لم يكن توصيف القيادي الإصلاحي الإيراني مصطفى تاج زادة، في مقابلته مع “العربي الجديد” قبل أيام، ما يجري في إيران “انقلابا انتخابيا” مبالغا فيه، فمنذ اقتراب موعد الاستحقاق كانت الأمور واضحة. هناك قرار واضح بطي صفحة كل ما له صلة بـ”الإصلاحيين” أو “المعتدلين”، على قاعدة أن المرحلة المقبلة هي للمحافظين حصراً، وليس مسموحاً حتى بمنافسة بين المحافظين، بل يجب وصول من اختاره المرشد حصراً. على هذا الأساس، كانت إقصاءات مجلس صيانة الدستور المرشحين أولى محطات غربلة الأسماء، وتمهيد الطريق للمرشّح الأوحد المطلوب فوزه إبراهيم رئيسي. المرحلة التالية تمثلت في المنافسة الصورية، والتي امتدّت حتى يوم الأربعاء، أي قبل يومين فقط من موعد الاستحقاق، فكرّت بعدها الضغوط وسبحة الانسحابات لتجعل فوز رئيسي بالمنصب محسوماً، حتى أنه عملياً أصبح، في نظر كثيرين، ما من داعٍ لفتح صناديق الاقتراع، ما دامت النتائج قد حدّدت سلفاً. ولذلك جاءت الخطوة الأهم من وجهة نظر النظام، عبر حديث المرشد علي خامنئي في اليوم نفسه، وقبل ساعات فقط من الصمت الانتخابي. حاول خامنئي استنهاض الإيرانيين على قاعدة أن المشاركة المحدودة في الاستحقاق “ستزيد من ضغوط الأعداء”. يخشى النظام الإيراني من العزوف الانتخابي، بعد ما رافق الاستحقاق من مشهد تنافسي صوري، على الرغم من عدم اعترافه بذلك علانية. وهو بالتأكيد يدرك جيداً أن حديث خامنئي لن يغيّر شيئاً في قرار الإيرانيين الذين اختاروا مقاطعة التصويت، اعتراضاً على نهج النظام، لكن حديث المرشد، وبروباغندا التهويل بـ”الأعداء” التي استخدمها، سيكون لهما، بالتأكيد، مفعول ولو نسبي ضمن القاعدة الشعبية للنظام، التي قد “تتراخى” عن المشاركة، بعدما انتهت العملية الانتخابية قبل أن تبدأ لصالح مرشّح خامنئي.
بالنسبة للنظام الإيراني، يرتبط السؤال الأهم بما بعد انتهاء يوم الانتخابات. وما لم يقله المسؤولون علناً يردّدونه بالتأكيد في ما بينهم بشأن الخشية من ضعفٍ سيلازم ولاية رئيسي، إذا ما تدّنت نسبة التصويت مقارنة بالاستحقاقات الرئاسية السابقة. ويدرك هؤلاء أن التبعات لن تنعكس خارجياً فقط، بل ستظهر داخلياً أيضاً.
تخوض إيران مفاوضاتٍ جوهرية بشأن ملفها النووي، وقضايا أخرى مرتبطة به، في فيينا، والتي سيكون مصيرها رهنا بما يخطط له المحافظون للمرحلة المقبلة. وهو ما يفسّر إصرار النظام على إيصال رئيسي، دوناً عن غيره، إلى الرئاسة، لوضع حدٍّ لأي تمايز، ولو نسبي، بين ما يريده المرشد و”الميدان” من جهة وبين الحكومة والدبلوماسية الإيرانية من جهة ثانية، على غرار ما حدث إبّان ولاية حسن روحاني ووجود محمد جواد ظريف في وزارة الخارجية، لا سيما بعد تسريب حديثٍ للأخير عن دور قاسم سليماني وقادة الحرس في التحكّم بالمشهد السياسي الإيراني. وإذا كان يصعب التكهن على نحو حاسم بشأن فرص التوصل إلى اتفاقٍ من عدمه في عهد رئيسي، فإن ما هو حتمي أن المسؤولين الإيرانيين يدركون جيداً أن التحدّي الداخلي سيبرز بقوة إذا ما تعثر إحياء الاتفاق، وتالياً رفع العقوبات. ومنذ احتجاجات الحركة الخضراء عقب الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2009، يتعاطى النظام مع أي بوادر استياء أو اعتراض شعبي أنها مؤشّرات تنذر بتفجر غضب الشارع مجدّداً. ويعي جيداً أن كل ما لجأ إليه، أكثر من عقد، من إجراءات قمعية، بما في ذلك الاستمرار في وضع قادة الحركة الاحتجاجية تحت الإقامة الجبرية والاعتقالات والملاحقات والقبضة الحديدية، لم يكن كافياً لضمان عدم تكرار هذا المشهد الاحتجاجي. وبالتأكيد، فإنه إذا ما تصاعدت عوامل الاحتقان الاقتصادية والاجتماعية في الفترة المقبلة، واقترنت مع أخرى سياسية بعد مسرحية الانتخابات، فإن احتمالات تفجّر موجةٍ جديدةٍ من الاحتجاجات تبقى قائمة. ولذلك تبدو الانتخابات مجرّد محطة تأسيسية لفصل جديد من التطورات، داخلياً وخارجياً.
جمانة فرحات
العربي الجديد