بعد تحليلات عديدة سبقت القمة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 16 حزيران/يونيو الجاري، استنتج أغلبها أن الجانبين سيتمسكان بمواقفهما الأساسية وأن حصيلة القمة ستكون، بالتالي، صفريّة، رأت تحليلات جديدة أن بوتين «حصل على ما أراده من بايدن في جنيف».
كان مستوى التوتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو قد وصل إلى مستوى غير مسبوق لها مع وصف بايدن في آذار/مارس الماضي لبوتين بـ«القاتل» وتوعده بـ«دفع الثمن» وما أدى إليه ذلك من سحب السفراء بين البلدين يفترض أن يعتبر أن لقاء رئيس منتخب ديمقراطيا بمن يتهمه بالقتل مكافأة من الأول إلى الثاني، وإعطاء لمصداقية كان قد تم تخفيضها إلى حدود لم تعتدها الدبلوماسيّة بين البلدين.
مع افتراض وجود أسباب أمريكية موجبة للوصف المذكور فيمكن أيضا أن يربط بمحاولة بايدن التخلّص من الصورة المهينة التي قدّمها خصمه السياسي الجمهوري دونالد ترامب حين التقى ببوتين على انفراد عام 2018، مما أثار شكوكا سياسيّة كبيرة وكان مبعثا للسخرية والنقد ومحاولات الاستنطاق لترامب، وخصوصا حين قام بالدفاع عن موسكو ضد مزاعم تدخلها في الانتخابات التي فاز بها.
بهذا المعنى، فقد قام هجوم بايدن السابق على بوتين بوضع سقف عال للانتقادات لزعيم الكرملين بشكل يوازن الهبوط المريع الذي حصل على يد ترامب، وصار لزاما عليه، بعد ذلك، «النزول عن الشجرة» والتفاوض مع أكبر دول العالم مساحة، والقوة النووية العظمى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، والتي لها يد في عدد كبير من الأزمات في العالم، وخصوصا في سوريا وليبيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء، إضافة إلى تدخلاتها الإلكترونية المستمرة لتقويض أسس الانتخابات الديمقراطية في العالم، وإشرافها على مجموعة مرتزقة «فاغنر» العابرة للحدود.
اللقاء كان، بهذا السياق، محتوما، وخصوصا مع اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين أن الخطر الاستراتيجي المقبل يتمثّل في الصين، وإذا كان الأمر ذلك، يصبح إرضاء الدب الروسي، حتى لو كان رئيسه «قاتلا» (على حد تعبير بايدن) أمرا شديد الأهمية، وهو ما ينسحب أيضا على استعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإعادة تفعيل الاتفاق النووي معها.
استعادت قمة بايدن ـ بوتين خطّ المفاوضات المنقطع بين الطرفين، وكانت الأمور الأكثر سهولة، على ما يظهر، هي الاتفاق على تجديد اتفاقية ستارت 3 الخاصة بالتسلح النووي، والتي ستنتهي عام 2024، وكذلك على بدء التفاوض حول الهجمات الإلكترونية، وكانت هذه الأمور «الأسهل» للنقاش حولها، بدليل أن الكرملين سارع، بعد انتهاء القمة إلى تحذير حلف الأطلسي من ضم أوكرانيا، معتبرا ذلك «خطا أحمر» وهو ما يعني أن موسكو جاهزة لمعاودة تحمية الجبهات وتحدي الغرب حين يحتاج الأمر لذلك.
قام محلّلون للغة الحركات الجسدية، بعد القمّة، باستقراء حركات الزعيمين والوفدين المرافقين لهما، وانتبه أحدهم إلى ظهور علائم استنكار وتقطيب بعد الدخول إلى قاعة الاجتماع، واضطرار الوفدين للخروج بضع دقائق، وهو ما فسّره المحللون بوجود «رائحة كريهة» في القاعة، وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذا التحليل، فالأكيد أن القمة لم تكن مخصصة، ولا قادرة، على نزع العداء الكبير بين منظومتي البلدين، وأن الزعيمين كانا يكظمان شحنات الكراهية والعداء واحتمال «الرائحة الكريهة» لتاريخ الصراع بينهما، لأنهما مضطران سياسيا لفعل ذلك، كما اضطرّ ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية لاحتمال لقاء خصمه الأيديولوجي اللدود جوزف ستالين، لمواجهة زعيم ألمانيا النازي آنذاك، أدولف هتلر.
القدس العربي