التراجع الأميركي يضع مفاتيح استقرار الشرق الأوسط بيد لاعبيه

التراجع الأميركي يضع مفاتيح استقرار الشرق الأوسط بيد لاعبيه

مع توجّه الولايات المتحدة نحو تركيز جهودها على محور آسيا تتصاعد التكهنات بشأن توجّه لاعبين إقليميين في الشرق الأوسط للمراهنة على الدبلوماسية لإرساء استقرار في المنطقة.

ويعكس بدء المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران ذلك، حيث يسعى البلدان إلى خفض التوتر في المنطقة بما يخدم مصالحهما، لكن النتيجة تبقى غير مضمونة وفقا لمراقبين، غير أن الثابت لدى هؤلاء أن التراجع الأميركي في الشرق الأوسط سيدفع أكثر اللاعبين الإقليميين إلى الدبلوماسية لإرساء استقرار في المنطقة.

وفي وقت سابق قال تريتا بارسي الخبير الإيراني في تصريح لمجلة فورين بوليسي إن “الدرس المستفاد لواشنطن واضح: إذا اتخذت الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء عسكريا، فسيُطلب من الشركاء الإقليميين اتخاذ خطوة دبلوماسية إلى الأمام”.

العودة إلى محور آسيا
تتجه الولايات المتحدة نحو تعديل بوصلتها على آسيا في سياق ما يُعرف بمحور آسيا وهي السياسة التي تبناها الرئيس باراك أوباما في 2012 وحلمت بها في الأصل وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس.

ويرى المحلل السياسي أليستر نيوتن الذي أمضى عشرين عاما كدبلوماسي محترف في السلك الدبلوماسي البريطاني أنه “سيكون من العدل أن نقول إن الرئيس أوباما قد أحرز بعض التقدم، وإن كان قد تراجع بشكل كبير بقرار خليفته سحب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ”.

تريتا بارسي: إذا تراجع الأميركيون فسيُطلب من الشركاء اتخاذ خطوة دبلوماسية

وتابع نيوتن في مقالة بمؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية أنه “ومع ذلك، كما قال الرئيس في مناسبة واحدة على الأقل، فإن الشرق الأوسط (أحد الخاسرين المحتملين الرئيسيين في المحور) لديه عادة رفض التجاهل، كما اكتشف دونالد ترامب أيضا. ويتطلع إلى تأسيس محوره نحو الولايات المتحدة”.

وأكد أنه بعد تسع سنوات اتضح بالفعل أن الرئيس بايدن كان أكثر إصرارا من الرئيس الأسبق على تحويل التركيز الرئيسي للسياسة الخارجية الأميركية إلى آسيا موضحا “هذا ليس مفاجئًا لأن التحول الإستراتيجي الذي يقع في مكان ما بين ‘المرغوب فيه’ و’الضروري’ في طيف أولويات واشنطن في 2012 يُنظر إليه بلا شك الآن على أنه ضرورة صريحة. باختصار، أصبحت عوامل ‘الجذب’ التي تمارسها آسيا على الولايات المتحدة دبلوماسيًا وعسكريًا أكبر الآن مما كانت عليه في 2012”.

وبالفعل يعتقد الرئيس بايدن وإدارته أن أكبر التحديات الأمنية القادمة ستظهر من خلال القوى العظمى المنافسة للولايات المتحدة ممثلة أساساً في الصين وروسيا.

إضافة إلى ذلك فإن هناك العديد من عوامل “الدفع” التي يمارسها الشرق الأوسط والتي ستدفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب منه.

أولا، هناك درجة أكبر من التعب من الاشتباكات العسكرية في المنطقة، والمعروفة أيضا باسم “الحروب التي لا نهاية لها”. ثانيا، رغم تأثير الطفرة في إنتاج النفط المحلي في الولايات المتحدة في 2012، إلا أن هدف الرئيس بايدن الذي أعلنه مؤخرا بخفض انبعاثات الكربون في بلاده إلى النصف بحلول سنة 2030 يكاد يكون مؤكدا بدرجة أكبر على الأهمية التي ترى بها واشنطن منطقة الخليج على وجه الخصوص.

وقال نيوتن إنه “رغم ذلك فإنه لا يعني أن الجيش الأميركي أصبح على وشك التخلي عن منطقة الخليج بالكامل أو أننا سنشهد انسحابا كبير في المدى القريب (بخلاف أفغانستان). ومع ذلك، حتى لو لم يكن بايدن صريحا في بعض تعليقاته العامة كما عهدناه، فمن الواضح أن الطريقة التي تهب بها الرياح لوحظت لدى حليف واحد طويل الأمد للولايات المتحدة في المنطقة وهو المملكة العربية السعودية”.

عجّل التراجع الأميركي في الشرق الأوسط من بروز تغيرات لم تكن متوقعة في وقت سابق، حيث سارعت إيران والسعودية إلى بدء محادثات أكدها مسؤول سعودي الجمعة بعد تكتم لأسابيع عنها.

الخيار الدبلوماسي
Thumbnail
كانت مجلة فاينانشيال تايمز قد كشفت في الـ18 من أبريل الماضي عن محادثات بدأتها طهران والرياض وهي خطوة وصفها تريتا بارسي على أنها تغير كبير في السياسة السعودية وذلك في مقالة له في الـ29 من أبريل لمجلة فورين بوليسي.

وقال بارسي “ما الذي تغير لجعل هذا التحول ممكنا؟ هناك عامل واحد يلوح في الأفق أكثر من جميع العوامل الأخرى: تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط. ولم يكن الأمر يتعلق بأي شيء فعلته واشنطن، بل بما أوقفته، أي طمأنة شركائها الأمنيين في المنطقة بأنها ستستمر في دعمهم دون قيد أو شرط بغض النظر عن السلوك المتهور الذي ينخرطون فيه. وأجبرت خلافات شركائها في الشرق الأوسط وحيلهم قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة”.

وقال السفير رائد قرملي مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية الجمعة إن المحادثات بين السعودية وإيران تهدف إلى خفض التوتر في المنطقة، لكن من السابق لأوانه الحكم على النتيجة، حيث رهن ذلك برؤية “أفعال يمكن التحقق منها من قبل طهران”.

ووفقا لـ فاينانشيال تايمز عُقدت الجولة الأولى من المحادثات (التي لم يعترف بها الجانبان رسميا) في بغداد في 9 أبريل. ومع ذلك هناك مزاعم بأن هذا الاجتماع ربما سبقته محادثات إيرانية – إماراتية في وقت مبكر من شهر يناير وسلسلة اجتماعات لاحقة شارك فيها مسؤولون من طهران والرياض وأبوظبي وعمّان.

التراجع الأميركي في الشرق الأوسط عجّل من بروز تغيرات لم تكن متوقعة في وقت سابق

وبالرغم من التأكيد السعودي للمحادثات مع إيران غير أن ذلك لا يضمن حدوث تقارب بين طهران والرياض في المستقبل المنظور.

ولكن نيوتن يرى أن هناك جملة من الاعتبارات تدعو إلى التفاؤل إزاء هذه المحادثات وتحركات هؤلاء الفاعلين حيث يقول “أولا، ما يتعلق بالجانب الإيراني حيث يقوده إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس، الذي (مثلما افترضنا بشكل معقول حتى قبل مقال فاينانشيال تايمز في 28 أبريل حول من يملك السلطة حقا في طهران) يتمتع بنفوذ أكبر بكثير مع المرشد الأعلى علي خامنئي من وزير الخارجية محمد جواد ظريف”.

وتابع “ثانيا، من الواضح أن للجانبين الكثير للاستفادة منه ومن العملية الناجحة. بالنسبة إلى الرياض، فإن الخروج مع حفظ ماء الوجه من الحرب في اليمن والتقليل (المرتبط به) من التهديد لمنشآتها النفطية سيكون بمثابة جائزة كبيرة. أما بالنسبة إلى طهران فتتمثل الأهداف الواضحة في إشراك الحوثيين في تقاسم السلطة في صنعاء، وإبعاد المملكة العربية السعودية عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتقليل معارضة الرياض لتجديد محتمل لخطة العمل الشاملة المشتركة”.

واسطرد “لكن لن يتحقق أي من هذه الأهداف بسهولة (ناهيك عن تسوية الخلافات التي يتردد صداها في العراق ولبنان وسوريا). ولكن في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان القليلون يتوقعون رؤية محادثات بين الجانبين. ويجب أن يشجع الحوار وحده تخفيف بعض التوترات فورا وقد يؤدي حتى إلى إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية في وقت مبكر والتي، على عكس بعض المعلقين الآخرين، أراها ثمارا ناضجة نسبيا”.

ويُساير نيوتن بارسي في رؤيته إذ يؤكد أن ما يدعو للتفاؤل أيضا هو حقيقة أن “هذا الحوار الإقليمي الناشئ يبدو أنه بدأ من القوى الإقليمية نفسها التي تشرف على قيادته اليوم”.

صحيفة العرب