حكومة نتنياهو بلا نتنياهو

حكومة نتنياهو بلا نتنياهو

أنجزت الحكومة الإسرائيلية أول وأهم أهدافها في لحظة إقامتها. كان هدفها الإطاحة بنتنياهو، وقد نجحت في ذلك، وبقي أمامها أن تصمد وقتا كافيا لفتح المجال لتفاعلات سياسية تمنع عودته. وعلى الرغم من أن ما يجمع الفرقاء في هذه الحكومة هو الرغبة في التخلص من نتنياهو، إلا أنه لا توجد لديها أي نية للابتعاد عن سياساته، بل بالعكس هي حكومة استمرار لهذه السياسات، وهي لن تسعى إلى تغييرها. هي، وبسبب خلافاتها الداخلية، حتى غير قادرة على ذلك إذا حاولت. في الواقع هذه حكومة نتنياهو بلا نتنياهو، ليس أكثر ولا أقل.
الطريق إلى حكومة بينيت ـ لبيد – غانتس
فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة عند تكليفه بذلك بعد الانتخابات الرابعة للكنيست خلال عامين.. وكان، هذه المرة، قريبا جدا من ذلك، بعد أن قررت القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس الانضمام إلى التحالف اليميني الذي يقوده، إلا أن قيادة حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف، رفضت المشاركة في ائتلاف يشمل حزباً عربياً، ولم تفلح كل جهود نتنياهو وتصريحات منصور عباس «المطمئنة» لليمين، في تغيير موقف هذه القيادة. وبعد انتهاء المدة القانونية انتقل التكليف إلى يئير لبيد، زعيم حزب اليمين ـ وسط «يش عتيد» الذي بذل جهودا كبيرة لجمع أحزاب من اليسار والوسط واليمين الصهيوني في حكومة واحدة. وكان يبدو أن هذه الجهود ستفشل، بسبب الحرب على غزة، والمواجهات في القدس ومدن الساحل الفلسطيني والضفة الغربية. وبعد أن ساد الاعتقاد، خلال المواجهة، بأن أجواء الحرب ستمنع تشكيل حكومة بديلة، جاء صمود غزة وفشل العدوان عليها ليحبط خطة نتنياهو في تعطيل مسعى خصومه لإزاحته عن الحكم، وفي بناء مجده السياسي من جديد فوق جثث أطفال وأهالي غزة.

تعيش إسرائيل أزمة سياسية، والإطاحة بنتنياهو محطة من محطاتها ويجب الحذر من إنقاذها، بادعاء منع عودة نتنياهو

بعد أن أخفق نتنياهو في استثمار العدوان الإجرامي على غزة للبقاء في السلطة، لجأ إلى أسلوب التهديد، عبر تأليب جمهور اليمين ضد قيادات يمينية، أبدت استعدادا للانضمام لحكومة لا يرأسها هو، وانطلقت، تبعا لذلك، دعوات هستيرية من حاخامات اليمين لفعل «كل شيء» لمنع إقامة حكومة بديلة، ما دفع رئيس وكالة المخابرات العامة الإسرائيلية (الشاباك) للخروج ببيان رسمي وعلني غير مسبوق، حذّر فيه من خطر اعتداءات جسدية، أو حتى اغتيالات سياسية، مستذكرا اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، عام 1995. في المقابل انبرى نتنياهو بالعمل على إغراء نواب ما يسمى «كتلة التغيير» للانشقاق عنها مقابل وعود بضمان الانتخاب في قائمة الليكود في الانتخابات المقبلة، ولإثبات جدية وعوده قام بتمرير قرار رسمي في الليكود بتخصيص ثلاثة مقاعد مضمونة لمن يلبي النداء. وطلع نتنياهو كذلك باقتراحات يومية، باستعداده للتناوب على رئاسة الحكومة مع من يقبل بترك «كتلة التغيير» وقد رفض كل من جدعون ساعار، رئيس حزب «أمل جديد» اليميني، وبيني غانتس رئيس حزب «أبيض أزرق» هذه العروض، ولم يقبل بها نفتالي بينيت باعتبارها غير جدية. بعد تشكيل الحكومة البديلة سيواصل نتنياهو سياسة التهديد والإغراء للإطاحة بمن أطاحوا به. هو نزل عن العرش مضطرا، لكنه لم ولن يتنازل عن العرش.. المهم في الأمر أن جموح نتنياهو هذا يشكل ضغطا قويا على الحكومة الجديدة ويؤثر كثيرا في اتخاذ القرار فيها.

تركيبة الوزارة الجديدة
تتشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة من ثمانية أحزاب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الصهيوني، إضافة إلى حزب عربي يعرّف نفسه على أنه ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي.
تشمل مجموعة اليمين المتطرف في هذه الحكومة ثلاثة أحزاب: 1ـ حزب «يمينا» برئاسة نفتالي بينيت، الذي أصبح رئيسا للوزراء، وله 6 أعضاء كنيست (بعد انشقاق نائب عنه) وثلاثة وزراء، 2 ـ حزب «أمل جديد» برئاسة جدعون ساعار، الذي أصبح وزير القضاء وله 6 نواب في الكنيست وأربعة وزراء، 3 ـ حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي تسلم وزارة المالية، وله 6 نواب في الكنيست (بعد انسحاب أحد اعضائه) وثلاثة وزراء أيضا.
المجموعة الثانية هي كتلة اليمين ـ وسط وهي مكونة من حزبين: 1 ـ حزب «يوجد مستقبل ـ يش عتيد» برئاسة يئير لبيد وزير الخارجية ورئيس الوزراء البديل (يستلم رئاسة الحكومة بعد عامين) وله 17 نائبا في الكنيست وسبعة وزراء، 2 ـ حزب «أزرق أبيض» بزعامة بيني غانتس، الذي سيبقى في موقعه وزيرا للأمن، وله 8 مقاعد في الكنيست وأربعة وزراء.
المجموعة الثالثة مكونة من حزب اليسار الصهيوني: 1 ـ حزب «العمل» برئاسة ميراف ميخائلي وزيرة المواصلات الجديدة، وله 7 أعضاء كنيست وثلاثة وزراء، 2 ـ حزب «ميرتص» برئاسة نيتسان هوروفيتس، وله 6 أعضاء كنيست وثلاثة وزراء.
لقد أقيمت هذه الحكومة على أساس أنها مكونة رسميا من كتلتين، الأولى هي كتلة «يمينا» وتشمل ايضا حزب «أمل جديد» والثانية هي كتلة «يش عتيد» وتشمل أيضا أحزاب «إسرائيل بيتنا» وحزب «العمل» و»ميرتص» و»أزرق أبيض». وعلى الرغم من عدم التوازي في عدد النواب والوزراء بين الكتلتين، فإن لكل منهما الحق في منع أي قرار لا توافق عليه، كما أن لهما تمثيلا بعدد الوزراء نفسه في أهم لجنة وزارية وهي الكابينيت السياسي الأمني، الذي يتخذ عمليا القرارات المهمة ذات الصلة.

ما هي سياسة هذه الحكومة؟

بعد اعتماد مبدأ التكافؤ في التصويت بين وزراء اليمين المتطرف وبقية الوزراء، ضمن حزبا «يمينا» و»أمل جديد» سيطرة كاملة على اتخاذ القرار السياسي في الحكومة الجديدة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذين الحزبين هما على يمين الليكود، فمن المستحيل أن يسمحا بتمرير أي قرار يكون، أو قد يفسر أكثر اعتدالا من مواقف نتنياهو. هما في المقابل غير قادرين على تمرير قرارات أكثر تطرفا، لأن الأحزاب الأخرى لن توافق. من هنا فإن سياسة الحكومة الجديدة ستكون، في المحصلة، مثل سياسة نتنياهو، بل إنها ستكون حكومة نتنياهو السادسة، من حيث نهجها بالأخص في الشأن الفلسطيني، فيبدو أن مواقفها ستكون بلا تغيير سوى في التكتيك، فهي وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، ستكون أكثر تشددا تجاه حماس، وأخف وطأة في تعاملها مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله.
كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع خلافاتها الداخلية، خاصة تلك التي قد تؤدي إلى تفككها وسقوطها؟ هذه ستكون أصعب مهامها، وهي ستفعل ذلك من خلال عدد من الطرق:
1 ـ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، بأن حكومته ستعمل في ما هو متفق عليه، وتضع المختلف عليه جانبا، إضافة إلى ذلك فإن السياسات القائمة سوف تستمر، إلا إذا اتخذ قرار بتغييرها، وهذا أمر في غاية الصعوبة. اليمين المتطرف في الحكومة مرتاح لاستمرار سياسات تعميق الاحتلال في منطقة «ج» وتوسيع الاستيطان، وتشديد الحصار على غزة، ومواصلة مشاريع التهويد في القدس، وبالمجل سياسة الحكومات السابقة هي سياساته وهي سارية المفعول كما هي.
2 ـ ترحيل الخلافات في المجال الأمني وجزء من الشأن السياسي إلى المؤسسة الأمنية، لتتخذ هي القرار لتتبناه الحكومة بعدها، واستغلال سطوة هذه المؤسسة وشعبيتها في الرأي العام لمنح القرارات السياسية شرعية «أمنية». وهنا سيجري المضي في مسار تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية أمنية، ونزع البعد السياسي عنها، كما فعل نتنياهو، الذي تبنى استراتيجية «الإبادة السياسية» للشعب الفلسطيني، وبينيت وساعار وليبرمان وغيرهم يفكرون بالطريقة نفسها، وسيكون بإمكانهم وفق بنية وأسس الحكومة الجديدة منع تغيير هذه السياسة، وهم ليسوا بحاجة لفرضها لأنها قائمة في الواقع.
3 ـ الالتزام بمواصلة مسعى تهميش القضية الفلسطينية، الذي اتبعه نتنياهو في العقد الأخير، ونجح في فرضه دوليا وعربيا. ويعتقد القيمون على الحكومة الإسرائيلية، أنه سيكون بإمكانهم تجنب الخلافات، عبر عدم التعامل مع القضية الفلسطينية واتباع سياسة التهميش ما أمكن.
4 ـ العمل على ضم حزب إضافي مثل حزب «شاس» أو «ديجيل هتوراة» لتوسيع قاعدتها البرلمانية، وتوفير حماية أكبر لها من خطر السقوط.
5 ـ تضخيم أهمية القضايا غير الخلافية، التي تعمل بها الحكومة والعمل على التعامل مع القضايا الخلافية إلى قضايا غير مهمة، وقد وصل الأمر برئيس معهد دراسات الامن القومي، الجنرال احتياط عموس يدلين، الداعم للحكومة الجديدة، إلى الكتابة أن القضية الفلسطينية هامشية، وعلى الحكومة عدم الانشغال بها، والاهتمام بما اعتبره قضايا مهمة وتوافقية مثل، الملف النووي الإيراني، واستهداف حماس وحزب الله والوجود الإيراني في سوريا، والعلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، والسلام الإبراهيمي، ورفع جاهزية الجيش للحرب المقبلة وغيرها، إضافة بالطبع إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحارقة.
ما العمل؟
إزاء هذه الحكومة الجديدة من المهم عدم الوقوع في أوهام قد تروج لها الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية. السياسة الإسرائيلية لم تتبدل، بعد الإطاحة بنتنياهو، وهي غير مرشحة للتغيير، ولا حاجة للانتظار المعتاد. تعيش إسرائيل أزمة سياسية، والاطاحة بنتنياهو هي محطة من محطاتها وليس نهاية لها، ويجب الحذر من التبرع بإنقاذها من هذه الأزمة، بادعاء منع عودة نتنياهو. على العكس تماما هذه الأزمة هي فرصة يجب استغلالها لتقوية الموقف الفلسطيني، عبر تفعيل النضال الموحد على الأرض من جهة، والقيام بحملة دولية لفضح هذه الحكومة الجديدة، التي لا تختلف عن حكومات نتنياهو، والتصدي لحملات الترويج وكأننا أمام واقع جديد أكثر اعتدالا في إسرائيل، فهذه كذبة يسهل تفنيدها.

جمال زحالقة

القدس العربي