بينما تُجرى المفاوضات من أجل العودة الكاملة أو الجزئية للاتفاق النووي الإيراني في فيينا، فإن العديد من مراقبي إيران يغمرهم شعور بالتوجس والإحساس بالديجافو (تكرار مشهد سبق رؤيته). التوجس مرجعه أن المراقبين الأكثر تشاؤمًا يدركون تكتيكات المساومة الحاذقة للنظام الإيراني، مثل زيادة نشاط التخصيب وتخصيص يوم التاسع من أبريل/نيسان يومًا وطنيًا للتكنولوجيا النووية، في الوقت الذي أعلنت فيه إدارة بايدن استعدادها لاستئناف المحادثات. أما إحساس الديجافو فلأنه على الرغم من اعتراض النظام الإيراني مبدئيًا ورفضه العرض الأمريكي للدخول في محادثات – إذ رفض وزير الخارجية الإيراني إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة وطالب “أمريكا ]باعتبارها[ الطرف المذنب” و”مصدر هذه الأزمة” بضرورة التحرك أولًا قبل أن تُقدِم طهران على الالتزام – لكن المرء يمكن أن يكون شبه متيقن بأن طهران سوف تبرم اتفاقًا.
من العسير الوصول إلى تأكيدات يقينية عند التعامل مع نظام قمعي يتنكر في صورة الممثل الشرعي للإيرانيين. بكل المقاييس، الإيرانيون هم ضحايا القمع الاجتماعي الوحشي الذي يمارسه قادتهم، وسوء الإدارة الاقتصادية، والعزلة الدولية. فقد فضحت العقوبات الأمريكية نقاط ضعف النظام، لكن من الصعب للغاية أن يتم توجيه اللوم لأمريكا على الأوضاع المأساوية في إيران، وتدريجيًا يزداد وعي الإيرانيين بهذه الحقيقة.
في الواقع، فإن إلقاء اللوم على أمريكا هو الإيديولوجية المميزة للجمهورية الإسلامية، إذ يمكن لقراءة سريعة لكتاب “الحكومة الإسلامية” – وهو مجموعة خُطَب لآية الله روح الله الخميني في سبعينات القرن المنصرم – أن تنزع من ذهن المرء أي اعتقاد بنوايا النظام للسعي للتقارب أو الإصلاح. فبالنسبة لمنظري الإيديولوجية الإيرانية، سواء كانوا جالسين في فيينا أو طهران، أمريكا هي “مصدر كل الشرور” ولهذا فعليها أن تُكفِّر عن خطاياها. سوف يتم استغلال محادثات فيينا في طهران للترويج أن “أمريكا ليس باستطاعتها فعل أي تصرف أحمق”، وهو قول مشين تلفظ به الخميني أثناء أزمة الرهائن 1979-1981، وكرره مرارًا المرشد الأعلى الحالي آية الله على خامنئي. وسوف تحرص طهران على أنه كلما حاول الدبلوماسيون الأمريكيون بجهد أكبر، زادت هي أكثر من معارضتها. ومن ثم، فإن فيينا هي الخطوة الأولى في رقصة طويلة وشاقة.
غير أن الخبر السار هو أن أمريكا يمكنها استخدام الإحساس بالديجافو لصالحها. إذ كشف الوزير أنتوني بلينكين بوضوح عن نيته معالجة مثل هذه القضايا الشائكة مثل بنود انقضاء المعاهدة والنشاط الصاروخي وحقوق الإنسان. بينما رفضت إيران رفضًا قاطعًا إدراج أي شيء آخر غير برنامجها النووي، إلا أن ثمة وعيًا متزايدًا بأن إيران لم تعد قادرة على الإفلات بأفعالها من العقاب. إن بناء الائتلاف الهادف للرئيس جو بايدن، بدعم من دول الجوار المتقاربة مع إسرائيل، لديه فرصة لدفع إيران على أعقابها – بما يكفي لفقد النظام توازنه.
معهد واشطن للشرق الاوسط