لم يكن من قبيل المصادفة أن بنيامين نتنياهو، في سياق أول خطاب ألقاه بصفته رئيساً للمعارضة في الكنيست الإسرائيلي، لدى التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة، يوم 13 يونيو/ حزيران الحالي، اعتبر أن التحدّي الثاني الماثل أمام هذه الحكومة، والذي لن تفلح في أن تجتازه، هو الحؤول دون قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وذلك بعد التحدّي الأول، المتمثل في إيران وملفها النووي على وجه الخصوص.
أشار نتنياهو إلى أن التحدّي الثاني الماثل أمام إسرائيل هو مسألة فلسطين، التي أكثر ما ينبغي أن يعني سياسة إسرائيل حيالها منع قيام دولة فلسطينية تهدّد دولة الاحتلال بأفدح الأخطار، ولفت إلى أن الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة شرعت في تجديد جهودها الرامية إلى تحقيق هذه الغاية، وتطالب بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والأحياء (المستوطنات) اليهودية في القدس. ومع أنه قصد بهذا أن يغمز من قناة الحكومة الجديدة التي اعتبر أن أغلبية واضحة فيها تؤيد إقامة دولة فلسطينية، فإنه جاهر بهدف رئيسي له طوال فترة حكمه التي استمرت أكثر من عقد.
ونظراً إلى انتهاء فترة الحكم هذه، يجدر أن نخوض في إيجاز أبرز ملامحها. وعلى الرغم من أنها اتسمت باللهاث وراء هدف البقاء في سدّة السلطة، الذي صار بمثابة منزع أعلى في سلم الأولوية، إثر تعرّض نتنياهو للمحاكمة بشبهات فساد، فقد انطوت على ملامح أخرى كانت واشيةً بأهدافٍ لم يكن هو نفسه أقلّ تصويباً نحوها. وفي مُجرّد وضعه هدف منع إقامة دولة فلسطينية تحدّياً ثانياً من حيث أهميته أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ما يوضّح أن بلوغ هذا الهدف وقف في صلب سياسته.
ومن سيل مقالاتٍ تُكتب هذه الأيام، بما في ذلك مقالات بأقلام إسرائيلية، في تلخيص ما يُسمى “عهد نتنياهو”، يُشار في شأن هذه المسألة إلى عدد من الأمور. بدايةً، يُشار إلى أن نتنياهو هو أحد أنصار “أرض إسرائيل الكبرى” الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية، ولكن ليست لديه أدنى مشكلة في عدم المجاهرة بهذه المعارضة بموازاة عدم المجاهرة بأن وجهته هي نحو ضمّ أكثرية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، لإدراكه الثمن الباهظ الذي يمكن أن يترتب عن ضمٍّ كهذا في الساحة الدولية، في وقتٍ يظل ماثلاً أمام ناظريه الثمن الذي تدفعه روسيا من جرّاء ضمّها شبه جزيرة القرم. في ضوء ذلك، يبني نتنياهو سياسته لإبقاء هذا المنع ساري المفعول على ركيزتين: عدم الدخول في مفاوضات جوهرية مع الجانب الفلسطيني، تعميق السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة منذ 1967 من خلال توسعة الاستيطان.
علينا أن نضيف إلى هذا كله أن الخطاب السياسي الإسرائيلي، خلال فترة حكم نتنياهو، دأب، في ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، على الدفع بمصطلحات إما أنها جديدة أو كانت قديمة وتقهقرت، منها السلام الاقتصادي، والسلام الإقليمي، والسلام مقابل السلام وغيرها. وجميعها جاءت لتحلّ محل مصطلحاتٍ على غرار الأرض مقابل السلام وحل الدولتين؛ فالأول يعني التنازل عن أجزاء من “أرض إسرائيل الكبرى”، فيما يقول الثاني بضرورة قيام دولة فلسطينية.
ثمّة من يقول إن هدف إحباط قيام دولة فلسطينية كان جزءاً من استراتيجيا نتنياهو حيال الصراع مع الفلسطينيين، وذلك في مواجهة من يقول إن نتنياهو ليس لديه استراتيجيا، كذلك فإنه يترك الأمور تتدهور أحياناً لاعتباراتٍ سياسيةٍ ضيقة، وهو ما لُمِّح إليه خلال المواجهة العسكرية أخيراً مع فصائل المقاومة في قطاع غزة في شهر مايو/ أيار الفائت.
غير أنه سواء كان هذا الهدف جزءاً من استراتيجيا نتنياهو، أو كان هذا الأخير لا يمتلك استراتيجياً، كما يدّعي بعض منتقديه، فإن تلك المواجهة وما سبقها ولازمها من هبّة شعبية فلسطينية، أعادت التذكير بأنه لا يمكن القفز على الفلسطينيين في معادلة الصراع، فكم بالحرّي عندما يدور الحديث حول قضيتهم.
أنطوان شلحت
العربي الجديد