على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على تحرير مدينة سنجار العراقية من تنظيم “داعش” في أواخر عام 2015، إلا أنها لا تزال نقطة توتر أمني وجذب لفصائل ومليشيات مختلفة، ما حال دون عودة أهلها وإعادة الحياة إلى طبيعتها فيها. وبدا أن معضلة المدينة في طريقها إلى الحل بعد اتفاق بغداد وأربيل في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برعاية الأمم المتحدة لتطبيع الأوضاع في المدينة. ويقضي الاتفاق بإخراج جميع الفصائل المسلحة من المدينة الاستراتيجية الواقعة على مقربة من الحدود العراقية السورية، وأبرزها مسلحو حزب “العمال الكردستاني” التركي المعارض لأنقرة، إضافة إلى مليشيات تتبع “الحشد الشعبي”، وأُعلن عن دخوله حيّز التنفيذ في 16 مايو/ أيار الماضي.
لكن بعد مرور هذه الأشهر لم يحصل أي تطبيق فعليّ لهذا الاتفاق، بل إن قائمقام المدينة ومسؤولين فيها يؤكدون لـ”العربي الجديد” أن عدد أعضاء المليشيات ازداد بنسبة الضعف عما كان عليه قبل توقيع الاتفاقية، وأن المدينة واقعة تحت تأثيرات خارجية تسبّبت بإفشال الاتفاقية، حتى إن بعض الأهالي العائدين إلى المدينة في الفترة الماضية بدأوا بمغادرتها. وإزاء هذا الوضع، يتهم سياسيون حكومة مصطفى الكاظمي بالفشل في حل هذه المعضلة، وهو ما يدل على ضعف الحكومة الاتحادية في بغداد.
تضاعف انتشار المليشيات في سنجار في السنوات الماضية
وحيال هذه التطورات، يشرح قائممقام مدينة سنجار محما خليل، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، مجريات الأوضاع ويقول إن المدينة “ما زالت تعيش أسوأ أوضاعها، ونحو 75 في المائة من أهلها ما زالوا نازحين ولم يعودوا إليها”. ويكشف أنه “على الرغم من المحاولات والجهود الكبيرة من منظمات دولية وأطراف سياسية مختلفة لحل أزمة سنجار، وآخرها اتفاقية تطبيع الأوضاع فيها مطلع أكتوبر العام الماضي، إلا أنها تصطدم دائماً بالصراع السياسي والإرادات الخارجية”.
وفي الوقت الذي يشكو فيه خليل من تردّي أوضاع أهالي سنجار الموجودين في المخيمات، يشير إلى بدء هجرة عكسية للأهالي الذين عادوا إلى المدينة في الفترة الماضية، مضيفاً “بسبب تحكّم المليشيات وانعدام الأمن والخدمات، عادوا إلى المخيمات مرة أخرى”. ويكشف عن تنصيب “إدارة محلية في المدينة تابعة لحزب العمال الكردستاني وبعض فصائل الحشد الشعبي، لكن لغاية الآن حكومة محافظة نينوى لا تتعامل معها كونها إدارة غير شرعية”، مشدداً على أن “سنجار خارج سيطرة الحكومة في بغداد، ولو كانت تحت سيطرتها لطبقت الاتفاقية، فيما تضاعف عدد الجهات المسلحة قياساً على ما كان عليه الأمر قبل الإعلان عن التوصل لاتفاقية تطبيع الأوضاع في المدينة”.
وعن الأوضاع في داخل المدينة، تشير عدة مصادر، بينها ناشط حقوقي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن سنجار باتت تضم أكثر من 40 مقراً ومعسكراً تابعاً لمليشيات، أغلبها في منازل مواطنين ومقرات عامة. في المقابل، يسيطر حزب “العمال الكردستاني” على جبل سنجار بمفرده، رافضاً أي مشاركة لقوات أخرى معه، والجيش العراقي غير قادر على الوصول إلى نقاط في الجبل. وتضيف المصادر أن مليشيات “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”سيد الشهداء” و”عصائب أهل الحق”، أبرز الفصائل الناشطة في المدينة منذ مطلع العام الحالي، لكن الإدارة الداخلية تتبع “وحدات حماية سنجار”، وهي الذراع المحلية لحزب “العمال الكردستاني”.
من جهته، يتحدث أحد النواب عن محافظة نينوى عن رفض إيراني لتنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار، ما أعاق تنفيذها، مضيفاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن “الموضوع متعلق بحزب العمال الكردستاني وتركيا، ورغبة إيران في الحصول على أوراق ضغط على مختلف الأطراف في المنطقة”. ويقول إن “دخول مليشيات حليفة لإيران وتشاركها المدينة مع حزب العمال لا يحتاج لدليل على ضلوع الإيرانيين في ملف سنجار وإعاقة الحياة الطبيعية فيها، والأتراك يدركون ذلك جيداً”. ويشير إلى وجود “طرق تهريب بين العراق وسورية، بينها جزء من النفط السوري المهرّب من مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) وكذلك تهريب المخدرات، وهو ما يمثل عاملاً آخر يدفع أطرافاً كثيرة لإعاقة الاتفاق أيضاً”.
تقارير عربية
العراق: اتهامات لـ”العمال الكردستاني” بممارسة الإخفاء القسري بسنجار
وفي الخامس والعشرين من مارس/ آذار الماضي قدّمت الحكومة العراقية مهلة لمسلحي حزب “العمال الكردستاني” للخروج من المدينة تنتهي فجر الأول من إبريل/ نيسان، لبدء الخروج من سنجار، وذلك بعد تهديدات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها إن بلاده قد تتدخل بنفسها من أجل إخراج مسلحي “العمال” من مدينة سنجار، لكن مسلحي الحزب ردوا في بيان لهم بالرفض على المهلة واعتبروا أنها “جاءت بطلب من تركيا”، وأن “قرارهم هو المقاومة والدفاع عن حقوق شعبنا”.
من جهته، يشدّد النائب ديار برواري، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، على أن “سنجار جزء من تحديات حكومة مصطفى الكاظمي، التي فشلت في إخراج الجهات المسلحة منها”، مضيفاً أن “اتفاقية سنجار واحد من الأمثلة الشاهدة على ضعف الحكومة الاتحادية في بغداد”. ويلفت إلى أنه بعد أكثر من 5 سنوات من انتهاء المعارك “ما زال النازحون خارج مناطقهم في كثير من المدن وأبرزها سنجار، التي حظيت باتفاق جيد ومناسب كان يمكن أن ينهي معاناة السكان وأزمة المدينة ككل. لكن مع مرور 8 أشهر على توقيع الاتفاق لا يوجد غير الحبر على الورق، ونتوقع خلال الفترة المقبلة أنه لن يكون هناك تطبيق”. ويعلّل السبب بوجود “أجندات من جهات مسلحة أخرى إقليمية لا تريد الاستقرار التام، خصوصاً أن المدينة حدودية مع سورية”. ويرى أن “الجهات المسلحة ترفض تطبيق الاتفاقية لأنها مستفيدة من موارد مالية واستثمارات، ويمكن القول إن اتفاقية تطبيع الأوضاع فشلت ولم يتم تنفيذها”.
وكان دخول مسلحي “العمال الكردستاني” إلى مدينة سنجار، تحت غطاء قتال تنظيم “داعش”، وتحرير المختطفين الأيزيديين، قادمين من معاقلهم التقليدية في مرتفعات الحسكة السورية وجبال قنديل العراقية، وسط سكوت عراقي، فُهم حينها على أنه ترحيب بجهودهم في قتال “داعش”، إلا أن الحزب اتخذ في ما بعد المدينة وقرى تابعة لها معقلاً جديداً له، ما دفع أنقرة للقول إنه مارس أعمالاً عدائية ضدها انطلاقاً من سنجار.
“الكردستاني” موجود في المدينة بدعم من فصائل “الحشد الشعبي” ولن يخرج منها ما دام هذا الدعم موجود
وفي وقت سابق قال مسؤول الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، في سنجار، قادر قاجاغ، إن “العمال الكردستاني” موجود في المدينة بدعم من فصائل “الحشد الشعبي ولن يخرج منها ما دام هذا الدعم موجود”. واعتبر في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية عراقية أنه “طالما بقي الحشد الشعبي في سنجار، ستكون الفرصة مواتية لبقاء العمال الكردستاني. وبموجب هذا الارتباط يتلقى السلاح والرواتب من الحشد، وفي المقابل الحشد يستخدم حزب العمال في العداء لإقليم كردستان”. وأضاف قاجاغ “لولا دعم الحشد الشعبي لحزب العمال، لتمكن الجيش العراقي من إنهاء وجود مسلحي الحزب في سنجار، ولتمكن أهالي القضاء (المدينة)، والذين يقيم أكثر من 80 في المائة منهم كنازحين في إقليم كردستان، من العودة إلى منازلهم”.
ويهدف اتفاق 9 أكتوبر إلى تطبيع الأوضاع في سنجار، ثالث أكبر الأقضية العراقية مساحة وتقع على بعد 110 كيلومترات غربي الموصل، و50 كيلومتراً من الحدود مع سورية، إذ تحدها محافظة الحسكة من جهة الجنوب الغربي. وتتضمن الاتفاقية عدة بنود، أبرزها إخراج جميع الفصائل المسلحة منها ووضع إدارة مشتركة للمدينة من قبل بغداد وأربيل والبدء بإعادة الأهالي إليها من مختلف المكونات، وإعادة إعمار المدينة وتعويض أهاليها، بموجب إعلان البرلمان العراقي بأنها “مدينة منكوبة”. وتعرّضت المدينة لواحدة من أبشع جرائم تنظيم “داعش”، في العراق بعد احتلالها، مطلع أغسطس/ آب 2014، مع اختطاف ألاف النساء والأطفال وقتل الرجال، وما زال الآلاف من مواطنيها من الأيزيديين مجهولي المصير، من بينهم 3 آلاف امرأة وطفل.
عثمان المختار
العربي الجديد