من المرتقب أن تشهد العاصمة العراقية بغداد، اليوم الثلاثاء، تظاهرات جديدة، كان قد حشد لها ناشطون ومحتجون من مدن جنوب العراق ووسطه طيلة الأيام الماضية، رداً على استمرار تنصّل الحكومة من تعهّداتها لحماية المتظاهرين والكشف عن قَتَلَتهم، فضلاً عن تنفيذ مطالب المحتجين الرئيسية. واختار المتظاهرون ساحة الفردوس وسط بغداد، بدلاً من ساحة التحرير مكاناً للتجمع والانطلاق بالتظاهرة. وللساحة أهمية كبرى، لكونها شهدت إعلان نهاية حقبة النظام العراقي السابق بإسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في 9 إبريل/نيسان 2003. وأكد نشطاء يواكبون الاستعدادات، أن عدداً كبيراً من المحتجين من كربلاء والنجف وذي قار والبصرة والقادسية وبابل، نجحوا بالوصول إلى بغداد خلال اليومين الماضيين. وأقام هؤلاء في فنادق ومنازل أقرباء ورفاق لهم استعداداً للمشاركة في التظاهرة، في ظلّ استمرار الصمت الحكومي إزاء التطورات على مستوى الحراك الاحتجاجي.
وخلال الأيام الماضية، عقد المحتجون في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد سلسلة من الاجتماعات، تمخضت عن تحديد اليوم الثلاثاء، موعداً للتوجه إلى العاصمة والانطلاق بتظاهرة شعبية، وفاءً لرغبة الناشط المغتال في مدينة كربلاء في 9 مايو/أيار الحالي، إيهاب الوزني، الذي كان دعا إلى الاحتجاج في بغداد اليوم. ومنذ إعلان المتظاهرين في كربلاء ما سموه “الزحف إلى بغداد”، كثفت السلطات العراقية عديد قواتها في عموم أحياء العاصمة، ونشرت أعداداً كبيرة من عناصر تشكيل “فض الشغب” بالقرب من ساحات التحرير والفردوس والطيران وبيروت.
بدأ النشطاء يتوافدون منذ أيام إلى العاصمة
وحول الاستعدادات، تكشف مصادر في التيار المدني لـ”العربي الجديد”، عن إعادة طباعة مئات اليافطات التي تحمل شعارات ومطالب المتظاهرين في العراق، فضلاً عن صور ضحايا قُتلوا على يد قوات الأمن أو المليشيات وآخرين تم اغتيالهم، تطالب الحكومة بتنفيذ وعودها إزاء الكشف عن قتلتهم. ولم تسلم تحضيرات الأيام الماضية لبدء موسم احتجاجي جديد ضد استمرار الأساليب العنفية للمليشيات المسلحة وقوات الأمن النظامية، من حملات تشويه وتسطيح للحراك الشعبي الجديد، لا سيما من العاملين في الصفوف الإعلامية للفصائل المسلحة، “الولائية” كما تسمى في العراق. في السياق، عملت تلك الجهات على الترويج بأن تظاهرات اليوم مدعومة من جهات خارجية، ومنها سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا، وأنها تهدف للتغطية على جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين. في المقابل، ذهب آخرون إلى اعتبارها جزءًا من محاولة “التيار الصدري” لتفعيل خيار تأجيل الانتخابات، المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإبقاء حكومة مصطفى الكاظمي التي تتلاءم مع الصدريين.
وفي تفاصيل اليوم المرتقب، يكشف عضو حركة “نازل آخذ حقي” الديمقراطية في بغداد عمار النعيمي، لـ”العربي الجديد”، أن “التظاهرات لن تكون في ساحة التحرير هذه المرة بل على مقربة منها، وقد وضعت تنسيقية تظاهرات بغداد ساحة الفردوس التابعة لحي الكرادة كمكان أولي للاحتجاج وتجمع المتظاهرين في الساعة الثالثة ظهراً (بتوقيت بغداد) اليوم الثلاثاء”. ويلفت إلى أن “أعداد المحتجين الكبيرة قد تؤدي إلى الزحف نحو ساحة التحرير، ولكن قد تقوم القوات الأمنية بإغلاقها بوجه المتظاهرين”. ويؤكد أن “تظاهرات اليوم لن تكون وقفة بل أكثر من ذلك، وهناك أكثر من سيناريو قد يحدث، ومنه بقاء المتظاهرين في ساحة الفردوس، وإعلانها منصة للاحتجاج الجديد في البلاد. ونفكر أيضاً في نصب خيم للاعتصام”.
من جهته، يشير علي الحجيمي، وهو من متظاهري مدينة النجف، وقد دخل بغداد، مساء أول من أمس الأحد، إلى “وجود مخاوف لدى المتظاهرين في محافظات مدن الوسط والجنوب من احتمالية قيام القوات الأمنية بغلق مداخل ومخارج العاصمة، لمنعهم من دخولها. كما حصل في مدينة كربلاء بعد أيام من اغتيال الناشط إيهاب الوزني، حين منعت السلطات متظاهري بغداد من الوصول إلى كربلاء”. ويوضح الحجيمي في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “مئات المتظاهرين من مدن متفرقة دخلوا بغداد خلال اليومين الماضيين، لتجنب التورط في الطريق الذي قد يُغلق”. ويضيف أن “المتظاهرين عازمون على إيصال رسائل إلى حكومة الكاظمي، بأن حراك تشرين الأول (نسبة للاحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر 2019) لا يزال مستمراً ولم ينتهِ كما تظن الأحزاب والمليشيات”.
يفكر المحتجون في نصب خيم للاعتصام في ساحة الفردوس
وفي إطار التواصل مع جهات رسمية عشية التظاهرة، ينوّه عضو الحزب الشيوعي العراقي، أيهم رشاد إلى أن “أكثر من مسؤول حكومي أبلغ بعض قادة الاحتجاج في الأيام الماضية بأن القوات الأمنية لن تعتدي على المحتجين، وذلك بتوجيه من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي أوعز بمنع أي تجاوزات أو اعتقالات للناشطين، بشرط عدم الاعتداء على القوى الأمنية من قبل بعض المتظاهرين الغاضبين”. ويشدّد رشاد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، على أن “تظاهرات اليوم ستحمل نفس المطالب التي رفعها المحتجون، ولن تتضمن أي جديد”.
وفي شأن الأعداد المرتقبة لتظاهرة اليوم، ترى الناشطة شروق العبايجي، أن “المشاركة لن تكون محدودة بالمتظاهرين الذين نزلوا إلى الساحات والميادين، بل ستضمّ كل المتضررين من الفساد الحكومي، وستظهر شرائح جديدة، ومنها الكَسَبَة الذين تضرروا خلال الأشهر الماضية من قرارات حظر التجوال، إضافة إلى الخريجين وآخرين من المتعاقدين في الدوائر الحكومية الذين يتظاهرون منذ أشهر في سبيل تثبيتهم على الملاك الدائم”. ويؤكد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “المتظاهرين باتوا أكثر تنظيماً وإدراكاً بالعمل السياسي والوعي الاجتماعي، ناهيك عن تمتعهم بالحس الأمني، نظراً للضغوط والتهديدات والملاحقات التي تعرضوا لها من قبل قوى السلطة وغيرها”.
وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق. وطوال العام ونصف العام الماضي، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة وُصفت بـ”الطرف الثالث”، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.
محمد الباسم
العربي الجديد