ضرورة إصلاح منظمة التحرير

ضرورة إصلاح منظمة التحرير

يُشكل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بنائها وتفعيلها، وبث الحياة فيها من جديد، ضرورة ملحة للشعب الفلسطيني، وذلك بسبب التحولات الكبيرة التي طرأت على المشهد الفلسطيني، وبسبب الأزمة التي يعاني منها المشروع الوطني، بما فيها الانقسام الداخلي، وهي أزمة يبدو أنه من غير الممكن الخلاص منها، من دون العودة إلى منظمة التحرير.
إعادة بناء منظمة التحرير يحتاج إلى قرار وطني جماعي، يُشارك فيه الجميع، وينطلق من الإيمان بالحاجة الملحة للمصالحة، وإنهاء الانقسام الداخلي، وضرورة التوافق على جسم جامع يتحرر من السلطة الفلسطينية، ويتحرر من القيود الإسرائيلية في الداخل المحتل، وكل هذا يجب أن يتم بالتوافق، وليس الانتخابات، وعلى قاعدة «مشاركة لا مغالبة»، وعلى قاعدة عدم انفراد أحد بالقرار الوطني الفلسطيني. ثمة الكثير من العوامل التي تدفعنا للدعوة إلى العودة لمنظمة التحرير، وإعادة بنائها وجعلها أكثر فاعلية وتأثيراً، وهذه العوامل يجب أن تكون محل نظر لدى كل النخبة الفلسطينية ولدى الفصائل الفلسطينية كافة، وفي ما يلي أهمها:
أولاً: اتفاقات أوسلو وما نتج عنها من هياكل ومؤسسات أصبحت منتهية، وفي حكم المنعدمة، وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم بتغيير معالم الضفة الغربية وواقعها الديمغرافي منذ نحو عشرين عاماً، حيث تم اجتياح المناطق (أ) و(ب) و(ج)، وتصاعدت وتيرة الاستيطان، والتهم جدار الفصل العنصري مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية، إضافة إلى حروب مستمرة على غزة واغتيالات وانتهاكات أخرى لا حصر لها. ما يعني أن هذه الاتفاقات التي عطَّلت منظمة التحرير، لم تعد موجودة، وأصبحت العودة لمربع ما قبل أوسلو واجبة.
ثانياً: لا يمكن تصور منظمة التحرير من دون أن تكون حركتا حماس والجهاد الإسلامي جزءاً منها، إذ أن غياب اثنين من أهم وأكبر الفصائل الفلسطينية عن هذه المنظمة، كان أحد عوامل تعطيلها وتهميشها. وفي ما أصبحت حماس جزءاً من السلطة التي نتجت عن أوسلو، فإن الأولى والأجدر أن تكون جزءاً من منظمة التحرير، التي نتجت عن تبني الفلسطينيين خيار مقاومة الاحتلال.

منظمة التحرير، يجب أن تكون الطريق الأقصر والأصوب للفلسطينيين من أجل استئناف مشروعهم الوطني

ثالثاً: الأزمة الفلسطينية الراهنة، وحالة الجمود السياسي المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، لا يمكن حلها إلا بإيجاد طريقة للقفز على السلطة الفلسطينية، التي أدت إلى تقسيم الفلسطينيين، وأوجدت طبقة من المستفيدين والمنتفعين، وهذا القفز لا يمكن أن يتم إلا بالعودة إلى منظمة التحرير، بعد إصلاحها وإعادة بنائها، وجعلها الممثل الحقيقي للفلسطينيين في الداخل والخارج، وبعد ذلك فإن «السلطة الفلسطينية» يتم تغيير وظيفتها، لتتحول إلى جهاز محدود لتيسير شؤون فلسطينيي الداخل، ليس أكثر. أما المفاوضات والعمل السياسي وقيادة المشروع الوطني، فهذا يُصبح من مهام منظمة التحرير دون غيرها.
رابعاً: يتوجب الاعتراف بأن جهود إنهاء الانقسام الداخلي، والتوصل إلى مصالحة بين فتح وحماس، قد فشلت حتى الآن، بل إن الانقسام تعمق في السنوات الأخيرة، وتحول إلى انقسامات إضافية داخل كل فصيل بنفسه، والسبب هو حالة الجمود غير المسبوقة في المشهد الفلسطيني، وهذا الجمود لا يستفيد منه سوى الاحتلال، الذي يقوم بتغيير الجغرافيا والديمغرافيا، بما يجعل بناء الدولة الفلسطينية أصعب وأصعب، والحل الوحيد لذلك هو الإسراع في إعادة رسم وبناء المشروع الفلسطيني.
خامساً: إعادة بناء منظمة التحرير، يجب أن يقوم على مبدأ التوافق والمحاصصة، وليس الانتخابات، لأن إجراء انتخابات للمجلس الوطني، أو لأي مؤسسة فلسطينية، سواء في الداخل أو الخارج، هو مجرد عبث، فإجراء انتخابات يشارك فيها فلسطينيو الخارج، أمر غير ممكن لأسباب كثيرة، وإجراء انتخابات للفلسطينيين في الداخل وحدهم يُشكل تجاهلاً للشريحة الأكبر، وهم فلسطينيو الخارج، وعليه فإن طريقة الراحل ياسر عرفات في تشكيل المنظمة هي الأصح في إعادة بنائها اليوم.
والخلاصة هي أن منظمة التحرير، يجب أن تكون الطريق الأقصر والأصوب للفلسطينيين من أجل استئناف مشروعهم الوطني، أما إصلاحها وإعادة بنائها فيجب أن يتم على أساس إشراك حماس والجهاد فيها، ومن ثم العودة لها كمرجعية عليا وممثل عام لكل الفلسطينيين، وعلى القيادة الفلسطينية الحالية أن تؤمن بأن هذه المنظمة أهم وأكبر من «السلطة»، كما أن إصلاح المنظمة وإعادة بنائها لا يعني مطلقاً إجراء انتخابات للمجلس الوطني ولا لغيره، وإنما يجب التوافق على مشاركة الجميع في القرار الوطني الفلسطيني، وليس ضرورياً بطبيعة الحال أن تتطابق البرامج السياسية للفصائل وإنما تتعاون على ما تتفق عليه.

القدس العربي