أخذ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي موقفا واضحا من رئيس الجمهورية ميشال عون ودعاه إلى التزام الأصول الدستوريّة في تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري. وحرص برّي الأربعاء على تذكير رئيس الجمهوريّة بأنّ مجلس النوّاب وراء تكليف الحريري بتشكيل الحكومة وأنّه لا يحقّ له الاعتراض على ذلك ووضع العراقيل أمامه.
ورأت مصادر سياسية لبنانيّة أنّ موقف رئيس مجلس النوّاب الشيعي يعكس تضايقا شديدا من تصرّفات ميشال عون ويشير إلى دخول العلاقة بينهما “مرحلة كسر العظم” مع ما يعنيه ذلك من قطيعة كاملة بينهما.
وأشارت هذه المصادر إلى أن برّي يعترض على إصرار ميشال عون على الحصول على الثلث المعطل في الحكومة عن طريق تسمية وزيرين مسيحيين إضافيين محسوبين عليه فيها.
ورأت أن سعد الحريري، الذي كان هدّد بالاعتذار عن تشكيل حكومة، بات لديه الآن حليف قوي يدعم موقفه لجهة الإصرار على الاستمرار في مواجهة رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل من جهة والتمسّك بعرض تشكيلة جديدة من 24 وزيرا بالتفاهم مع برّي.
ولم تبلغ المواجهة المفتوحة بين الرئيس الماروني ورئيس مجلس النواب الشيعي من قبل هذه الحدة التي كشفتها تصريحات بري.وجاء التصعيد من جانب رئيس مجلس النواب بعد ساعات من بيان لرئاسة الجمهورية نعى فيه عون مبادرة بري لتشكيل حكومة جديدة دون ثلث معطل، معتبرا أن “الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في ملف تشكيل الحكومة لا أفق له”.
وقالت رئاسة الجمهورية في بيان “تطالعنا من حين إلى آخر تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة (لم يحدّدها) تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة قصدا أو عفوا ما نصّ عليه الدستور من آلية من الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة”.
وأشارت إلى أن آلية الدستور “في المادة 53 الفقرات 2 و3 و4 و5 تختصر بضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين حصريا بعملية التأليف (تشكيل الحكومة) وإصدار المراسيم”.
وحمّل بري الرئيس عون مسؤولية استمرار معاناة الشعب نتيجةً لرفضه مبادرته لحل أزمة تشكيل الحكومة، معتبرا أنه ليس من حق الأخير رفض رئيس الوزراء المكلف.
وقال بري في بيانه إن “قرار تكليف رئيس حكومة خارج عن إرادة رئيس الجمهورية بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية، والذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو الرئيس المكلف (الحريري) وفق المادة 64 من الدستور”.
وأضاف أن المطلوب “حلّ وليس ترحالا” للحريري.
وشدد بري على أن من حقه بناءً على طلب الحريري محاولة مساعدته في أي مبادرة قد يتوصل إليها، لاسيما أن رئيس الجمهورية الذي تعود له صلاحية التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها أبدى رغبة في إنجاح مبادرته.
وأطلق بري بداية الشهر الجاري مبادرة لحل أزمة تشكيل الحكومة المتعثرة منذ 7 أشهر تقوم على تشكيلة اختصاصيين من 24 وزيرا دون ثلث معطل لأيّ كان.
وأردف رئيس مجلس النواب في بيانه قائلا “كان القاضي راضيًا (في إشارة إلى عون) طالما ارتفع عدد الوزراء إلى 24 (بدل 18 وفق اقتراح سابق للحريري) وكان هناك حل لموضوع الداخلية (في إشارة إلى حديث إعلامي عن إصرار عون على توزير أحد المقربين منه في حقيبة الداخلية) إلى أن أصر الرئيس على 8 وزراء (لحزبه التيار الوطني الحر/مسيحي)+ 2 يسميهم هو”.
ولفت بري إلى أنه “ليس لرئيس الجمهورية حق دستوري حتى بوزير واحد؛ فهو لا يشارك بالتصويت فكيف تكون له أصوات بطريقة غير مباشرة”.
وحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية “تعطل كل شيء في البلاد وكذلك معاناة الشعب” نتيجةً لرفضه مبادرته “التي وافق عليها الغرب والشرق”، مشيرا إلى أن مبادرته “مستمرة” رغم ذلك.
وكان بري نجح مؤخرا في تفادي تصعيد بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بسبب رسالة عون لمجلس النواب التي حاول من خلالها الأخير حشر الحريري في الزاوية ودفعه إلى الاعتذار.
وشكل هذا النجاح حافزا لبري على إعادة إحياء مبادرته لتشكيل حكومة “دون ثلث معطل”، لكن الثنائي عون وباسيل لا يبدو أن لديهما استعدادا لتقديم أي تنازلات تحت أي رفض بما في ذلك ضغوط الخارج وتدخلات الأصدقاء.
ويتمحور الخلاف بين عون والحريري حول تسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة، بحسب مراقبين.
ويقول الحريري إن رئيس الجمهورية يحاول الحصول على “الثلث المعطل” لفريقه، ومن بين أركانه التيار الوطني الحر وحزب الله، وهو ما ينفيه عون.
وفي مسعى لتطويق الخلاف بين عون والحريري قال باسيل “نحن مع تأليف الحكومة بسرعة برئاسة الرئيس سعد الحريري فهذا الخيار نحن ملزمون به بالدستور ونتمنى حصول مبادرة سريعة بأخذ الخطوات اللازمة لأن الأهم هو موضوع الإصلاحات”.
وأضاف رئيس التيار الوطني الحر في تغريدة على حسابه في تويتر “نريد حكومة تقوم بالإصلاحات، وإلى حين حصول هذا الأمر -وهو واجب وضروري وسريع- يمكن للمجلس (مجلس النواب) القيام بعمل كبير وإقرار الكثير من القوانين لحل الكثير من مشكلات اللبنانيين”.
ويزيد تعثر تشكيل الحكومة الأوضاع سوءا في بلد يعاني بالأساس منذ أكثر من عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى تراجع قياسي في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وانهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين وزيادة معدلات الفقر. ويرى كثيرون أن النخبة السياسية في لبنان لا تملك حاليا ترف الخيار وأن الاتفاق على تشكيل حكومة بات ضروريا لتفادي انفجار يلوح في الأفق مع تعاظم التحديات الاقتصادية وشحّ مصادر الدعم.
صحيفة العرب