منذ أيام قليلة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيسحب كل القوات الأميركية من أفغانستان خلال الأشهر المقبلة، مستكملاً الانسحاب العسكري بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ومع انتقادات ما زالت توجَّه إلى تداعيات الخطوة الأميركية على استقرار أفغانستان، أكد مسؤولون في إدارة بايدن أن الولايات المتحدة تعتزم الاستمرار في المشاركة عن كثب في عملية السلام وستواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى الحكومة الأفغانية وقوات الأمن، التي لا تزال تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الأجنبي.
رسمياً، هناك 2500 جندي أميركي في أفغانستان، إضافة إلى 7000 جندي أجنبي من قوات التحالف، غالبيتهم من حلف شمال الأطلسي (ناتو). السؤال هنا، هو ما تأثير تلك التطورات على إيران، المجاورة لأفغانستان، والتي تشترك معها بحدود طولها نحو 945 كيلومتراً، ودائماً ما تتخذ سياسة طهران الخارجية تجاهها، أبعاداً سياسية واقتصادية وثقافية؟
دائماً ما كان المنظور الإيراني لمصادر التهديد الرئيس له ينبع من الوجود الأميركي فى المنطقة على طول الحدود الإيرانية في أفغانستان والعراق. وأتاح سقوط المنافسين الإقليميين لإيران، كإنهيار نظام حركة طالبان في أفغانستان والنظام البعثي بقيادة صدام حسين في العراق، المجال لتوسيع نفوذها في محيطها المباشر. ومع ذلك، لطالما أكدت إيران وسعت إلى التعاون مع الولايات المتحدة في أعقاب سقوط حكم “طالبان”، فشهدت إدارة الجمهوريين التي رأسها جورج بوش الابن تعاوناً خلال تلك الفترة مع إيران في أفغانستان والعراق، على الرغم من الخطاب العدائي المتبادل بين إدارة بوش والرئيس الإيراني السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد. وعملت الولايات المتحدة في البداية على التقارب مع إيران، وفتح قنوات اتصال بشأن الوضع فى أفغانستان، فى حين أنها تجاهلتها عند التعامل مع الوضع في العراق، فشهد الغزو الأميركي لأفغانستان تعاون إيران وفتح مفاوضات بناءة بين الطرفين. وولّد التواصل بين الطرفين على مدى 18 شهراً حول أفغانستان، العديد من النتائج الإيجابية، بما في ذلك التعاون التكتيكي الإيراني لحفظ الاستقرار بعد سقوط حكومة طالبان. كما عرضت طهران مرات عدة المشاركة في برنامج تدريبي بقيادة الولايات المتحدة للجيش الأفغاني، وإطلاق حوار حول مكافحة الإرهاب مع واشنطن.
لذا سيمنح الانسحاب المعلَن للقوات الأميركية من أفغانستان لإيران واحدة من أكبر أمنياتها، حيث تعتبر أن وجود القوات الأميركية تهديد لها تسعى منه إلى تقويض نظامها. ومع أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان قد يؤدى إلى مزيد من عدم الاستقرار والفراغ، فإن إيران، إحدى القوى الإقليمية الفاعلة في أفغانستان، تستعد لممارسة تأثير كبير هناك بعد الانسحاب الأميركي. إضافة إلى ذلك، قد يوفر الانسحاب لإيران فرصة لتعزيز العلاقات مع القوى الأخرى المشاركة في أفغانستان، مثل الهند وروسيا.
لكن بشكل عام تتوافق الأهداف الإيرانية في أفغانستان مع معظم المصالح الأميركية والتي كان منها استقرار أفغانستان مع حكومة خالية من سيطرة طالبان. لذلك نجد تصريح وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي اعتبر أن الانسحاب خطوةً إيجابية لكنه حذر من الفراغ الذي قد تملؤه “طالبان”، كما تحدث عن وجود “داعش” في أفغانستان. وتنظر إيران إلى “داعش” على أنها مصدر تهديد محتمل قد يوجّه هجمات ضدها بعد الانسحاب الأميركي.
ومن ثم فإن مدى استعداد إيران للتعاون المباشر مع الولايات المتحدة في أفغانستان يعتمد إلى حد كبير على حالة المباحثات الجارية بشأن الملف النووي في فيينا، ومع ذلك فحتى لو فشلت تلك المباحثات، فإنه من غير المرجح أن تتعارض سياسة إيران في أفغانستان مع أهداف الولايات المتحدة.
لذا يُعد الحفاظ على أمن واستقرار أفغانستان، إحدى مساحات التقارب المحسوب بين طهران وواشنطن. وهنا قد يُترجَم هذا التعاون في مجالات مكافحة المخدرات في أفغانستان. كما ستستمر إيران في محاولة بناء نفوذها الناعم في أفغانستان، لا سيما في مجالات التعليم والإعلام، إذ عملت على بناء ودعم مدارس ومساجد ومراكز إعلامية. ويتركز قسم كبير من هذا النشاط في غرب وشمال أفغانستان، فالكثير من المدارس الأفغانية تمتلئ بآلاف الكتب المحمّلة بالقيم الإيرانية.
من جهة أخرى، تُعد قضية اللاجئين الأفغان في إيران مسألة حرجة، حيث يوجد على الأراضي الإيرانية لاجئون أفغان أكثر من أي دولة أخرى بعد باكستان. ومع تدهور الظروف الاقتصادية في إيران، أصبح الكثيرون ينظرون إلى اللاجئين الأفغان على أنهم عبء وتعرضوا للتمييز، لدرجة اندلعت معها احتجاجات في أفغانستان رداً على معاملة إيران للاجئين. وتستخدم إيران أحياناً التهديد بالترحيل الجماعي للأفغان كوسيلة للضغط على حكومة كابول لدفعها نحو تبنّي سياسات مواتية لها.
لذا يُرجّح بعد الانتهاء من حسم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، أن تشترك الأخيرة مع إيران بشكل مباشر في مناقشات ثنائية بشأن أفغانستان ومتابعة المسارات المشتركة التي من شأنها أن تخدم المصالح المتبادلة وبناء الثقة.
إذاً هناك مساحة جديدة للتقارب بين واشنطن وطهران بعد سنوات من التوترات، هذه المساحة خلقتها المصالح المشتركة في أفغانستان والتي ستدفع واشنطن نحو التنسيق مع طهران لمواجهة تداعيات الانسحاب، وضمان استقرار وأمن أفغانستان فى مواجهة سيناريو الفوضى والعنف الذي تتزايد احتمالاته.
هبه رؤوف
اندبندت عربي