قمة بغداد.. البُعد العروبي في دبلوماسية الكاظمي

قمة بغداد.. البُعد العروبي في دبلوماسية الكاظمي

 

بعد نجاحه الكبير في استقبال بابا الفاتيكان، في زيارة استمرت أياما عدة خلال شهر مارس الماضي، استقبل رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي قادة مصر والأردن في إطار قمة ثلاثية، بحثت التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب وغيرها من الملفات.
وتعد قمة بغداد الثلاثية هي رابع قمة بين الدول الثلاث؛ حيث عقدت الأولى في القاهرة في مارس/آذار 2019، وكانت الثانية بواشنطن في سبتمبر/أيلول 2019، في حين جاءت الثالثة في عمّان في أغسطس/آب 2020، وشهدت القمم الثلاث وما تلاها من لقاءات على المستوى الوزاري إبرام اتفاقات عدة اقتصادية مشتركة وأخرى ثنائية.
وتعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأولى لزعيم مصري إلى العراق بعد 30 عاماً، حين زارها آنذاك الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 1990 للقاء رئيس العراق الأسبق، صدام حسين، وهي زيارة حفّ بها شعور كارثيّ بنذير المحنة التي مثلها احتلال الجيش العراقي للكويت في شباط /فبراير 1991، وما تبع ذلك من تشكّل حلف دولي وعربي قام بتدمير جزء كبير من الجيش العراقي واستعادة الكويت، وهو حدث هائل جرّ مجموعة من التداعيات السياسية والاقتصادية الكبيرة على البلدان الثلاث.
أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن قمة بغداد التي اختتمت أعمالها أمس (الأحد) في العاصمة العراقية بغداد تتطلع إلى بناء أفضل العلاقات بين العراق وكل من جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية.
وقال الكاظمي، في كلمة له خلال افتتاح القمة، إن هذه القمة «تعقد في وقت وفي انعطافة تاريخية خطيرة تمر بها المنطقة وكل دول العالم، خاصة مع تحديات وباء كورونا». وأضاف الكاظمي أنه «لا يخفى على أحد أن أهم التحديات التي نواجهها هي جائحة كورونا والظروف الاقتصادية الصعبة والتحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب»، مبيناً أن «العراق مر بتجربة قاسية في مواجهة الإرهاب، والحمد لله نجحنا في القضاء على هذه الجماعات، على الرغم من تبقي بعض الجيوب الصغيرة لهؤلاء الخوارج، خوارج العصر، وعلينا العمل والتنسيق بين دولنا الثلاث لمواجهة هذه التحديات، والعمل على تبديدها من أجل خدمة شعوبنا وشعوب المنطقة».
وأكد الكاظمي «الحاجة إلى عمل مشترك من أجل ترصين وتوحيد المواقف كي نعمل على مسار التنمية وتطوير المنطقة وشعوبها»، لافتاً إلى أهمية «الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة عن طريق التواصل الجغرافي بين الدول الثلاث فيما يخص المجالات الاقتصادية، وكذلك من أجل خدمة الجانب الاجتماعي، في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة».
وأكد الكاظمي «الحاجة إلى عمل مشترك من أجل ترصين وتوحيد المواقف كي نعمل على مسار التنمية وتطوير المنطقة وشعوبها»، لافتاً إلى أهمية «الاستفادة من كل الإمكانيات المتاحة عن طريق التواصل الجغرافي بين الدول الثلاث فيما يخص المجالات الاقتصادية، وكذلك من أجل خدمة الجانب الاجتماعي، في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة».
وعلى صعيد المباشرة بتطبيق ما تم الاتفاق عليه خلال القمة، أكد الكاظمي أنه «تم الاتفاق على إقامة سكرتارية دائمة لتنسيق العمل بين الدول الثلاث، في سبيل مواصلة التنسيق في الملفات الإقليمية الرئيسة، كالملفات “السوري والليبي واليمني وفلسطين”، وأن نبلور تصوراً مشتركاً تجاه هذه القضايا بالتعاون والتنسيق، كي نساعد إخوتنا في هذه البلدان على عبور التحديات والأزمات».
في حين أشار إلى أن القمتين السابقتين ناقشتا الاستثمار والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك الاتفاق على رؤية مشتركة، فإن القادة العرب في قمة بغداد نجحوا في الوصول إلى «مرحلة تنفيذ هذه المشاريع في مجال الربط الكهربائي والزراعة والنقل، وكذلك الأمن الغذائي الذي طرحه جلالة الملك عبد الله الثاني في الاجتماع الماضي، وفي مجال العلاقات المالية والمصرفية، وتطوير البنى التحتية لها».
ومضى العراق منذ وصول رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي إلى السلطة العام الماضي نحو بناء علاقات مع المحيط العربي، بدءاً من المملكة العربية السعودية، من خلال المجلس التنسيقي بين البلدين، إلى أن نجح العراق في عقد القمة الثالثة في بغداد التي حسم هويتها الكاظمي حين رحب، في تغريدة، بالعاهل الأردني والرئيس المصري في «بغداد العروبة».
وعكس البروتوكول العراقي في استقبال الضيفين اهتماماً كبيراً بطبيعة التعامل مع القائدين العربيين، في حين جرى استقبالهما بشكل رسمي في مطار بغداد من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، استكمل رئيس الوزراء الكاظمي، على وقع الدبكة العراقية المشهورة (الجوبي)، استقبالهما في القصر الحكومي، حيث انعقدت القمة.
إن لقاء القمة الثلاثي هو بحد ذاته، وبالنظر الي اهمية توقيته، تطور سياسي جيد وإيجابي في مناخ سياسي عربي عام ما زال يشوبه كثير من الاضطراب والتوتر والتباعد والانقسام، وقد يكون هذا اللقاء مع غيره من لقاءات القمة العربية المحدودة الجادة والمسئولة خطوة مهمة علي طريق تصويب مسار العلاقات العربية العربية التي تواجه الآن من التهديدات والاخطار والتحديات ما لم تعرفها في تاريخها.
وهنا لابد من تثمين التوجه العروبي البارز للحكومة العراقية الحالية التي يرأسها مصطفي الكاظمي، وهو السياسي القدير الذي يتحرك بثقة وثبات وبخطوات متوازنة ومحسوبة في كل الاتجاهات لتعظيم الدور العربي والإقليمي والدولي للعراق والانطلاق بدبلوماسية حكومته المرنة والمنفتحة علي كل الدول العربية وغير العربية للخروج بالعراق من عزلته السياسية التي فرضوها عليه وحاولوا ان يخنقوه بها، والتي دفع فيها ثمنا باهظا ليس هذا مجال الخوض في سرد تفاصيله، او بيان ما انعكست به هذه العزلة الإجبارية عليه في كل مناحي حياته وعلاقاته الخارجية، وأفقدته ما كان له من ثقل وحضور وتأثير سابق.
لم تكن مهمة الكاظمي وحكومته سهلة بحال كما قد يتبادر الي أذهان البعض من هنا أو هناك، فقد زرع الكارهون له والحاقدون عليه في طريقه كل ما أمكنهم زراعته من المعوقات والعراقيل، ونثروا عليه كل ما استطاعوا نثره من الشائعات والمزاعم والأقاويل والاتهامات للتشكيك فيه والتشهير به، حتي يفشلوه ويسقطوه، ولكي تعود الأمور بالعراق الي سيرتها الأولي، لكن الرجل قاوم وصمد واستمر ولم ينحني أمام العاصفة التي كان من الممكن ان تطيح به وتعجل بنهايته، وليثبت أنه رجل الدولة للمهام الصعبة في ظروف داخلية كئيبة ومحبطة وخاذلة.
تنطلق دبلوماسية الكاظمي العربية من إدراكه وتقديره لدور العراق القَومي الكبير ولأهمية مكانته كأحد أعمدة التوازن الرئيسة والمهمة في البيئة العربية برمتها قمة بغداد الثلاثية التي استبشرنا بها خيرا ورجونا مخلصين ان تكون هذه القمة بما حققته الخطوة الأولي في رحلة الألف ميل العربية.

وحدة الدراسات العراقية