ربما تكون وظيفة رئيس الوزراء داخل العراق الأصعب على مستوى المنطقة بأسرها، ويتمثل التحدي الأكبر أمام مصطفى الكاظمي في فرض السيطرة على جميع المسلحين داخل العراق. وكان هناك بعض الأمل في أن يؤدي إلقاء القبض على القائد الميليشياوي قاسم مصلح في 26 مايو (أيار) إلى إحراز تقدم من جانب الكاظمي.
إلا أنه بدلاً عن ذلك، يبدو أنه بعد اجتياح ميليشيات «الحشد الشعبي» ما يعرف بـ«المنطقة الخضراء» توصلت الحكومة وميليشيا «الحشد الشعبي» إلى اتفاق مفاده أن الحكومة ستكفل إطلاق سراح مصلح نهاية الأمر، بل ويحتفل قادة الميليشيا بإطلاق سراح مصلح منذ الآن. ورغم ذلك، تبقى الحقيقة أن وضعهم داخل العراق على الأمد الطويل ليس جيداً هو الآخر.
وأهم ما ينبغي التنويه به هنا أن الميليشيات الموالية لإيران أضرت بمصداقية الكاظمي، في الوقت الذي تفقد المصداقية السياسية هي الأخرى. تجلى ذلك في أن الحملة التي نظمتها الميليشيات في يناير (كانون الثاني) 2020 للفوز بتصويت البرلمان لصالح مطالبة القوات الأميركية بالانسحاب من العراق أثمرت 170 صوتاً فقط داخل البرلمان من إجمالي 328 عضواً. وفضّلت الكثير من الشخصيات والتكتلات السياسية مقاطعة هذه الجلسة البرلمانية عن التصويت لصالح القرار الذي تدعمه الميليشيات.
وفي تلك الأثناء، شهدت بغداد ومدن أخرى تقع جنوب العاصمة مظاهرات ضخمة في الشوارع على امتداد الجزء الأكبر من السنوات الثلاث الماضية للتنديد بفساد الميليشيات والقمع الذي تمارسه. بجانب ذلك، ألقى المتظاهرون اللوم على إيران لدعمها مسؤولين فاسدين. من كان ليتخيل منذ عشر سنوات أن يقدم عراقيون بحلول عام 2018 على مهاجمة القنصليات الإيرانية داخل مدينتي النجف وكربلاء، وكذلك البصرة؟
في المقابل، نجحت الميليشيات وحلفاؤها داخل الشرطة في تهديد حركة المظاهرات إلى حد ما. ومع هذا، اشتعلت مظاهرات في كربلاء في أعقاب مقتل الناشط إيهاب وازني، الشهر الماضي، ويكشف الهجوم الفوري للمتظاهرين ضد القنصلية الإيرانية في كربلاء بعد مقتل وازني، عن أن الغضب لا يزال مستعراً.
ومن المثير للاهتمام كذلك، أن مرجعية النجف ساندت علانية المتظاهرين، وحث مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني باستمرار الحكومة على السيطرة على جميع الجماعات المسلحة في العراق. وجدير بالذكر، أن قاسم مصلح بدأ نشاطاته مع ميليشيات تشكلت تحت رعاية مكتب السيستاني، لكنه انضم لاحقاً إلى ميليشيا موالية لإيران. وعليه، لم يكن مثيراً للدهشة أن تمتنع المرجعية عن انتقاد إلقاء القبض على مصلح.
وتعتبر مشكلة الشرعية السبب وراء تأكيد الميليشيات الموالية لإيران مقاومتها للجنود الأميركيين الباقين في العراق البالغ قوامهم 2500 جندي. كما أن ذلك كان السبب وراء انتقاد هذه الميليشيات لأي وجود العسكري شمال العراق، خاصة أنه ليس لديهم أي قضية أخرى يمكنهم استغلالها في ادعاء الشرعية.
بيد أنه لسوء حظ هذه الميليشيات، يبدي جمهور المواطنين العراقيين اهتماماً أكبر بالكهرباء والمياه النظيفة – مشكلات ليس باستطاعة الميليشيات الفاسدة وأصدقائهم السياسيين حلها.
ومن المنطقي هنا التساؤل لماذا لا يتخذ الكاظمي إجراءات أقوى ضد الميليشيات إذا كانت مثل هذه الإجراءات ستحظى بدعم الرأي العام العراقي والمرجعية. من جانبه، صرح وزير الدفاع، جمعة عناد سعدون، الجنرال السابق في الجيش، أمام حشد من المراسلين العراقيين في 29 مايو الماضي، بأن اندلاع قتال بين الجيش وميليشيات «الحشد الشعبي» سيكون بمثابة بداية حرب أهلية، وأن العراق ليس بمقدوره تحمل سقوط مزيد من القتلى.
ومع ذلك، أضاف الوزير، أن حكومة الكاظمي تأمل في أن يكون اقتحام «المنطقة الخضراء» آخر خرق أمني ترتكبه هذه الميليشيات. وحذر من أن الحكومة على استعداد لدفع أي ثمن للحيلولة دون حدوث خرق آخر بهذا الشكل. ربما لم يكن الوزير ملماً تماماً بالوضع أثناء حديثه هذا، لكن تنبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن هادي العامري، قائد ميليشيا «بدر» وزعيم الكتلة السياسية للميليشيا داخل البرلمان، قال خلال استضافته في برنامج تلفزيوني، إن إلقاء القبض على مصلح كان خطأ من جانب الحكومة، وإن اقتحام «المنطقة الخضراء» كان خطأ من جانب «الحشد الشعبي».
من جانبي، التقيت العامري مرات كثيرة أثناء الاحتلال الأميركي، وهو رجل صارم لا يخفي علاقاته بطهران. كما أنه يعي جيداً مسألة توازن القوى، وانطوى تصريحه السابق ضمنياً على اعتراف بنمط من السلطة والقوة تتمتع به الحكومة يتعين على الميليشيات التعايش معه.
الحقيقة، أنه ليس بإمكان الكاظمي سجن قيادات الميليشيات مثل قاسم مصلح، وفي الوقت ذاته ليس بإمكان الميليشيات وحلفائها التخلص من أعدائهم داخل الجهاز الأمني للكاظمي. وباءت دعواتهم بعد إلقاء القبض على قاسم مصلح في 26 مايو للإطاحة بالجنرال أحمد طه هاشم (أبو رغيف) بوزارة الداخلية ومعاقبة وزير الدفاع بسبب تعليقاته، بالفشل.
بجانب ذلك، من الملاحظ أن الجنرال عبد الوهاب سعدي، رئيس قطاع مكافحة الإرهاب، نفذ أمر إلقاء القبض على مصلح على الفور. وفي مواجهة هذا الجهاز الأمني، تلجأ الميليشيات إلى الاغتيالات، مثل اغتيال عقيد بالاستخبارات في عطلة نهاية الأسبوع الماضي قرب بغداد؛ وذلك بهدف تحذير الحكومة.
في الوقت الراهن، يتراجع الكاظمي بضع خطوات في الوقت الذي يسعى لطمأنة إيران خلال مقابلاته الإعلامية. كما تتعاون حكومته مع إيران اقتصادياً بما يخدم مصلحة البلدين. في الوقت ذاته، تستمر مهمة التحالف الدولي لتدريب الجيش وقوات مكافحة الإرهاب العراقية، وتمضي حكومة الكاظمي في تعيين المزيد من الموالين لها داخل الجهاز الأمني، وترتفع العائدات الحكومية من النفط. والتساؤل هنا: إلى أي جانب يقف عامل الزمن هنا؟
روبرت فورد
الشرق الاوسط