كشفت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أفضت إلى انتخاب رئيس السلطة القضائية وأحد أبرز وجوه التشدد إبراهيم رئيسي أن الموقف الشعبي لديه توجه متشدد وقناعة بأن إيران العنيفة والقوية والمتشددة أفضل من إيران الباحثة عن مخارج معتدلة كما هو الحال الآن.
ومنح أغلب الإيرانيين المشاركين في الانتخابات والذين بلغ عددهم 28.6 مليون ناخب أصواتهم لمرشحين محسوبين على التيار المتشدد حيث لم يحصل المرشح المعتدل الوحيد عبدالناصر همتي محافظ البنك المركزي السابق سوى على 2.4 مليون صوت.وحصد رئيسي 17.8 مليون صوت في حين حلّ محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري والمحسوب أيضا على التيار المتشدد في المركز الثاني بحصوله على 3.3 مليون صوت.
ورغم التراجع الكبير في نسبة المشاركة في الانتخابات التي قدرت بـ48 في المئة مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت سنة 2017 والتي قدرت فيها نسبة المشاركة بـ70 في المئة، إلا أن وجود أكثر من 26 مليون ناخب من بين 59 مليون إيراني لهم حق التصويت صوتوا للمتشددين يعني أن الإيرانيين يرون أن بلادهم في مواجهة شاملة ما يحتم بالضرورة التخلي عن قناع الاعتدال.
ويعيد وصول رئيسي إلى كرسي الرئاسة سيناريو مرحلة تأهيل علي خامنئي نفسه ليصبح المرشد الأعلى في المرحلة الأخيرة من حياة الخميني. حيث ينظر إليه بأنه الشخص القادر ببراغماتيته السياسية الداخلية وتشدده الخارجي على استدامة تأثير المرشد الأعلى.
وعلى العكس من الاعتقاد السائد بأن طبيعة شخصية الرئيس/المرشد القادم ستكون خاضعة لتوازنات السلطة وتوزيعها في إيران ضمن المعسكر المحافظ، إلا أن وصول خامنئي للمنصب الأعلى بعد وفاة الخميني حوّل كل “أحلام” الخميني إلى مشاريع سياسية ونفوذ وميليشيات على الأرض. لأن شخصية المرشد وطبيعته حاسمتان في هذا الشأن.
وعززت سلطة المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني من دور المتشددين القائلين بأنه يجب عدم الوثوق بأيّ تيار إصلاحي في البلاد يدعو للتفاوض مع الولايات المتحددة.
ويبدو واضحا أن النظام نجح في إقناع عدد كبير من الإيرانيين بأن البلاد تحتاج خلال هذه الفترة إلى إظهار وجهها الحقيقي والتخلي عن قناع الاعتدال.
وذكرت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية أن الكثير من الإيرانيين يفترضون أن المتشددين في مراكز السلطة مثل النخبة في الحرس الثوري والقضاء ومكتب المرشد الأعلى علي خامنئي قد قرروا بالفعل من يجب أن يكون الرئيس المقبل.
غازي الحارثي: لا يُنظر في الخليج إلى أي تغيير في الرئاسة الإيرانية بنظرة متفائلة أو متشائمة
غازي الحارثي: لا يُنظر في الخليج إلى أي تغيير في الرئاسة الإيرانية بنظرة متفائلة أو متشائمة
ويرى المحلّل السياسي البريطاني باتريك وينتور أن الانتخابات أظهرت أن التيار الإصلاحي ضعيف ويعاني الانقسام بين من يريد مقاطعة الانتخابات لحرمانها من الشرعية وبين من يعتقد أن أربعة أعوام تحت قيادة رئيسي ستُنهي النظام.
وكتب وينتور المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان البريطانية “يطلب البعض من الإصلاحيين السماح للمتشددين بالسيطرة على جميع هيئات الدولة منتخبة كانت أم غير منتخبة ليُحرم هؤلاء من أيّ سياسي يمكنهم لومه”.
وتجري البلاد حاليا حوارا مع الغرب للعودة إلى الاتفاق النووي حيث من المتوقع أن يشهد انتكاسة بعد فوز رئيسي، كما تسعى طهران إلى إعادة العلاقات مع السعودية.
ويعتبر رئيسي أن المحادثات مع القوى العالمية لرفع العقوبات الأميركية عن إيران لا طائل من ورائها، ويقول “بعض السياسيين يعقدون الآمال على جلسات لمعرفة ما يمكن أن يحصلوا عليه من الغربيين، إلا أنني أنصحهم بعقد جلسات منزلية أفضل لهم لحل المشاكل”.
ورغم وجود قناعة لدى دول الخليج بأن الرئيس لا يشكل سوى واجهة للنظام الذي يتحكم فيه المرشد آية الله علي خامنئي، إلا أن انتخاب رئيسي لا يبعث بالارتياح بالنسبة إلى تلك الدول.وقال الصحافي السعودي غازي الحارثي “لا يُنظر في الخليج إلى أيّ تغيير في الرئاسة الإيرانية بنظرة متفائلة أو متشائمة، نظراً لأن هناك ثقة لا يختلف عليها الكثير بأن مطبخ السياسات يُصنع لدى المرشد الإيراني، كما أن كثيرا من سياسات إيران المزعزعة للاستقرار جرت في عهد جناح الإصلاحيين أو المعتدلين، وبالتالي فانتخاب المتشدد رئيسي لن يجعل أحداً في الخليج يتفاءل بتحسن العلاقات مع إيران”.
وأضاف الحارثي في تصريح لـ”العرب” أن “بعض دول الخليج ومنها السعودية تعتمد على قدراتها الذاتية في الحفاظ على مصالحها والدفاع عن أمنها بغض النظر عن توجهات أيّ حكومة إيرانية، وستبقي المملكة الباب مفتوح لأيّ خطوات من جانب إيران من شأنها تفعيل الحوار المشروط باحترام القواعد الدولية ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.
ويرى المحلل السياسي البحريني عبدالله الجنيد أن افتراض وجود صراع تيارات داخل إيران هو افتراض غير واقعي فسلوك النظام لم يختلف عبر تواتر المتشددين ومن يوصفون بالإصلاحيين.وتوقع مهدي عقبائي عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أن يحاول خامنئي بعد تنصيب رئیسي رئيسا ملء فراغ قائد فيلق القدس قاسم سلیماني الذي قتل في غارة أميركية العام الماضي.
وقال عقبائي في تصريح لـ”العرب” إن “انتفاضة الشعب الإيراني في الداخل وخوف خامنئي من استمرارها ستعقد مهمة رئيسي”.
ويصف الجنيد فوز رئيسي بمثابة تعيين من قبل خامنئي، لافتا إلى أنه “نتيجة تحديات داخلية لعل أهمها إيجاد ضمانات استدامة النظام السياسي في حال مغادرة خامنئي المشهد. فحالة الصراع على موقع المرشد وليس منصب المرشد هو العنوان الرئيس في مستقبل الجمهورية الإسلامية”.
واعتبر المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري فوز رئيسي بأنه سيزيد من التعقيدات في المشهد الإقليمي، خصوصا وأن تاريخه ملطخ بدماء الآلاف من الأبرياء من الشعب الإيراني، الذين تورط في إعدامهم.
ووصف الأنصاري مؤسس منظمة “سابراك” الأميركية في تصريح لـ”العرب” الانتخابات بمثابة احتجاج صامت، وتؤكد أن النظام الإيراني هو نظام مارق وخارج على الإجماع الدولي.