واشنطن – أشارت تقارير صحفية إلى أنه بإمكان شركتي “فايزر” (Pfizer) و”موديرنا” (Moderna) الأميركيتين جني أكثر من 50 مليار دولار من العائدات المالية نتيجة مبيعات لقاح كورونا هذا العام.
ودفعت ضخامة الأرباح المالية المتوقعة البعض إلى التساؤل عما إذا كان من الصواب لشركات الأدوية الكبرى هذه أن تستفيد بشكل فعال من الوباء، خاصة في ضوء التزامات المنافسين مثل “جونسون وجونسون” (Johnson & Johnson) و”استرازينيكا” (AstraZeneca) ببيع لقاحاتهم على أساس غير ربحي.
وتتوقع شركة فايزر أن تصل مكاسبها إلى 26 مليار دولار أميركي هذا العام؛ إذ ارتفعت أرباح الربع الأول من عام 2021 عما كانت عليه عام 2020 بنسبة 44%.
وبالمثل، تتوقع موديرنا تحقيق 18.4 مليار دولار أميركي لتحصل بذلك للمرة الأولى على أرباح بمليارات الدولارات.
المسؤولية الاجتماعية
من وجهة نظر أخلاقية، قد يرى المرء أن مثل هذه المبالغ الضخمة من الأرباح غير مقبولة، في وقت عانت فيه قطاعات اقتصادية لا تحصي من نتائج انتشار فيروس كوفيد-19، مثل قطاعات الطيران والسياحة والفنون والمسارح والأنشطة الرياضية، على سبيل المثال لا الحصر، بسبب تبعات الإغلاق والقيود الاجتماعية.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن شركات الأدوية تتحمل مسؤولية تجارية واجتماعية على حد سواء بما يُسمح معه تحقيق الربح لتزويد العالم باللقاحات، والواقع أن قانون الشركات يدعم هذا الموقف.
ومن أهم مهام الشركات -بما فيها فايزر وموديرنا- تعظيم الربح للمستثمرين في أسهمها بوصفه هدفًا مؤسسيا تقليديا، ومن ناحية أخرى، فإن الشركتين لديهما أيضا مسؤوليات تجاه محيطهما والمجتمع ككل، وفي هذه الحالة نتحدث هنا عن كوكب الأرض بسكانه البالغ عددهم أكثر من 7.7 مليار شخص.
ولتمويل البحوث المكلفة وتطوير المنتجات الأساسية، يضطلع المساهمون في رؤوس أموال الشركات بدور هام، ويتحملون خطرا كبيرا حال فشل جهود التوصل إلى لقاح، كما تحملت الشركتان مخاطر كبيرة تتعلق بالسمعة والمصداقية حال الإخفاق.
مليارديرات جدد
وارتفع سعر سهم شركة موديرنا إلى أكثر من 700% منذ فبراير/شباط 2020، في حين ارتفعت “بيونتك” (BioNTech) بنسبة 600%، ونتيجة لذلك أوجدت جائحة كوفيد-19 ما لا يقل عن 9 مليارديرات جدد بعد ارتفاع أسهم الشركات المنتجة للقاحات.
ويتصدر قائمة المليارديرات الجديدة الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا، ستيفان بانسيل، وأغور شاه الرئيس التنفيذي لشركة بيونتك شريكة شركة فايزر في إنتاج اللقاح، وفقا لتحليل أجراه تحالف “لقاح الشعب” (People Vaccine)، وهو مجموعة نشطة تشمل مؤسسة أوكسفام (Oxfam) وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” ومنظمة “العدالة العالمية الآن” ومنظمة العفو الدولية.
ويقول تحالف “لقاح الشعب” إن ثروة مديري شركات اللقاح التسعة تسلط الضوء على عدم المساواة الصارخة الناجمة عن الوباء.
وتبلغ قيمة ثروات المليارديرات التسعة الجدد مجتمعة 19.3 مليار دولار، وهو ما يكفي لتطعيم نحو 780 مليون شخص بشكل كامل في البلدان المنخفضة الدخل.
الاحتكار
وقالت مديرة السياسة الصحية في مؤسسة أوكسفام آن ماريوت -في بيان- إن هؤلاء المليارديرات هم الوجه الإنساني للأرباح الضخمة التي تجنيها العديد من شركات الأدوية من الاحتكار، الذي تحتفظ به لهذه اللقاحات.
وأضافت أن هذه اللقاحات ممولة من المال العام، وينبغي أن تكون أولا وقبل كل شيء منفعا عاما عالميا، وليس فرصة ربح خاصة.
وقد أيد الرئيس الأميركي جو بايدن هذه الخطوة، التي يقول مؤيدوها إنها ستساعد على توسيع العرض العالمي وتضييق فجوة التطعيم بين الدول الغنية والفقيرة. وقد جادل المعارضون -مثل ألمانيا- بأن حماية الملكية الفكرية أمر حيوي للابتكار، ويقولون إن إزالة براءات الاختراع لن تزيد العرض بشكل كبير؛ وذلك بسبب القدرة الإنتاجية المحدودة ومكونات اللقاح غير الكافية.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد ذهب 87% من جرعات اللقاح إلى البلدان ذات الدخل المرتفع أو المتوسط، في حين تلقت البلدان المنخفضة الدخل 0.2% فقط، كما أشارت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث إلى أن تطعيم 60% من سكان العالم بحلول منتصف عام 2022 سيكلف 50 مليار دولار فقط.
وقال ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، إن الشركة ستقدم ملياري جرعة من لقاحها إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على مدى الأشهر الـ18 المقبلة، وتتوقع شركة فايزر أن يصل إجمالي مبيعاتها من اللقاح إلى حوالي 26 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام، مع هامش ربح يقترب من 30%.
ودافع بورلا عن قرار الاستفادة من اللقاح، قائلا إن شركته تحملت كل المخاطر لتطويره واستثمرت ما يصل إلى ملياري دولار في البحث والتطوير.
وتعد حملة التطعيم العالمية الحالية الأكبر في التاريخ، وقد تم استخدام أكثر من 2.5 مليار جرعة في 180 دولة حول العالم -وفقا للبيانات التي نشرتها بلومبيرغ (Bloomberg)- وهو ما يكفي لتطعيم 16.4% من سكان العالم بشكل كامل، غير أن التوزيع كان متفاوتا جدا؛ حيث تم تطعيم البلدان والمناطق ذات الدخل المرتفع أسرع من البلدان والمناطق ذات الدخل الأدنى بأكثر من 30 مرة.
والجدير بالذكر أن شركتي فايزر وموديرنا تتقاضيان أكثر من 30 دولارا مقابل كل جرعتين يتلقاهما الشخص من الحكومات المعنية.
وقال بورلا في مايو/أيار الماضي إن شركته وافقت على تزويد 116 دولة للحصول على ما مجموعه 2.7 مليار جرعة قبل نهاية عام 2021، ومن المتوقع أن يذهب 40% من الجرعات، أي أكثر من بليون جرعة، إلى البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل.
المصدر : الجزيرة