توسيع قاعدة طرطوس: ترسيخ النفوذ الروسي شرق المتوسط

توسيع قاعدة طرطوس: ترسيخ النفوذ الروسي شرق المتوسط

تعمل وزارة الدفاع الروسية على توسيع قدرات قاعدتها البحرية في مرفأ طرطوس على الساحل السوري، في خطوة تلي عمليات توسيع كبيرة لقاعدة حميميم الرئيسية، الواقعة في ريف اللاذقية، في تأكيد على نوايا موسكو تثبيت وجودها شرقي البحر الأبيض المتوسط لأمد طويل. ونقلت وكالة “تاس” الروسية منذ أيام عن مصدر في “المجمع الصناعي العسكري الروسي”، قوله إنّ مجمع إصلاح السفن في المركز اللوجستي لبحرية الجيش الروسي بطرطوس، سيحصل على رصيف عائم في عام 2022، ما يزيد من فرص إصلاح السفن والغواصات هناك. ونقلت عنه تأكيده أن الرصيف العائم سيوسع إمكانات قاعدة طرطوس.

سيتم تدشين رصيف عائم في ميناء طرطوس عام 2022

وذكرت الوكالة أن الإدارة العسكرية الروسية تعمل على توسيع القدرات الفنية للقاعدة البحرية في ميناء طرطوس، لمزيد من التسهيل في عمليات إصلاح السفن والغواصات، إذ تتمّ عمليات الإصلاح حالياً من قبل ورشات عمل عائمة من أسطولي البحر الأسود والبلطيق، أو تُنقل السفن التي تحتاج للإصلاح إلى الموانئ الروسية. مع العلم أن روسيا والنظام السوري وقّعا اتفاقية تنصّ على استئجار موسكو مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً، وقد دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ مطلع عام 2018، في خطوة رسّخت الهيمنة الروسية على مجمل الساحل السوري. وتنصّ المادة 25 من بنود الاتفاقية على تجديدها تلقائياً لـ25 عاماً أخرى، إذا لم يرسل أحد الأطراف كتاب نوايا عبر القنوات الدبلوماسية يطلب إنهاءها، على أن يكون موعد إرسال هذا الكتاب قبل سنة على الأقل من تاريخ انتهاء الاتفاقية.

وتنصّ المادة الثانية من الاتفاقية على تسلّم الطرف الروسي (مجاناً وطوال مدة هذه الاتفاقية) الأراضي وقطع المناطق المائية المشار إليها في المخطط وفقاً للملحق رقم 1 (ملحق سري)، على أن تقتصر على الإحداثيات الجغرافية وفقاً للملحق 2 (سري)، فضلاً عن الممتلكات غير المنقولة اللازمة لوضع وتشغيل “مركز الخدمات اللوجستية” أي (القاعدة العسكرية) في القائمة وفقاً للملحق رقم 3 (وهو سري أيضاً). كذلك تشمل الاتفاقية أراضي المنطقة الساحلية ومنطقة المياه في ميناء طرطوس والمنطقة الأمامية (منطقة وقوف المنشآت العائمة)، وتشمل أيضاً سطح الأرض وسطح البحر وقاعه.

وحول هذه التطورات، يرى المحلل طه عبد الواحد، أن عمليات التوسيع الجديدة في ميناء طرطوس هدفها “تثبيت الأقدام الروسية وغرسها في عمق سورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”، معتبراً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنها “لا تحمل أي دلالات على أمر مباشر متوقع حدوثه”. ويبدي اعتقاده أن الغرض من التوسيع هو تهيئة بنى تحتية لتعزيز الموقف عسكرياً، مشدّداً على “أن السفن الروسية لن تكون مضطرة بعد إتمام عمليات التوسيع التوجه نحو مصانع ومحطات الصيانة البحرية في شمال غربي روسيا”. وبرأيه فإنه “مع دخول الرصيف العائم الجديد الخدمة في العام المقبل سيصبح بالإمكان صيانة الغواصات والسفن في طرطوس”. ويشير إلى أن “هذا الأمر يزيد من القدرة القتالية للقطع البحرية الروسية في البحر المتوسط”، معتبراً أن عمليات التوسيع تؤكد أن روسيا تنوي البقاء لفترة طويلة جداً في المنطقة، وتعمل على تعزيز مواقعها في سورية.

لكن الروس لا يكتفون بالتمدد في الساحل السوري، وفقاً للمحلل العميد مصطفى الفرحات، ويلفت في حديث لـ”العربي الجديد” إلى “أن الجانب الروسي لا يكتفي بتوسيع نفوذه في الساحل السوري فحسب، بل في الكثير من المناطق السورية”. ويبين أن الروس “يعملون على تعزيز قدرتهم العسكرية بشتى المجالات وليس فقط في الجو”، ويقول إن “هناك سباقاً محموماً لتوسيع دائرة النفوذ في سورية بين الروس والإيرانيين، الذين زجوا بقوات كبيرة ما جعلهم يتحكمون بالأرض أكثر من الروس”. ويرى أن الجانب الروسي “يعمل اليوم على استقطاب شبان سوريين لتجنيدهم في داخل سورية وخارجها”، مضيفاً أن “الروس قوة احتلال ولا شيء يمنعهم من توسيع نفوذهم وترسيخه، والنظام بات دمية لديهم ولا يملك قراره على الإطلاق. هناك منافسة كبيرة بين موسكو وطهران لتثبيت الأقدام أكثر في الجغرافيا السورية والبقاء الى أمد غير محدد في البلاد”. ولا يستبعد الفرحات أن تكون الخطوة الروسية في توسيع قاعدة طرطوس وإنشاء رصيف عائم تهيئة لاستقدام حاملات طائرات إلى شرق البحر المتوسط، في سياق المساعي الروسية لأداء دور أكبر في المنطقة. ويخلص إلى القول إن عمليات التوسيع هي رسالة واضحة للغرب، بأن روسيا باتت رقماً صعباً في معادلة الصراع في البحر المتوسط.

عمليات التوسيع الجديدة في ميناء طرطوس هدفها تثبيت الأقدام الروسية

ويعود الوجود الروسي في مرفأ طرطوس السورية إلى عام 1971، مع إبرام النظام السوري اتفاقاً مع الاتحاد السوفييتي إبّان عهد حافظ الأسد، أُنشئت بموجبه نقطة لوجستية سوفييتية في منطقة المرفأ. وفي 30 سبتمبر/أيلول عام 2015 باشر الروس تدخلاً عسكرياً واسع النطاق الى جانب النظام السوري الذي كان على وشك الانهيار، فأقاموا قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية على الساحل، التي شكّلت محطة انطلاق للطائرات الحربية والمروحية التي رجّحت كفة الصراع لصالح النظام. وتضمّ القاعدة مقر قيادة القوات الروسية في سورية، ومركز المصالحة الروسي، وتدار منها العمليات العسكرية كافة على امتداد سورية.

ووسّع الروس هذه القاعدة في فبراير/شباط الماضي، وفقاً لتقرير نشره موقع “ذا درايف” المهتم بالشؤون الدفاعية والعسكرية، الذي أشار إلى أن الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أظهرت أن وزارة الدفاع الروسية أضافت نحو 300 متر للمدرج الغربي في القاعدة الجوية. وأفاد بأنّ الإجراء الجديد يمكن أن يدعم مزيداً من عمليات النشر المنتظمة للطائرات الأكبر والأكثر حمولة، بما في ذلك طائرات الشحن العملاقة وحتى القاذفات بعيدة المدى. وينتشر الروس في عموم الجغرافيا السورية، ضمن مناطق سيطرة النظام، وفي شرق نهر الفرات الخاضعة للجانب الكردي. وترى المعارضة السورية أن الوجود الروسي في البلاد يرقى إلى مستوى الاحتلال المباشر، خصوصاً بعد وضع موسكو يدها على مفاصل القرار لدى النظام، الذي يعتمد عليها في استمراره في السلطة. ووصلت الأيادي الروسية الى قلب البادية السورية، حيث سيطرت موسكو على مناجم الفوسفات في ريف حمص الشرقي، وفق عقد وُقع مع حكومة النظام في عام 2018 مدته 50 عاماً.

أمين العاصي

العربي الجديد