كيف نجح الحزب الشيوعي في تحويل الصين إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم؟

كيف نجح الحزب الشيوعي في تحويل الصين إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم؟

يحتفل الحزب الشيوعي الصيني في الشهر المقبل بالذكرى المئوية لتأسيسه، فيما تعد فرصة للحزب لكي يؤكد مجددا للمواطنين كيف حوّل البلاد إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وإلى قوة عالمية كبرى، منذ توليه السلطة في عام 1946، بعد الهزيمة المُذلّة لخصومه من حزب الكومنتانغ اليميني المدعوم بقوة من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة.
وحسب الروايات التقليدية بشأن صعود الصين اقتصاديا، كان الأمر يبدو وكأن كل ذلك بدأ في عام 1978، عندما أطلق القائد الصيني الراحل دينغ شياو بينغ مجموعة إصلاحات شاملة من أجل فتح قطاعي التجارة والاستثمار مع الدول الرأسمالية الغربية، وذلك بعد وفاة الزعيم الشيوعي التاريخي الصيني ماو تسي تونغ.
إلا أن المؤرخ جيسون إم كيلي المتخصص في الشؤون الصينية يقول في كتابه، الذي تم طرحه مؤخراً والذي يحمل اسم «ماويو السوق» أن شيوعيّي الصين أكدوا على أهمية العلاقات الاقتصادية مع اقتصادات السوق قبل فترة طويلة من سبعينيات القرن الماضي.
ويتتبع كيلي تاريخ إستراتيجية التجارة الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني، بداية من بيع فول الصويا لتمويل معركته في الحرب الأهلية مع حزب الكومنتانغ القومي المنافس، وصولا إلى الصفقات التي عقدها البيروقراطيون الشيوعيون لاستيراد التكنولوجيا من أوروبا في مواجهة الحظر الأمريكي.
وفي مقابلة مع خدمة «بلومبرغ نيوز» ناقش كيلي وجهات نظره المتعلقة بكيفية تشكيل تلك الأحداث لتفكير الحزب بشأن التجارة، حتى يومنا هذا.
وقال كيلي أن الحزب الشيوعي الصيني «ظل يتاجر مع الرأسماليين في الخارج لعقود أطول مما يتخيله كثيرون» مضيفاً «غالبا ما ننسى أن الكثير من المفاهيم والأفكار التي تشكل السياسة التجارية الصينيةاليوم لها جذور تعود إلى حقبة ماو».
فعلى سبيل المثال، مفهوم «المساواة والمنفعة المتبادلة» – وهي عبارة مازال مسؤولو التجارة الصينية يستشهدون بها حتى يومنا هذا – ظهر كجزء من موقف الحزب الشيوعي الصيني المناهض للإمبريالية فيما يتعلق بالتجارة الخارجية في مطلع فترة الحرب الباردة. وهو مرتبط بمفهوم «نهوض» الصين في ظل حكم الحزب الشيوعي.
وقد استخدم كبير المفاوضين التجاريين في الصين ونائب رئيس الوزراء، ليو هي، ذلك التعبير مؤخراً، أثناء محادثاته مع وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين. ويوضح كيلي أن معرفة الأصول التاريخية للعبارات والمفاهيم من هذا القبيل يمكن أن تساعد المرء على تقدير الموروثات التي كان من الممكن أن يغفل عنها لولا ذلك.
وعن صراع بكين ضد الحظر التجاري الذي فرضته الولايات المتحدة عليها بعد الحرب الكورية أوائل الخمسينيات من القرن الماضي – وهو الأمر الذي يبدو أنه له بعض أوجه التشابه الواضحة مع العقوبات الأمريكية التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا على الشركات الصينية – سؤل كيلي عن «كيفية محاولة الحزب الشيوعي الصيني التعامل مع الحظر، وإلى أي مدى نجح».
فقال أن بكين حاولت استغلال «آفاق التجارة المربحة مع الصين لخلق توتر بين الولايات المتحدة وحلفائها، واستغلت الحظر التجاري لتصوير الصين كبطل للتجارة الحرة العالمية وعلى أن الولايات المتحدة عازمة على التدخل في ذلك، وهي رسالة تتماشى مع بعض التصريحات التي صدرت مؤخرا في بكين.
وقد تسببت بكين في إحداث حالة من التوتر الكبير بين الولايات المتحدة وحلفائها بسبب الحظر، لدرجة أنه بحلول منتصف خمسينيات القرن الماضي، بدأت بعض القيود التجارية -وخاصة الأمريكية- في الانهيار بالفعل.
وأخيرا، فقد استغل الحزب الحظر – داخل الصين – لحشد المسؤولين التجاريين والمواطنين عامة.
وعن قضية أخرى وردت في كتاب كيلي، كان لها صدى مع التوترات التجارية الأخيرة بين الصين وأستراليا والصين وكوريا الجنوبية، وهي التوترات التجارية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، أوضح كيلي كيفية تأثير المشاعر الوطنية والأفكار القومية على سياسة الصين التجارية، قائلا «في ربيع عام 1958، أوقف القادة في بكين جميع أنواع التجارة مع اليابان، وذلك بعد سلسلة من الخلافات بشأن قضايا سياسية، تتضمن واقعة شهيرة تم خلالها تمزيق العلم الصيني أثناء إقامة معرض في أحد المتاجر في مدينة ناغازاكي اليابانية».
وكان قادة الحزب شديدو الحساسية تجاه التحديات التي يواجهها حكم الحزب الشيوعي الصيني في الصين – سواء كانت تلك التحديات حقيقية أو متخيلة – وتجاه أي تلميحات تشير إلى عدم الاحترام أو عدم المساواة. ومازالت تلك الحساسيات قائمة حتى اليوم

القدس العربي