هل تفلح إدارة بايدن في وقف الحرب باليمن؟

هل تفلح إدارة بايدن في وقف الحرب باليمن؟

أولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أهمية خاصة لوقف الحرب في اليمن ضمن ثنائية التضييق على المساعدات العسكرية للسعودية، ومواصلة الجهود لتحقيق تسوية سياسية تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويحتل الملف اليمني موقعا متقدما في أولويات السياسات الخارجية للولايات المتحدة، ويعد وقف الحرب في اليمن جزءا من “أهدافها الاستراتيجية”، حسب المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي.
وفي 4 فبراير/ شباط، أي بعد أسبوعين فقط من وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن، مع التأكيد على وضع حد للحرب التي مضت عليها 7 سنوات، والعمل مع الرياض للدفاع عن أمنها وسيادتها.
وشككت جماعة الحوثي في جدية الولايات المتحدة بوقف دعمها العسكري للتحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وأجرت الإدارة الأمريكية مراجعة شاملة وإعادة تقييم لعلاقاتها مع السعودية، ومنها قرارات اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي ينظر إليه بأنه حليف للحكومة السعودية.
أدت المراجعة وإعادة التقييم إلى التراجع عن بعض صفقات السلاح، ووقف تقديم المعلومات الاستخباراتية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، بالإضافة إلى إلغاء قرار إدارة ترامب بتصنيف جماعة الحوثي على أنها منظمة إرهابية أجنبية.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن رفع اسم الجماعة من لائحة المنظمات الإرهابية يخلو من الأبعاد السياسية، وجاء لمنع التداعيات السلبية للتصنيف على الأزمة الإنسانية في اليمن.
وتحمّل وزارة الخارجية الأمريكية جماعة الحوثي المسؤولية عن “رفض المشاركة الدؤوبة في وقف إطلاق النار واتخاذ خطوات لحل النزاع المستمر منذ ما يقرب من 7 سنوات والذي تسبب في معاناة تفوق الوصف للشعب اليمني”، وفق بيان الوزارة في 5 يونيو/ حزيران.
وأعلنت المملكة العربية السعودية في مارس/ آذار الماضي مبادرة لوقف إطلاق النار وبدء مباحثات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى تسوية سياسية.
وتنص المبادرة السعودية على بدء الأطراف اليمنية مشاورات للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا على مرجعيات مخرجات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية التي أعلن عنها مجلس التعاون الخليجي في أبريل/ نيسان 2011 لترتيب الانتقال السلمي للسلطة، وقرار مجلس الأمن الدولي (2216) الذي ينص على دعوة جماعة الحوثي “لسحب قواتهم على الفور ودون قيد أو شرط”.
كما تتضمن المبادرة، فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الوجهات المباشرة الإقليمية والدولية، وفتح ميناء الحديدة مع إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من الميناء في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم 2019 بشأن الحديدة.
ظلت الأزمة الإنسانية محور الخطاب الأمريكي الجديد حول الحرب في اليمن.
وتصف الأمم المتحدة الأزمة في اليمن، بأنها الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.
وتسببت الحرب في اليمن بين جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا، والحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات، في نزوح ما لا يقل عن 4 ملايين يمني في الداخل، وحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية لما يزيد عن 80 في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم 31 مليون نسمة، منهم نحو 5 ملايين يعانون من المجاعة وفق بيانات الأمم المتحدة.
ويحتاج ما لا يقل عن 22.2 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يهدد الموت أكثر من 14 مليون شخص نتيجة قلة الغذاء وشح الأدوية وسوء الخدمات.
وأودت الحرب بحياة ما لا يقل عن 233 ألف شخص، معظمهم من المدنيين.
وتتطلع الولايات المتحدة لإرساء أسس اتفاق وقف إطلاق نار شامل في جميع جبهات الحرب يمهد لوصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للسكان في عموم المدن اليمنية لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية.
وتعتقد الولايات المتحدة أن الوقت قد حان لاستئناف المباحثات بين جميع أطراف الحرب في اليمن، وفقا لبيان وزارة الخارجية في 9 يونيو الذي دعا جماعة الحوثي للقبول بوقف إطلاق النار في كافة أنحاء البلاد، وهو ما بات محل “إجماع دولي”، واستئناف المحادثات الرامية لتسوية سياسية تنهي الحرب.
وتواصل الولايات المتحدة الضغط على الجماعة لقبول وقف إطلاق النار والدخول في محادثات حقيقية لحل الصراع اليمني.
وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية في 10 يونيو ، 11 شخصاً على قائمة العقوبات لانخراطهم في تقديم عشرات الملايين من الدولارات لجماعة الحوثي، بالإضافة إلى “معاقبة شبكة من الشركات والوسطاء الذين يدعمون الحوثيين بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني”.
واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية كيانات وأفراد منخرطين في شبكة دولية يعملون واجهات أو وسطاء لبيع السلع والنفط لصالح جماعة الحوثي.
ويقود تيم ليندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إيران والعراق، بالتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب.
ومنذ تعيينه في فبراير الماضي، أجرى ليندركينغ جولات من المباحثات مع مسؤولي عدد من الدول المعنية بالحرب اليمنية، السعودية والإمارات، ودول أخرى تلعب دور الوسيط بين طرفي الحرب، مثل سلطنة عمان.
ومنذ أوائل هذا العام، بدأت جماعة الحوثي تصعيدا واضحا في العمليات العسكرية وحققت بعض المكاسب العسكرية، خاصة في محافظتي الجوف ومأرب.
وكثفت الجماعة منذ فبراير الماضي محاولاتها للسيطرة على مدينة مأرب، آخر معاقل الحكومة الشرعية في شمال اليمن.
وبلغت محاولات سيطرة جماعة الحوثي على مدينة مأرب ذروتها بعد منتصف مايو/ أيار الماضي، مع تصعيد مماثل في الهجمات بالطائرات المسيرة على أهداف في العمق السعودي.
واستهدفت جماعة الحوثي محطة وقود في مدينة مأرب بصاروخ باليستي راح ضحيته العشرات من المدنيين، كما استهدفت 3 صواريخ في 10 يونيو ومعها 3 طائرات مسيرة أهدافا حكومية، وأخرى مدنية من بينها حي الروضة السكني في المدينة.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن في 20 مايو الماضي، إنه “لو لم يكن هناك هجوم على مأرب ولو كان هناك التزام بالسلام وحضور الأطراف للتعامل بشكل بناء مع موفد الأمم المتحدة، لما كانت هناك حاجة لفرض عقوبات ولهجمات عابرة للحدود ومواصلة التحالف الذي تقوده السعودية بشن غارات على أهداف معينة في اليمن”.
وتنشط سلطنة عمان بالتنسيق مع الولايات المتحدة بحراك دبلوماسي شمل زيارة وفد رفيع المستوى إلى صنعاء للقاء قيادات جماعة الحوثي.
ومن المهم للولايات المتحدة، وفق بيان للبيت الأبيض، تركيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب عبر عملية تقودها الأمم المتحدة لوقف إطلاق نار يشمل جميع الأراضي اليمنية لفتح ممرات آمنة للمساعدات، وجلوس أطراف الحرب إلى طاولة المباحثات لإرساء أسس تسوية سياسية للصراع في اليمن من خلال حراك دبلوماسي تشارك فيه الأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي الخاص باليمن وسلطنة عمان.
ولا تزال جماعة الحوثي تفرض شروطا تعجيزية للقبول بالسلام أشار إليها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث واعترافه ضمنا بفشل محاولته الأخيرة لإقناع جماعة الحوثي.
ففي إحاطته أمام مجلس الأمن، الثلاثاء 15 يونيو/ حزيران، أعلن غريفيث رفض جماعة الحوثي وقف إطلاق النار، واشتراطها عقد اتفاقيات منفصلة حول المطار والموانئ قبل الدخول في محادثات وقف إطلاق النار.
لكن كثافة التحركات الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية والعمانية، وتحركات المبعوث الأممي الخاص لليمن، التي بلورت قناعات في أوساط المجتمع الدولي، بما فيها إيران التي التقى وزير خارجيتها مع المبعوث الأممي وأكد ان الحرب ليست حلا، بالإضافة إلى رغبة السعودية بالخروج من هذه الحرب ووقفها، كل ذلك سيرغم جماعة الحوثي على القبول بالجلوس إلى طاولة مباحثات لعقد تسوية سياسية مع الحكومة الشرعية ووقف الحرب باليمن.
وعلى ما يبدو، فإن إدارة جو بايدن التي أعطت ملف الحرب في اليمن أولوية متقدمة في سياساتها الخارجية، ستواصل جهودها عبر الأمم المتحدة والدول الحليفة مثل السعودية وسلطنة عمان ودول أخرى لإرغام جماعة الحوثي على قبول وقف الحرب.
وقد يكون ملف الحرب في اليمن حاضرا في مفاوضات الملف النووي مع إيران في فيينا.

(الأناضول)