تزامن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن قراره بإجلاء جميع الجنود الأمريكيين المتواجدين في أفغانستان بحلول 11 أيلول/سبتمبر المقبل مع أنباء متزايدة عن تقدّم كبير لحركة «طالبان» الأفغانية، كان آخرها بسط مقاتليها سيطرتهم أمس الأحد على إقليم بانجواي ذي الأهمية الاستراتيجية في ولاية قندهار الجنوبية، وهي الولاية التي شهدت ولادة حركة طالبان التي سيطرت على السلطة في أفغانستان عام 1996 قبل أن يطيح بها ائتلاف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001.
جاء الهجوم السريع بعد يومين على انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة باغرام، أكبر قاعدة للتحالف في أفغانستان، والتي كانت مركز العمليات العسكرية والأمنية ضد الحركة على مدى العقدين الماضيين، وأيام من إعلان وفاة «مهندس» الاجتياح الأفغاني (والعراقي) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد، وهو ما يُعطي الهجوم الجديد طابعا رمزيّا كبيرا، كونه يُعلن نهاية هذه العمليّة الكارثيّة باستعادة متوقّعة لطالبان للسلطة بعد عقدين من إزاحتها عنها، وذلك فيما تستعد القوات الأمريكية لانسحاب كامل وإعلان القوات الألمانية والإيطالية الحليفة إنهاء عملية انسحابها بالفعل.
رغم محاولات التسوية السياسية التي جرت على مدى سنوات، فإن المحادثات التي جرت في قطر بين ممثلين من الحكومة والحركة لم تغيّر عمليا من معادلات القوّة الموجودة على الأرض، والتي باشرت بالتغيّر لصالح الحركة مع بدء انسحاب القوات الأجنبية، وفي محاولة من الحكومة الأفغانية القائمة للدفاع عن نفسها ومنع طالبان من الاستيلاء مجددا على السلطة أنشأت ما سمته «قوة الرد السريع» بتعداد قرابة 4 آلاف مقاتل يقوم بتسييرها وتدريبها جنرالات متقاعدون، إضافة إلى الجيش الأفغاني.
أدى تجدد القتال بين الطرفين منذ أيار/مايو الماضي إلى سيطرة طالبان على جنوب البلاد تقدمت في شمالها الشرقي المتاخم لحدود طاجكستان. تتقدّم الحركة سريعا بينما تظهر خطط الحكومة فشلا واضحا، كما حصل في عملية سقوط الجنرال سيهراب عظيمي، قائد القوات الخاصة الأفغانية، وكامل فريقه المكون من 22 شخصا الشهر الماضي بعد أن تمت محاصرتهم وهم ينتظرون تعزيزات لم تأت في قاعدة بمقاطعة فارياب الشمالية، وهناك أنباء عن هروب مئات الجنود إلى طاجكستان وسقوط مئات الأسرى من القوات الحكومية، ويعزو المحللون ذلك إلى ضعف التنسيق بين كبار المسؤولين العسكريين الأفغان، وانتشار الفساد داخله، مما دفع بعض القادة الميدانيين، الذين هم في أمس الحاجة للإمدادات والغذاء، لطلب المساعدة على مواقع التواصل الاجتماعية بدل القنوات الرسمية المعتمدة!
تقوم الحركة باتباع استراتيجية السيطرة على أكبر عدد من المقاطعات والأقاليم لتطويق المدن الكبرى، وقد نجحت حتى الآن في السيطرة على حوالى 75 في المئة من مساحة البلاد، ومن المتوقع أن تلجأ بعد ذلك إلى عزل المدن والسيطرة على وسائل الاتصال التي تربطها فيما بينها لكي تفلت من السيطرة الحكومية، وإذا تمكنت الحركة من الاستيلاء على المدن فسيكون انهيار الحكومة مؤكدا.
رغم جوانب ضعفه، وجوانب القوة في حركة طالبان، فالأغلب أن النظام لن يستسلم بسرعة للحركة، ولكنه إذا لم يجد رعاة خارجيين جددا فإن الحرب الأهليّة المتوقعة الحصول نتيجة هكذا نزاع قد تنتهي خلال أشهر قليلة لصالح الحركة، وهو يعني أن سقوط مئات آلاف الضحايا نتيجة التدخّل العسكريّ الأمريكي، لم يكن غير خطيئة سياسية كبرى، ولم يفعل غير تحويل أفغانستان إلى كارثة إنسانيّة كبرى، فهل ستعود عقارب الساعة في تلك البلاد المنكوبة 20 عاما إلى الوراء؟
القدي العربي