على خُطى غزة.. “إرباك ليلي” للمستوطنين بالضفة الغربية

على خُطى غزة.. “إرباك ليلي” للمستوطنين بالضفة الغربية

ما أن يحلّ المساء في بلدة “بيتا”، إلى الجنوب من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، حتى تعجّ الجبال والتلال المحيطة بالبؤرة الاستيطانية الإسرائيلية “أفيتار”، المقامة على جبل “صَبيح”، بمئات الشبان الفلسطينيين، لتبدأ فعاليات “الإرباك الليلي”.

و”الإرباك الليلي”، هي فعاليات احتجاجية شعبية، يُنظمها سكان بلدة “بيتا” بشكل شبه يومي منذ أسابيع، للمطالبة بإخلاء بؤرة استيطانية إسرائيلية تُسابق الزمن لتثبيت واقع استيطاني جديد في البلدة.

ويُشعل الشبان الفلسطينيون النار في إطارات مطاطية، وينفخ آخرون في أبواق تُصدر أصواتاً مُزعجة، بينما يُسلّط البعض مصابيح إنارة “الليزر” نحو “كرافانات” البؤرة الاستيطانية، ويحمل غيرهم مشاعل إنارة.

ولم يعهد سكان الضفة الغربية هذا المشهد من قبل، لكن فكرة “الإرباك الليلي” مستوحاة من سكان قطاع غزة، حيث شكّلت أحد عناوين “مسيرات العودة وكسر الحصار” التي انطلقت في 30 مارس/ آذار 2018 على حدود غزة مع إسرائيل، واستمرت قرابة عام ونصف العام.

ويرى أهالي بلدة بيتا في تلك الفعاليات أسلوباً نضالياً جديداً، ضمن أنشطة المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً النشاط الاستيطاني؛ بهدف إزعاج المستوطنين ودفعهم للرحيل، وإخلاء البؤرة الاستيطانية الجديدة.

وشيّد مستوطنون إسرائيليون البؤرة الاستيطانية “أفيتار”، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/ أيار الماضي، الذي جاء عقب الهبّة الشعبية في الضفة الغربية والقدس.

سلميّة تُقابل بعنف
ومع أن الفعاليات تأخذ طابعاً سلمياً بحتاً، إلا أن المشاركين فيها معرّضون للاعتقال أو الإصابة برصاص الجيش الإسرائيلي، وحتى الموت، فالمواجهة وجهاً لوجه.

ففي المدى تبدو البؤرة الاستيطانية ساكنة، لكن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي تتكفل بحراستها، ويقول الشبان الفلسطينيون إن جنود الجيش ينتشرون بين الحقول مُتربصين بهم.

وخلال الأسابيع الأخيرة استشهد 5 فلسطينيين، 4 منهم من بلدة بيتا، بينما أصيب العشرات غالبيتهم بالرصاص الحي خلال مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي.

وبرغم ذلك، يقول الشبّان إنهم لن يكلّوا ولن يملّوا حتى يتحرر “الجبل”، وتُزال البؤرة الاستيطانية.

ووسط أشجار الزيتون بأعلى قمم تلال “بيتا” وجبالها، يسير الشبان ليلاً حول البؤرة الاستيطانية، وتعلوهم صيحات التكبير، مُرددين أناشيدَ وطنية، وشعارات حماسيّة، من بينها: “هي يلّا، هي يلّا، عن الجبل ما نتخلى”.

أحلام مؤجلة
يقول أحد نشطاء تلك الفعاليات، وهو قاصر دون سن الـ18، إنه “أجّل كل طموحاته وأحلامه، وبات جلّ مبتغاه تحرير الجبل من المستوطنين”.

أما الشاب الثلاثيني أبو يوسف (اسم مستعار)، فيقول خلال مشاركته في الفعالية، إنهم مستمرون في مقاومتهم للاستيطان، فـ”لا حل سوى إخلاء المستوطنة”.

وبينما يُخفي “أبو يوسف” وجهه تحت اللثام، يُضيف: “نشعل النيران في الإطارات المطاطية ليتطاير دخانها مع اتجاه الرياح نحو البؤرة الاستيطانية، فلن نتركهم يهنأوا باستيلائهم على أرضنا”.

وأوضح أن الشبان المنظمين لتلك الفعاليات، نذروا أوقاتهم لهذا الغرض، ففي النهار يواجهون القوات الإسرائيلية، وفي الليل يعمدون للإرباك الذي تستمر فعالياته حتى ساعات ما بعد الفجر.

وعن مشاركته في الفعاليات، يقول الشاب العشريني محمد عزام (اسم مستعار)، إنه “ما دامت المستوطنة مُقامة، فلا راحة لكلينا (نحن والمستوطنون).. سنواصل العمل والجهاد من أجل تحرير الجبل”.

وأضاف: “أخرج من بيتي ولا أعرف مصيري، فقد أصيب برصاص الجيش الإسرائيلي أو حتى أستشهد، ومع ذلك فلا أخشى على نفسي.. الأهم هو استمرار المقاومة الشعبية وطرد المستوطنين”.

وتابع بعزيمة وثبات: “لا طموح لنا ولا أحلام.. فكل شيء مؤجل لحين الحرية والعيش بأمن وسلام”.

من جهته، أوضح عامر حمايل، أحد سكان البلدة، أنهم لا يملكون أدواتٍ لمقاومة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، سوى الحجارة والمقلاع (أداة بسيطة لرشق الحجارة).

وأضاف: “نطلق أحياناً الألعاب النارية، فضلاً عن إشعال الإطارات المطاطية، والنفخ في الأبواق”.

ويُكمل حمايل: “قد تبدو تلك الأدوات بسيطة لكنها ذات تأثير على المستوطنين، وبفعل ذلك يُمعن جيش الاحتلال في قتل وإصابة الشباب في البلدة”.

وأشار إلى أن مسيرات الإرباك الليلي هي عمل جماعي يُشارك فيه معظم أهالي البلدة، مضيفاً: “الكل هنا في بيتا يدا واحدة.. صغاراً وشباباً وكباراً”.

وللمسنّين نصيب
ولا تقتصر فعاليات “الإرباك” على الشباب، حيث يُشارك فيها المُسن منير خضير (61 عاماً)، بشكل يومي.

وأوضح خضير، أن سنّه لا تُسعفه للقيام بما يفعله الشباب، لكن دوره يتمثل في تنبيههم من خطر جنود الجيش الإسرائيلي المتربصين بهم في بعض الأماكن.

ويضيف: “لا يمكن أن ننام، فحياتنا ستنقلب رأساً على عقب باستمرار وجود البؤرة الاستيطانية”.

ويُردف خضير بنبرة تحدّ: “سنواصل النضال ولن تتوقف المسيرات حتى نقتلع هذا الجسم الغريب.. والزمن بيننا طويل، فـ (بيتا) اليوم تقدم نموذجاً للمقاومة الشعبية المتواصلة ليلاً ونهاراً”.

وتُقدر مساحة جبل “صَبيح” بـ 840 دونماً، ويعود لفلسطينيين من بلدات “بيتا”، و”قبلان”، و”يتما”، جنوبي نابلس، ويسيطر المستوطنون على نحو 20 دونماً من أراضيه.

وعلى مدى سنوات منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، ظلّت بلدة “بيتا”، التي يقطنها نحو 16 ألف فلسطيني، صامدة في وجه الاستيطان الإسرائيلي، الذي لم يتمكن من أيّ جزء منها.

(الأناضول)