تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تحقيق توازن دقيق في المقاربة مع إيران عقب القرار بضرب الميليشيات المدعومة من طهران في العراق وسوريا، حيث برهنت الغارات على استعداد البيت الأبيض لاستخدام القوة للدفاع عن المصالح الأمريكية مع الحفاظ على علاقات دبلوماسية هشة منفتحة في محاولة العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي العلن، أصر مسؤولو إدارة بايدن على أن المسألتين منفصلتان، وقالوا إن بايدن تصرف بموجب سلطاته الدستورية للدفاع عن القوات الأمريكية من خلال شن غارات جوية على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الأمريكية في العراق، وأكدوا أن ذلك لا يتعارض مع الجولة الأخيرة في محاولة العودة للاتفاق النووي.
ووفقا لرأي الكاتب ديفيد إي سانجر في تحليل أعده لصحيفة «نيويورك تايمز» فإن المسيرة الإيرانية نحو القدرة على بناء سلاح نووي كانت جزئياً محاولة لإثبات أن طهران قوة لا يستهان فيها في الشرق الأوسط وخارجه، مشيراً إلى أن البلاد عززت من قوتها بترسانة من الطائرات بدون طيار عالية الدقة والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد، والتي تتضمن تقنيات لم تكن متاحة في طهران عندما تم التفاوض على اتفاق 2015.
واستنتج محللون أن الضربات الجوية الأمريكية كانت تهدف، ايضاًن إلى طمأنة حلفاء وشركاء الولايات المتحدة بأن محاولة العودة للاتفاق النووي لا تعني منح إيران «التفويض المطلق» في المنطقة.
ومن الواضح أن بايدن يريد استخدام محاولة العودة للاتفاق النووي كخطوة أولى لمعالجة قضايا أخرى، بما في ذلك دعم الجماعات في المنطقة، وأشار الخبراء إلى أن الضربات الأمريكية للميليشيات ليست أكثر من انتكاسة مؤقتة لطهران، وفي الواقع، هناك مخاطر من التصعيد، حيث ردت هذه الجماعات على الغارات بإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية في سوريا والجماعات الكردية الموالية لها.
ووفقا للعديد من المحللين الأمريكيين، ومن بينهم سانجر، فإن بايدن سيواجه في المستقبل، حتى إذا نجح في العودة للاتفاق، تحديات فيما يتعلق بنشاطات طهران في المنطقة، وهي خطوة قال عنها الرئيس الإيراني المنتخب الجديد، إبراهيم رئيسي، إنه لن يوافق عليها أبداً.
ويواجه بايدن مشكلة أخرى مع الكونغرس فيما يتعلق بالضربات الجوية ضد الميليشيات الموالية لإيران، حيث قال العديد من الديمقراطيين أن الضربات العسكرية هي استمرار لنمط التجاوز الرئاسي في استخدام سلطات الحرب دون استشارة الكونغرس أو موافقته، وتساءل السيناتور كريستوفر مورفي (ديمقراطي عن كونيتيكت) عما إذا كانت الهجمات الأخيرة ترقى إلى حد ما أسماه «حرباً منخفضة الحدة».
وقال إنه لا يمكن الاستمرار في إعلان سلطات المادة الثانية مراراً وتكراراً، مشيراً إلى السلطة الدستورية التي استشهد بها بايدن لتبرير الضربات.
وحجة بايدن تتلخص في أن الضربات المستهدفة ومحاولة العودة إلى الاتفاق النووي، الذي نسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، هي تجنب الحرب، ووصف وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، الضربات بأنها إجراء ضروري ومناسب ومدروس مصمم للحد من مخاطر التصعيد، وإرسال رسالة ردع لا لبس فيها.
وبحسب ما ورد في وسائل الإعلام الأمريكية، بما في ذلك تقرير «تايمز» فقد شكلت الضربات أيضاً جزءاً من رد بايدن على الجمهوريين، الذين عارضوا بأغلبية ساحقة اتفاق 2015 وتطلعوا لتصوير بايدن إلى أنه ضعيف في مواجهة «العدوان» الإيراني.
وأقرت إدارة بايدن بأن من بين أوجه القصور في الاتفاق النووي القديم أنه يجب أن يكون «أطول وأقوى» وأن يعالج برنامج تطوير الصواريخ الإيراني ومزاعم دعم الإرهاب، ولكن الفجوة تتسع بشكل أكبر في الوقت الحاضر، حيث أكد العديد من المحللين أن الولايات المتحدة يجب أن تناقش قضية الأسلحة الجديدة، التي تستخدمها إيران، وخاصة فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، والصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تصل إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا.
ولم يتم التعامل مع هذه الأسلحة في اتفاقية 2015 على الرغم من وجود اتفاقية صاروخية منفصلة ومتزامنة، أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووفقاً للخبراء، فإن هناك حاجة بأن تشمل الاتفاقية الجديدة العديد من الأسلحة وليس الصواريخ فقط.
وأشار المحللون إلى أن هناك بعض العلامات المقلقة بشأن رغبة الحكومة المتشددة الجديدة في طهران بالتفاوض مع الولايات المتحدة، ولكنهم أشاروا، أيضاً، إلى رغبة طهران بشدة في الوصول إلى الأنظمة المصرفية الدولية، وقالت مجموعة من المحللين إن رئيسي المتشدد أعرب عن دعمه للانضمام إلى الاتفاق النووي.
وأكد المحللون أن عودة إيران إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات ضرورية للغاية لمنع الاقتصاد الإيراني من الانهيار.
وبالنسبة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي يريد تحقيق المزيد من المكاسب من حملته لمنع العودة للاتفاق النووي على الرغم من إصرار بايدن على تحقيقها، فقد تلقى تعهداً من بايدن بأن لا تحصل إيران على سلاح نووي أثناء ولايته، وكان من الواضح أن هناك تفاهمات سيعلن عنها لاحقاً لتقديم المزيد من المساعدات العسكرية للاحتلال في المستقبل القريب، بحجة الحفاظ على «التفوق النوعي العسكري» في المنطقة.
إلى ذلك، تدرس إدارة بايدن رفع العقوبات عن المرشد الأعلى الإيراني في إطار المفاوضات غير المباشرة، وعلى الرغم من أن هذه العقوبة ليس لها أي تأثير مادي، إلا أن المسؤولين في طهران يرون أن الإجراءات ضد أقوى شخصية في البلاد غير مبررة وإهانة لإيران.
رائد صلاح
القدس العربي