منذ قيام النظام الإيراني عام 1979، كان هناك حرص على الترويج لكون البلاد أسست نظاماً سياسياً يستند إلى ديمقراطية دينية، طرحته باعتبار أنه ربما يشكّل بديلاً للنظم السياسية الموجودة في محيطها الإقليمي، فحرص النظام الإيراني على تراكم السياق الانتخابي لكل الاستحقاقات المرتبطة بانتخاب كل من المرشد الأعلى والرئيس والمجلس وبقية المؤسسات المنتخبة. وكان هناك حرص من النظام السياسي على إظهار مدى استقراره وتماسكه، فعمل على تنظيم كل الاستحقاقات الانتخابية وعلى تشجيع الناخبين على التصويت ليظهر للعالم الخارجي أنه يتمتع بالشرعية، وهو ما دفعه إلى دعوتهم للمشاركة في الانتخابات النيابية في ظل تصاعد جائحة كورونا في البلاد. ومن ثم، فإن تراجع نسب التصويت يُعدّ أهم المؤشرات إلى تراجع شرعية أي نظام أمام مواطنيه. وتظهر استطلاعات رأي أُجريت داخل إيران وخارجها انتشار اللامبالاة بين المواطنين في ما يخص الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو (حزيران) الحالي. ويُتوقع أن توسَم بأدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد.
وأجرت وكالة استطلاعات الطلاب الإيرانية (ISPA)، التابعة لوزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا استطلاعاً شمل أكثر من 1500 مشارك، وقدّر أن نسبة التصويت النهائية ستبلغ حوالى 38 في المئة.
كما أن العوامل التي أدت إلى تزايد التكهنات بانخفاض التصويت، عدة، إذ تأتي في وقت يشعر المواطنون بخيبة أمل من اقتصاد منهك، تترافق مع تراكم انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الحريات المدنية، فضلاً عن نيّة النظام خنق المنافسة السياسية وجعلها في جانب واحد. ومن ثم، تُعدّ النتيجة محسومة بالنسبة إلى المواطنين والنظام. ويبدو أن الأخير فقد قدرته على تقديم بدائل سياسية كفوءة تمكّن المواطن من الاختيار، فحتى المناظرات الرئاسية لم تسفر عن طرح خيارات تقنعه في مواضيع الاقتصاد المتعثر والاتفاق النووي الضعيف والفساد المنتشر وحقوق المرأة، بل شهدت المناظرات اتهامات وهجمات متبادلة بين المرشحين.
إن الانتخابات الرئاسية 2021 ستكون فارقة، لأنها ستعكس تضاؤل شرعية النظام أمام مواطنيه، إذ كان إقبال الناخبين في الانتخابات السابقة أعلى بكثير. في عام 2017، شارك 73.3 في المئة من الناخبين، وعام 2013، صوّت نحو 72.9 في المئة. وسُجلت أقل نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 1993، بـ50.7 في المئة فقط من الناخبين. ويتوقع النظام الإيراني انخفاض نسبة الإقبال لأن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2020، بلغت 43 في المئة فقط ممن توجهوا إلى صناديق الاقتراع.
وإلى جانب قضية نسبة التصويت، يُتوقع أن تزداد الإجراءات الأمنية أثناء الانتخابات، تخوفاً من اندلاع تظاهرات تعبّر عن السخط والغضب، لذا من المحتمل أن تنشر السلطات أفراد الجيش والشرطة في جميع أنحاء البلاد لحمايتها. وفي ظل الاختراق الاستخباري الذي تعانيه إيران والذي يشير إلى تزايد مصادر الاختراق الإسرائيلي داخلها، ستزداد الإجراءات الأمنية تحسّباً لأي هجمات ضد المباني الحكومية والمواقع الحساسة الأخرى.
وربما يعتقد النظام في قدرته على تعويض تآكل الشرعية بعد انتهاء الانتخابات وهندسة المشهد الانتخابي والنتائج ومؤسسات الدولة على النحو الذي رسمه، من خلال تسهيل المفاوضات مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال مؤشرين، أولهما أن النظام جدّد الاتفاق المؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة شهر واحد فقط، والمؤشر الثاني هو حديثه عن أنه في حال رُفعت العقوبات الأميركية، فسيتمكّن من بيع النفط في غضون أشهر. المؤشران يوضحان أن النظام الإيراني يعتقد أن الاتفاق مع واشنطن سيتم بعد انتهاء الانتخابات ورفع العقوبات، بالتالي سيعود إلى بيع النفط وبالتالي سيتحسن الاقتصاد، وهو ما يعدّه رصيداً يُضاف إلى رصيده أمام المواطنين. لذا ربما يكون هذا السبب في أنه غير مبالٍ بنسبة الإقبال. وهنا يغفل النظام عن أن الوضع الاقتصادي والعقوبات ليسا السبب الوحيد في ما يعانيه الآن من أزمة شرعية تصيب كل التيارات السياسية وهرم السلطة في إيران، بل عجزه عن تقديم حلول وبدائل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوق والحريات.