ لأتذكر كيف كنت خائفة في وقت لاحق من تلك الليلة عندما سألَنا بعض الأولاد اليهود، “هل أنتم يساريون؟” لأتذكر اليهود الأرثوذكس المتطرفين الذين وقفوا على الجانب الآخر من القطار الخفيف في القدس، بالقرب من الجانب اليهودي من حي المصرارة، وأخذوا ينظرون إلى انفجارات القنابل الصوتية التي تُطلقها الشرطة في باب العامود والإثارة تلمع في عيونهم.
لأتذكّر الشاب باليرموك الذي كان يتجادل مع فلسطيني على الجانب الآخر من حاجز للشرطة قبل أن يقول للفلسطيني: “سنذبحكم جميعًا، تعرفون أننا سنقتلكم واحدًا تلو الآخر”.
لأتذكر الألعاب النارية التي أضاءت السماء بينما غنى الكهانيون: “لا تخافي يا إسرائيل، لا تخافي”.
لأتذكّر النشطاء اليساريين الذين تجولوا في مجموعات صغيرة جدًا، وأحيانًا في أزواج. لأتذكر أنني عندما غادرت المنزل، سألتني ابنتي، “إذا رأيتِهم يضربون أحداً، فماذا ستفعلين”؟ ولم تكن لدي أي فكرة عن كيفية الرد.
*محررة في Local Call وناشطة سياسية، ومترجمة للشعر والنثر الفارسيين. وهي عضوة في المجلس التنفيذي لمنظمة “بتسيلم” وناشطة في حزب “البلد” السياسي. تتناول في كتاباتها الخطوط التي تتقاطع وتعرِّف هويتها كمزراحية، يسارية، امرأة، ومهاجرة مؤقتة تعيش في داخل مهاجرة دائمة، والحوار المستمر بين هذه العناصر.
أورلي نوي
الغد