“العامل الشخصي” شخصي جدا في سلام الشرق الأوسط

“العامل الشخصي” شخصي جدا في سلام الشرق الأوسط

تبدو احتمالات متابعة فيلم وثائقي يحكي تفاصيل ثلاثة عقود لبدء عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من وجهة نظر المفاوضين الأميركيين ضئيلة بالنسبة إلى الكثير من المتابعين لأنه قد لا يحمل ما يغري في إعادة فتح ندوب قديمة لم يتم حلها منذ زمن بعيد.

ولكن هناك سبب يجعل فيلم “العامل الشخصي” للمخرج الإسرائيلي درور موريه مثيراً للاهتمام فقط بالنسبة لأصحاب السياسة وأولئك الذين لهم مصلحة مباشرة في هذه القضية، حيث يعرض قصة ما وراء الكواليس عن جهود الولايات المتحدة لتأمين السلام خلال تسعينات القرن الماضي عبر مقابلات مع كبار الدبلوماسيين الأميركيين.

ويأخذ الفيلم كنقطة انطلاقة له مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ومكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم والتحرك السريع للرئيس جورج دبليو بوش لوضع حد للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني عبر تكليف وزير خارجيته جيمس بيكر بإطلاق محادثات بين مختلف الأطراف في الشرق الأوسط للبدء في عملية السلام. لكن عندما خسر انتخابات 1992 باتت القضية في أحضان الرئيس بيل كلينتون.

ويشير عنوان الفيلم إلى ما قاله دينيس روس، أشهر مفاوض في عملية السلام وأحد اللاعبين الرئيسيين الذين اعتمدت عليهم إدارات متعاقبة في رسم السياسات الأميركية في الشرق الأوسط بأنه “لا يمكنك تجاهل ‘العامل الشخصي’.. الشخص الذي لديه طابع إنساني يعامل شخصا آخر باحترام. الأشخاص الذين لديهم معاملة ذات طابع إنساني لا يعتقدون أنهم سيتغلبون على أي شخص بذكاء”.

ويمضي الفيلم في إثبات هذه النقطة، ويضع حداً دقيقاً فاصلاً بين نقل الحقائق الضرورية وبين كونه درسا تاريخيا. لكن القيمة تكمن في التفاصيل الإنسانية الصغيرة، مثل حقيقة أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أخذ على عاتقه مسؤولية تقطيع الدجاج لروس عندما كانا يأكلان معا أو المشهد المتناقض لحاشية عرفات وهم يشاهدون المسلسل الأميركي “ذا غولدن غيرلز” على شاشة التلفزيون.

والفيلم، الذي تم عرضه لأول مرة في عام 2019 في مهرجان تيلورايد السينمائي مليء بمثل هذه اللمسات الإنسانية، ليس فقط عن عرفات ولكن عن القادة الإسرائيليين والأميركيين أيضًا. مثل الرئيس الديمقراطي الأسبق كلينتون، الذي يُصوَّر هنا على أنه رجل في مهمة تحديد مساره الوظيفي لتحقيق اتفاق سلام.

فيلم “العامل الشخصي” للمخرج الإسرائيلي درور موريه مضى في إثبات أن الأشخاص الذين لديهم طابع إنساني لا يعتقدون أنهم سيتغلبون على أيّ شخص بذكاء خلال عملية التفاوض

وهناك حكاية صغيرة ولكنها مذهلة فبينما تتفجر فضيحة مونيكا لوينسكي، مما يلقي بظلالها على رئاسة كلينتون، ينظر روس إلى أجندة رئيسه خلال اجتماع مهم، حيث كان كلينتون يكتب “ركز على عملك. ركز على عملك”.

ويتتبع الفيلم الشق الطويل لجهود السلام من خلال لقطات أرشيفية ومقابلات مع مفاوضين رئيسيين، فروس، الذي عمل مع رؤساء من رونالد ريغان إلى باراك أوباما؛ ومارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة مرتين في إسرائيل؛ لعب دورًا كبيرا لأكثر من عقد مع المفاوضين جمال هلال وهارون دافيد ميلر ودانييل كيرتزر.

ومن خلال هؤلاء المفاوضين، وخاصة روس، تقول الصحافية الأميركية المخضرمة جوسلين نوفيك إنه يمكن الحصول من خلال هذا الفيلم على رؤية عن قرب لقادة العالم وكيف يتصرفون خلف الأبواب المغلقة.

فهناك وصف دقيق لوجبة غداء في غرفة الطعام الصغيرة قبالة المكتب البيضاوي تناولها كلينتون وعرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني الملك حسين بن طلال. ويصف روس الملك حسين وهو يوبخ نتنياهو كما لو كان تلميذًا ضالًا “ليس لديك النضج الكافي لتكون قائدًا. عليك أن تكبر وتصبح قائدا”. ثم يسود الصمت في الغرفة.

وفي نقطة أخرى، يصف روس تصريحات كلينتون عن نتنياهو متسائلاً “ما هي القوة العظمى في رأيه”؟ وقد حدث هذا، بالطبع، بعد وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على يد متطرف يهودي عام 1995، بينما كان يسعى لتحقيق السلام.

ويصور الفيلم الاحترام الذي نشأ ببطء بين رابين وعرفات، منذ اللحظة التي كانت فيها المصافحة بالأيدي بادرة صعب تحقيقها، إلى الوقت الذي كان عرفات يلف ذراعه على ظهر رابين.

وبالنسبة لهذا المشاهد، يأتي العامل الأكثر “إنسانية” في الفيلم مع الصدمة من مقتل رابين، وخاصة من روس نفسه. ويروي المفاوض الأميركي أنه كان يأخذ أحد أبنائه إلى المنزل من زيارة الطبيب عندما استدعاه وزير الخارجية وارن كريستوفر.

وبمجرد أن انتشر الخبر، كان على زوجة روس أن تشرح لأبنائهم سبب بكاء أبيهم. يقول روس “لم يروني أبكي من قبل”. وبالحديث إلى الكاميرا اليوم، تعود الدموع إلى عينيّ مرة أخرى. ويضيف “هذه لحظة لا أستطيع التحدث عنها حقًا”.

وسيبقى روس في منصبه، محاولاً التوسط في السلام بين عرفات ونتنياهو، أو عرفات ورئيس الوزراء إيهود باراك. وكان كلينتون مصراً، لكن هذا لم يكن كافيا. فقد فشلت قمة كامب ديفيد في التوصل إلى اتفاق، ونرى كلينتون في أيامه الأخيرة في المنصب في يناير 2001، وهو يتحدث في مكالمة هاتفية مع عرفات، الذي وصفه بأنه “رجل عظيم”. ونقل روس عن كلينتون قوله “لا لست كذلك. أنا فاشل”.

واللافت في الفيلم أنه لا يجيب على سؤاله الأساسي: ما الخطأ الذي حدث؟ لكن هناك تلميح بالإجابة. لكن الدبلوماسي الأميركي ميلر أثار بشكل مباشر واحدة من أكثر القضايا خطورة: هل كانت الولايات المتحدة في يوم من الأيام مجهزة حقًا لتكون “وسيطًا نزيهًا”؟ هل كان السلام الحقيقي ممكنًا عندما كان الأميركيون يتصرفون أساسًا، كمحامين لإسرائيل؟

وتعليقا على ما حصل خلال فترة توليه منصبه خلال مفاوضات عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يؤكد ميلر أنه “لا أعتقد أنني سأتحرر من إصدار الأحكام المسبقة”. ويسأل “هل لدينا محامون فلسطينيون”؟

وتلقى الفيلم الوثائقي “العامل الشخصي”، وهو من إصدار شركة “سوني بيكتشرز كلاسيكس”، ومدة عرضه تستغرق 108 دقيقة، تصنيف بي.جي 13 من قبل نظام جمعية الفيلم الأميركي لتقييم الأفلام لعرضه بعض الصور العنيفة /الدموية، حيث حصل على ثلاث نجوم من أصل أربع.

العرب