الصين بلد المليار و400 مليون تعاني من مشكلة تراجع النمو السكاني

الصين بلد المليار و400 مليون تعاني من مشكلة تراجع النمو السكاني

بكين – فاجأت الصين، بلد المليار و400 مليون ساكن، العالم بقرار السماح للأسرة الصينية بإنجاب ثلاثة أطفال دون قيود، بعد سنوات من إلزام الأسر بألا يزيد عدد أطفالها عن طفلين، في محاولة جديدة من جانب السلطات الصينية لوقف تراجع معدلات الإنجاب وانكماش القوى المنتجة في البلاد.

إلا أن خبراء يجمعون على أن هذه السياسة الجديدة قد لا تكون كافية لتشجيع الأسر الصينية على إنجاب الطفل الثالث وتحقيق الأهداف الحكومية.

ويرى خبراء الاقتصاد والسكان أنه على السلطات الصينية تقديم حزمة من الإجراءات التشجيعية في مجالات رعاية الأطفال وكبح جماح أسعار التعليم والسكن لكي تشجع الأسر على زيادة عدد أفرادها.

وكانت الصين قد لجأت قبل عقود إلى سياسة صارمة لوقف النمو السكاني من خلال إلزام الأسرة بعدم إنجاب أكثر من طفل واحد، حتى ظهرت الآثار الجانبية لهذه السياسة ممثلة في تراجع معدلات الإنجاب وانكماش القوى المنتجة في البلاد وظهور العديد من المشكلات الاجتماعية بسبب عدم التناسب بين أعداد الذكور والإناث في المجتمع.

12 مليون طفل ولدوا في الصين عام 2020، وهو أقل عدد للمواليد منذ 1961

وفي عام 2016 قررت السلطات الصينية السماح بزيادة عدد الأطفال المسموح بإنجابهم إلى طفلين، ولكن الوضع لم يتحسن، فقرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم خلال اجتماعه الأخير برئاسة الرئيس الصيني شي جين بينج السماح للأسرة الصينية بإنجاب حتى ثلاثة أطفال، ورفع سن التقاعد في الصين للمحافظة على القوى العاملة في البلاد.

وقال يوان شين الأستاذ في جامعة نانكاي بمدينة تيانجين الصينية إن قرار زيادة عدد أطفال الأسرة “خطوة سياسية مهمة لكن سياسة الأطفال الثلاثة بمفردها لن تقود إلى تحسن مستدام في معدل الخصوبة” لدى المرأة الصينية، مضيفا أن “المطلوب حزمة كاملة من الخدمات والسياسات مثل خدمة رعاية الأطفال وتخفيضات ضريبية للآباء، ودعم السكن وحتى ضمان المساواة بين الجنسين وذلك لتوفير بيئة اجتماعية تشجع الوالدين على إنجاب المزيد من الأطفال”.

يأتي ذلك في حين أن البعض من مسؤولي الحكومة الصينية، وبينهم باحثون في البنك المركزي الصيني، يدعون إلى إلغاء سياسة تحديد النسل تماما.

واشتد الجدل بعد نشر نتائج أحدث تعداد عام للصين في وقت سابق من الشهر الماضي وأظهر تراجعا في عدد السكان في سن العمل خلال السنوات العشر الماضية.

وبحسب تقديرات خدمة بلومبرغ إيكونوميكس فإن تراجع معدل المواليد يعني بدء انكماش عدد سكان الصين، البالغ حاليا 1.41 مليار نسمة، قبل حلول 2025.

وبلغ عدد المواليد الجدد في الصين خلال العام الماضي 12 مليون طفل، وهو أقل عدد للمواليد منذ 1961.

ويقول يوان الأستاذ في جامعة نانكاي إن معدل الخصوبة المثالي للنمو السكاني الصحيح هو 1.8 طفل لكل سيدة، في حين أن المعدل الحالي هو 1.3 طفل لكل سيدة في الصين.

ومنذ السبعينات يتراجع معدل الخصوبة في الصين باطراد مع زيادة مستويات التعليم وتشجيع الحكومةِ النساءَ على إنجاب عدد أقل من الأطفال، وتبني سياسة “طفل واحد” للأسرة والتي تم فرضها على أغلب النساء منذ نهاية عقد السبعينيات. وكان يتم تطبيق هذه القواعد بصرامة وبخاصة في المناطق الريفية حيث كان المسؤولون يجبرون النساء أحيانا إلى إجهاض حملهن.

ويقول إريك تشو الخبير في الاقتصاد الصيني إن سياسة “الأطفال الثلاثة” الجديدة في الصين خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست كافية لوقف التأثير السلبي الحتمي للأوضاع الديموغرافية على الاقتصاد، وأن المطلوب اتخاذ خطوات أخرى منها تبني سياسات لصالح الأسر المنجبة والترفيع في سن التقاعد، إذا كانت الصين تريد تجنب أزمة تراجع القوى العاملة لديها وارتفاع نسبة كبار السن في مجتمعها.

ويرى الخبراء أن انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة المسنين في المجتمع سيضغطان على الاقتصاد وموارد الحكومة الصينية. ولكي تحافظ على النمو الاقتصادي القوي تحتاج بكين إلى زيادة سريعة في الإنفاق على مخصصات التقاعد والرعاية الصحية، مع المحافظة على مستوى مرتفع من الاستثمار المؤسسي والحكومي لتحديث القطاع الصناعي الضخم وزيادة مستويات التعليم.

وقال ليو لي جانج، المدير العام وكبير خبراء الاقتصاد الصيني في مجموعة سيتي جروب المصرفية الأميركية العملاقة، إن الصين تحتاج إلى حزمة سياسات شاملة تضم الحوافز الضريبية ودعم التعليم والإسكان وزيادة عدد أيام إجازة الوضع للنساء ودعما شاملا لرعاية الأطفال، حتى تأتي سياسة “الثلاثة أطفال” بثمارها المرجوة.

وأضاف أن الحكومة الصينية ستحتاج أيضا إلى إعادة بناء شبكة الأمان الاجتماعي إلى جانب الحد من ارتفاع أسعار المساكن والتقليل من نفقات التعليم.

وحافظت الصين على نمو اقتصادي سريع في العقود الأخيرة على الرغم من النمو السكاني البطيء، حيث عززت الهجرة إلى المدن والتحول من الزراعة إلى أعمال المصانع والخدمات ، مما أدى إلى زيادة الناتج الاقتصادي لكل عامل.

وتبلغ حاليا نسبة سكان المناطق الحضرية في الصين حوالي 64 في المئة، وهي بالكاد النسبة التي كانت موجودة في الولايات المتحدة عام 1950، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من نمو عدد سكان الحضر على حساب الريف في الصين خلال السنوات المقبلة.

العرب