مساومات أميركية روسية بشأن سورية؟

مساومات أميركية روسية بشأن سورية؟

لم يكن الملف السوري حاضراً بقوة في تصريحات الرئيسين الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقب القمة التي جمعتهما يوم الأربعاء الماضي في جنيف، غير أنه من الواضح أن النظام السوري ورئيسه بشار الأسد حضرا على الطاولة الروسية-الأميركية إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة بالشأن السوري. وعلى عكس التصريحات الروسية المقتضبة حول ما تم بحثه سورياً، قال بايدن خلال مؤتمر صحافي إنه سُئل لماذا لديه مشاكل مستمرة مع الأسد، مضيفاً “بسبب انتهاكه (الأسد) للمعايير الدولية، ومعاهدة الأسلحة الكيميائية. لا يمكن الوثوق به”. كما أعلن بايدن أنه بحث مع بوتين “الحاجة الملحّة للحفاظ على، وإعادة فتح، المعابر الإنسانية في سورية، حتى نتمكن من إيصال الطعام والضروريات الأساسية للأشخاص الذين يتضورون جوعاً حتى الموت”.

وعقب اللقاء، قال مسؤول أميركي رفيع، فضّل الكشف عن اسمه، في تصريحات للصحافيين، إن بوتين لم يقدّم أي التزام لبايدن بخصوص عدم عرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية خلال اللقاء. وأشار إلى أن النقاش حول سورية وأفغانستان وإيران استغرق وقتاً طويلاً، وأن العلاقات بين روسيا وبلاده في سورية ستكون أمام اختبار بخصوص تمديد آلية إيصال المساعدات من عدمها. وعما إذا كان بايدن تلقى إجابة واضحة من بوتين في هذا الخصوص، أجاب المسؤول “لا”، مضيفاً: “لم يكن هناك التزام، لكننا أوضحنا أن هذا أمر ذو أهمية كبيرة بالنسبة لنا، وإذا كانت هناك رغبة بأي تعاون إضافي بشأن سورية، ففي المقام الأول علينا أن نرى تمديداً للمعبر الإنساني”.

بوتين لم يقدّم أي التزام لبايدن بخصوص عدم عرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية خلال اللقاء

وعقب ذلك جاء قرار وزارة الخزانة الأميركية بتخفيف العقوبات عن ثلاث دول، من بينها سورية (النظام)، للسماح بإيصال مساعدات خاصة بمكافحة فيروس كورونا، ما عزّز من صحة التوقعات التي رجحت إمكانية تقديم واشنطن تنازلات في ملفات إنسانية للروس، مقابل تمرير تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية في مجلس الأمن في العاشر من الشهر المقبل، في ظل تخوفات من استخدام روسيا حق النقض لعرقلة تجديد الآلية. ويعني تخفيف العقوبات، بما يسمح بإيصال مساعدات تتعلق بفيروس كورونا، مقايضات بملفات إنسانية-إنسانية، ما يعني أن الملفات السياسية لا تزال بعيدة عن المقايضة، على الأقل في الوقت الحالي، وأن الحل السياسي بالنسبة للأميركيين باقٍ على التصور السابق، أي ضمن المظلة الأممية ووفق القرار 2254.

وعن ذلك، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض عبد المجيد بركات إن المعارضة تعلم بأن هناك قضايا إقليمية ودولية وإشكاليات كبرى بين روسيا والولايات المتحدة استحوذت على الوقت الأكبر من اللقاء، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “كنا نتمنى أن تعطي هذه القمة زخماً دولياً أكبر للملف السوري، وتعيده لمكانته الدولية كأولوية أو ضمن سلم الأولويات، وأن تبلور هذه القمة إرادة دولية حقيقة للدفع باتجاه الحل السوري”.

تقارير عربية
روسيا لم تلتزم تسهيل فتح المعابر في سورية خلال قمة بايدن – بوتين
وأشار بركات إلى أن “هناك جوانب مهمة كان يجب أن يتم التطرق لها في القضية السورية خلال القمة، وفي مقدمتها الضغط لتطبيق الحل السياسي وتطبيق القرارات الدولية، وأن يكون هناك موقف حازم للولايات المتحدة أمام الروس وحليفهم الأسد لضبط السلوك العدواني العسكري ولجم هجمات النظام وروسيا وإيران ضد المدنيين، بالإضافة إلى الملف الإنساني، لا سيما أننا أمام استحقاق مهم بخصوص تمديد آلية إدخال المساعدات في مجلس الأمن”. وأعرب عن خشيته من أن يتحوّل الملف السوري إلى ورقة مساومات بين الدول، لا سيما بين الولايات المتحدة وروسيا، وأن يكون ملفاً مفتوحاً من دون تحديد جدول زمني لحله، ليكون محط تصفية حسابات بين الدول، لا سيما بين موسكو وواشنطن، لحل القضايا الدولية والإقليمية العالقة بينهما.

بركات: نخشى أن يكون الملف السوري بلا جدول زمني لحله

ويُتوقع أن تلجأ إدارة بايدن لضغوط أكثر على روسيا والنظام في حال عرقلت موسكو آلية إدخال المساعدات إلى سورية. وفي هذا الصدد نقل الصحافي والباحث السوري أيمن عبد النور، المقيم في لوس أنجليس، معلومات عن أجواء إيجابية بالنسبة للملف السوري في اللقاء، من وجهة نظر الطرح الأميركي، والالتزام بثوابت الولايات المتحدة حيال القضية السورية. وأشار عبد النور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه سبق قمة بايدن-بوتين لقاء بين موظفين في الإدارة الأميركية من المعنيين بوضع أجندة للقمة، مع أشخاص وفاعلين من الجالية السورية في الولايات المتحدة وكان هو من بينهم، مشيراً إلى أن الحديث تمحور حول ثلاث نقاط، الأولى أن تكون سورية ملفاً مستقلاً وغير ملحق بالملف الإيراني كي لا يتأثر به بأي شكل، الثانية توضيح التعبير الأميركي المستخدم أخيراً “تغيير سلوك النظام وليس إسقاطه”، لافتاً إلى أن الأميركيين شرحوا لهم بأن ذلك يتعلق بإجراءات قانونية وأن استخدام مصطلح إسقاط النظام يفضي إلى مشاكل بين الكونغرس والدوائر القانونية وبين الإدارة، لذلك يتم اللجوء إلى استخدام مصطلح “تغيير سلوك النظام” إعلامياً فقط. أما الأمر الثالث الذي طرحه الأميركيون في الاجتماع مع الشخصيات السورية فهو أن الإدارة الأميركية وإن كانت غير مستعجلة أو مضطرة لإنهاء الأزمة السورية، إلا أنها ترى أن هذه الأزمة قد طالت واستغرقت الكثير من الوقت، وأن الكثير من المسؤولين الذين كانوا يشغلون مناصب في إدارة باراك أوباما وهم أيضاً موجودون ضمن الإدارة الحالية يشعرون بتأنيب الضمير حيال ما حدث في سورية، ويعتبرون أن مقتل نصف مليون سورية لم يكن ليحدث لو استخدم أوباما الخط الأحمر بحزم.

وكشف عبد النور عن معلومات وصلت إليه من دوائر صنع القرار الأميركي حول ما جرى في لقاء بوتين وبايدن حيال القضية السورية، بأن “بوتين بقي متمسكاً ببشار الأسد ودافع عنه بقوة، وعرض على بايدن تسهيلات كبيرة للولايات المتحدة في سورية بما يشبه شيكاً على بياض، ولا سيما في ما بتعلق التطمينات نحو إسرائيل من قبل النظام”. ولفت إلى أن بوتين كان يحمل رسالة من الأسد في هذا الخصوص، أي أمن إسرائيل والتفاهم على مسألة الحدود والوجود الإيراني قربها. وأكد أن بوتين شدد خلال اللقاء على إمكانية التزام الأسد بإخراج المليشيات الإيرانية من البلاد، ومنع استقدام الأسلحة ذات الدقة العالية التي تستخدمها المليشيات الإيرانية وحزب الله في سورية، وذلك للحد من تهديدها لأمن إسرائيل. وبحسب عبد النور، فإن بوتين عرض على بايدن أن يقدّم تسهيلات للشركات الأميركية لاستخراج النفط والغاز، سواء في البادية أو المتوسط، وعلل عبد النور هذا الطرح بأن روسيا لا تملك الإمكانية المتوفرة لدى الشركات الغربية لاستخراج النفط وبالتالي كان الطرح الروسي بما يشبه شراكة بالثروة النفطية في سورية، وكذلك الشراكة في عملية إعادة الإعمار بما تتضمن مبالغ هائلة ممكن أن تستفيد منها الشركات الأميركية.

وأكد أن إجابة بايدن عن هذا الطرح لم تكن محصورة فقط خلال اللقاء بل رأيناها في المؤتمر الصحافي وقوله إن الأسد شخص لا يمكن الوثوق به. وأشار عبد النور إلى أن بايدن يولي اهتماماً كبيراً للجوانب الإنسانية ولا يمكن أن ينجر نحو مغريات من هذا النوع، وهو غير مضطر أساساً، لكن قد يلجأ إلى مساومات وتعاون مع الروس حيال ملفات إنسانية، ولا سيما تمديد آلية إدخال المساعدات في مجلس الأمن، مع تقديم وعود لاتخاذ إجراءات حيال تخفيف مشاكل السوريين المعيشية في مناطق سيطرة النظام وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم. وخلص إلى أن بوتين لم يستطع تحصيل مكاسب سياسية لصالح النظام السوري، على الرغم من وجود أشخاص في الإدارة الأميركية راغبين في بيع ملف سورية لروسيا مقابل تحقيق مكاسب أميركية في الملف النووي الإيراني. وأكد عبد النور أن الخارجية الأميركية تلقت بعد اللقاء تعليمات لتشكيل فريق عمل متعدد الاختصاصات لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء بوتين وبايدن من ضمنها ما يتعلق بسورية، مشيراً إلى أن ذلك يسهل على المؤثرين السوريين في الولايات المتحدة معرفة ما سيتم العمل عليه، بل والتأثير به بشكل أو بآخر من خلال تقديم مقترحات لتنفيذ المخرجات المتعلقة بسورية بحكم العلاقة الإيجابية بين للجالية بالخارجية الأميركية. وأبدى تفاؤله انطلاقاً من ذلك بنتائج إيجابية على الملف السوري، قد لا تكون سريعة لكنها مهمة، بحسب قوله.