تصاعدت مؤخرا التحذيرات من تنامي الدور الروسي في الشرق الأوسط بما ينطوي عليه من تداعيات في العديد من الملفات وذلك في وقت تستفيد فيه موسكو من تراجع الولايات المتحدة في المنطقة.
وفي سياق هذه التحذيرات نبه مركز أبحاث أميركي من تصاعد خطر الدور الروسي في الشرق الأوسط على مصالح الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في الملفات الحساسة على غرار الملف السوري والإيراني والسيطرة السيبرانية والتكنولوجية.
وخلُصت حلقة نقاشية نظمها برنامج الشرق الأوسط ومعهد كينان التابعان لـ مركز الأبحاث الأميركي “ويلسون” إلى أن الولايات المتحدة تجاوزتها الأحداث في الشرق الأوسط وهو ما فسح المجال أمام صعود أدوار قوى دولية وإقليمية مثل روسيا وإيران وتركيا، ثم الصين التي تعتمد بشكل أساسي على التمدد الاقتصادي.
وفيما تُحاول الولايات المتحدة تركيز جهودها على القارة الآسيوية بهدف التصدي للصين، تُواصل روسيا التمدد في الشرق الأوسط الذي نجحت في أن تصبح لاعبا رئيسيا في العديد من مناطقه، وهو ما يهدد مصالح واشنطن هناك على غرار الاستقرار الإقليمي وتأمين إمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية وغيرها.
وبحسب التقرير الذي نشره مركز “ويلسون” على موقعه الإلكتروني عن خلاصة الحلقة النقاشية التي شارك فيها 12 محللا ودبلوماسيا من الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا بينهم الميجور جنرال عاموس جلعاد وماثيو روجانسكي مدير معهد كينان وجيمس جيفري السفير الأميركي لدى العراق وتركيا سابقا، فإن روسيا أصبحت مجددا لاعبا عسكريا ودبلوماسيا في الشرق الأوسط.
وحتى قبل العام 2015 عندما تدخلت روسيا رسميا وعمليا في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، سعت إلى توسيع نفوذها العسكري والاقتصادي في الشرق الأوسط.
والآن أصبحت روسيا لاعبا أساسيا في سوريا وليبيا وشريكا لإيران، وشريكا أيضا لطموحات مصر العسكرية، ومحاورا لدول الخليج وخاصة الإمارات والسعودية، وكذلك محاورا لإسرائيل والحكومة الأفغانية وحركة طالبان والفلسطينيين وغير ذلك من الكيانات السياسية. كما أصبحت روسيا عنصرا في الأزمة اليمنية ووسعت مصالحها في شمال أفريقيا.
ومع ذلك، ما زالت روسيا أبعد من أن تكون قد شكلت نظاما إقليميا من تصميمها في المنطقة.
كما يمكن القول إن روسيا لم تصبح حتى الآن تحديا أساسيا للتعاون الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، رغم أن اتساع نطاق الأنشطة الروسية في المنطقة يؤثر بالتأكيد على مصالح إسرائيل والولايات المتحدة. فالوجود الروسي في المنطقة ومعه الوجود الصيني في الخلفية يزيد من تعقيد الموقف في الشرق الأوسط.
ومع تغيير الإدارة في واشنطن بانتهاء حكم الرئيس السابق دونالد ترامب وتولي جو بايدن الرئاسة، وتصاعد التوترات الأميركية الروسية على الصعيد العالمي، يمكن أن يتحول الدور الروسي في الشرق الأوسط إلى تحدّ استراتيجي وهاجس ملح لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات حساسة مثل سوريا وإيران، وفي مجالي الأمن السيبراني والتكنولوجيا.
وفي مواجهة هذا التحدي، أكد المشاركون في الحلقة النقاشية أهمية العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة، والحفاظ على التعاون الوثيق المعتاد بين البلدين، والعمل على تجاوز أي خلافات بينهما بشأن أدوار روسيا وتركيا والصين في الشرق الأوسط.
روسيا تُواصل التمدد في الشرق الأوسط
روسيا تُواصل التمدد في الشرق الأوسط
كما دعا هؤلاء كلاّ من واشنطن وتل أبيب إلى ضرورة التشاور والتعاون متعدد الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي في هذه الملفات، وذلك في وقت استشعر فيه العديد من اللاعبين الإقليميين التراجع الأميركي على غرار السعودية التي بدأت محادثات مع إيران.
وفي الوقت نفسه، أشارت خلاصة المناقشات إلى أن الوجود الروسي وفق المستويات الراهنة في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة أمر يمكن القبول به. كما أنه لا يتعارض بالضرورة مع المصالح الأميركية الأساسية فيها، لكنه يعقد محاولات تحقيق هذه المصالح ويضر بها، وفق الدرجة التي تتحرك بها السياسة الروسية مدفوعة بهدف الحدّ من النفوذ الأميركي والإضرار بمكانة الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الوجود الروسي يمثل تحديا للأمن القومي. وتمثل روسيا مجموعة من المخاوف العملياتية والاستراتيجية، بسبب احتمال أن يحد هذا الوجود من حرية إسرائيل في شن العمليات العسكرية بالأراضي السورية، وكذلك بسبب العلاقات الاستراتيجية والتعاون بين موسكو وطهران.
في المقابل، فإن التواصل مع روسيا، يتيح لإسرائيل تحقيق نجاحات على صعيد تقليص القدرات العسكرية لإيران في سوريا، مع تأثير روسي محدود على العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية. وتحتاج إسرائيل إلى المحافظة على تواصلها مع روسيا لتأمين هذه الأهداف العليا.
وتوصل المشاركون في الحلقة النقاشية إلى أنه على إسرائيل أن تؤكد للولايات المتحدة إدراكها لرغبة روسيا في تقليص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وهو ما يتعارض مع المصالح الأساسية الإسرائيلية. كما يجب على إسرائيل التحلي بالشفافية الكاملة مع واشنطن بشأن العلاقات الإسرائيلية الروسية والتي تتركز على ضمان عدم الصدام ودعم تدابير السلام، وضمان حرية التحرك لإسرائيل في سوريا وأنها تقتصر على الجوانب التكنولوجية والمخابراتية.
وبالنسبة لمجالات التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط، يرى الخبراء والباحثون المشاركون في النقاش أن هناك أربعة مجالات محددة لهذا التعاون، في مقدمتها: تشجيع روسيا على القيام بدور خاص في سوريا للحدّ من الوجود الإيراني فيها.
كما يمكن التعاون بين الطرفين من أجل توفير التمويل لتحقيق تسوية سياسية للصراع في سوريا. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية يمكن أن تلعب دورا في إعادة إعمار سوريا في المستقبل، واستخدام الموارد المالية كوسيلة لتحقيق النتائج المرجوة من التسوية، مثل تقليص وجود إيران ونفوذها في سوريا.
ويمكن التشاور مع روسيا أيضا بشأن الملف النووي الإيراني وهو ما يمكن أن يعزز البنود المتفق عليها بين تل أبيب وواشنطن بالنسبة لهذا الملف، وبخاصة الإجراءات المتعلقة بأعمال التفتيش والرقابة التي تقوم بها وكالة الطاقة الذرية على الأنشطة النووية في إيران.
وأخيرا يمكن العمل على الحدّ من مبيعات الأسلحة الروسية لدول الشرق الأوسط، حيث يمكن ممارسة الضغوط بقوة على روسيا لعدم بيع الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ المضادة للسفن وطائرات سوخوي 35 لدول الشرق الأوسط، حتى لا تتغير موازين القوة العسكرية في المنطقة.
صحيفة العرب