كل شيء جاهز للحرب الأهلية في أفغانستان

كل شيء جاهز للحرب الأهلية في أفغانستان

تصحو أفغانستان يوما بعد آخر على مكاسب جديدة لحركة طالبان المتطرفة، التي تكثف من هجماتها للسيطرة على مناطق واسعة في البلد، الذي يستعد لمغادرة آخر جندي أميركي في الحادي عشر من سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي حدده الرئيس جو بايدن لإنهاء أطول حرب أميركية دامت 20 عاما.

وحققت الحركة المتطرفة الكثير من المكاسب الميدانية خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما فتح الباب أمام منعرجات خطيرة ستضع أفغانستان أمام سيناريوهات تصفية حسابات دامية وحرب أهلية لا هوادة فيها.

ويحذر مسؤولون أميركيون ومراكز دراسات غربية منذ أشهر من تداعيات سلبية وخطيرة للانسحاب من أفغانستان في ظل وجود حكومة ضعيفة في كابول، وفشل جهود إتمام السلام مع الحركة الإسلامية التي عززت من مكاسبها العسكرية في ظل هزائم القوات الحكومية في أكثر من منطقة استراتيجية.

ويتوقع مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية أن يؤدي تدهور الوضع الأمني في أفغانستان إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر بعد انسحاب القوات الأجنبية.

وبالفعل حققت حركة طالبان مكاسب على الأرض منذ الإعلان عن الانسحاب الأميركي، وسيطرت خلال الأيام الماضية على مقاطعات جديدة ومناطق استراتيجية ضمن جهودها لتقوية النفوذ في مواجهة الحكومة الأفغانية في كابول، المتهمة بالفساد والضعف أمام الحركة المتطرفة.

ويرى مركز ستراتفور أنه على الرغم من إطلاق القوات الحكومية حملة تعبئة وطنية وتسليح المدنيين والميليشيات المحلية لمواجهة تقدم طالبان إلا أن الحركة ستظل تحقق انتصارات أمام الميليشيات بسهولة، وذلك لعدم تمكن تلك المجموعات من التدريب الكافي والمعدات العسكرية.

ويعتبر المركز أنه “نظرا للتاريخ الطويل للميليشيات الأفغانية في تغيير الولاءات والصراعات على السلطة والنزاعات الإقليمية، ليس هناك ما يضمن أن تلك الجماعات لن تستخدم الأسلحة الجديدة للقتال ضد بعضها البعض بدلا من طالبان، مما يزيد من العنف والاضطراب بين الطوائف”.

وترتبط الجماعات المسلحة المحلية بالحكومة الأفغانية نظريا، لكن لتنظيمها القدرة على زيادة تقسيم الدولة التي مزقتها الحرب على أسس عرقية وتعزيز حركة طالبان افتراضيا، حيث يتوقع مركز ستراتفور أن يؤدي ذلك إلى “حرب متعددة الجبهات ومتعددة الأحزاب بين طالبان والحكومة الأفغانية والميليشيات المحلية”.

حكومة ضعيفة
مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية: تدهور الوضع الأمني في أفغانستان سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر
مركز “ستراتفور” الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية: تدهور الوضع الأمني في أفغانستان سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر
يتوقع المركز أن يؤدي الانسحاب السريع من أفغانستان إلى جانب المكاسب الإقليمية الأخيرة لطالبان إلى خلق صراع على السلطة بين الحركة الإسلامية المتطرفة والحكومة الأفغانية، حيث يرجح أن يتسبب هذا في حرب أهلية ويزيد من تدهور البيئة الأمنية الإقليمية.

وأصبح الموعد النهائي للانسحاب الأميركي من أفغانستان جدولا زمنيا رمزيا في ظل مغادرة أكثر من نصف القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي أفغانستان.

وتشير التقارير إلى أن القوات المتبقية ستغادر البلاد في أقرب وقت خلال هذا الشهر، حيث أنهت القوات الأميركية الانسحاب من قاعدة باغرام العسكرية الاستراتيجية في أفغانستان.

وتزامن العمل الدؤوب لاستعجال الرحيل من أفغانستان مع تحقيق طالبان مكاسب جديدة في حملتها الهجومية للسيطرة على الأراضي، مستغلة “فرصة استراتيجية”، بدأت منذ إعلان بايدن عن موعد الانسحاب الأميركي. وسيطرت طالبان منذ ذلك الحين على 157 منطقة في مناطق أفغانستان البالغ عددها 407 في شهرين فقط.

ويرى مركز ستراتفور أن “المكاسب الإقليمية تمنح طالبان أوراق مساومة استراتيجية لكسب المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية مع الحكومة الأفغانية، بالإضافة إلى توسيع النفوذ على الأرض لمصلحتها”.

وتعثرت المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان بسبب الشروط المسبقة المتضاربة لكلا الطرفين لتحقيق سلام دائم في بلد أنهكته الحرب طويلا.

وكان انسحاب القوات أحد الشروط الرئيسية في الاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة في فبراير 2020، لكن المفاوضات اللاحقة تعثرت بسبب مطالبة طالبان بالإفراج عن السجناء وضمان تمثيل المجموعة تمثيلا عادلا في حكومة ما بعد الحرب. كما أصرت الحكومة الأفغانية على أنها لن تخوض محادثات مع طالبان حتى توافق على وقف إطلاق النار.

وتخسر القوات الأفغانية أراض بسبب إخفاقات القيادة اللوجستية والسياسية. وتعتمد قوات الأمن الأفغانية على المتعاقدين الذين تمولهم الولايات المتحدة لإصلاح أسطول الطائرات والعربات المدرعة وغيرها من المعدات وصيانته. لكنّ هؤلاء المتعاقدين سيغادرون أيضا قريبا كجزء من الانسحاب الأميركي.

ويقول مركز ستراتفور إن هذا الأمر “سيجعل القوات الأفغانية غير قادرة على الاحتفاظ بالعشرات من الطائرات المقاتلة وطائرات الشحن والمروحيات والطائرات دون طيار أميركية الصنع لأكثر من بضعة أشهر أخرى”.

كما يتوقع أن “يؤدي هذا إلى تأريض القوات الجوية الأفغانية، وهي الميزة الرئيسية لكابول ضد طالبان لدورها في دعم العمليات البرية الأفغانية بضربات جوية فعالة، الشيء الذي تفتقر إليه طالبان”، مشيرا إلى وجود نقص شديد في التنسيق على الأرض بسبب القيادة السياسية غير الفعالة في كابول.

وقرر الجنود الأفغان، بسبب ضعف معنوياتهم بسبب الموارد المحدودة وانسحاب القوات الأميركية وتدني الرواتب وانتشار الفساد الحكومي، تسليم مراكز المقاطعات وترك القواعد العسكرية والاستسلام لطالبان.

وسلموا أسلحتهم ومركباتهم ومواد حربية أخرى دون قتال بسبب نقص الأعداد والمعدات أيضا. كما أدى هجوم طالبان في المقاطعات الشمالية إلى ضغط محدود على القوات الأفغانية في مناطق واسعة، مما أدى إلى إضعافها.

سيناريوهات قاتلة
Thumbnail
انعكست استعانة الحكومة بأمراء الحرب لمواجهة طالبان على الأرض وبدا أن له تداعيات كثيرة وينذر بفوضى شاملة في كل مكان في البلد الذي يعاني منذ عقود من حروب ومعارك لا تنتهي.

ويقول مركز ستراتفور إن “تعزيز سلطة إقطاعيات أمراء الحرب أدى إلى تآكل سلطة الحكومة في كابول التي يمكن أن تدوم لفترة أطول من الصراع الحالي” مع طالبان.

ويتوقع المركز الأميركي أن يصبح “شمال أفغانستان ساحة قتال لطالبان والجماعات غير البشتونية المكونة من أقليات عرقية مثل الطاجيك والأوزبك، حيث من شأن هذا العنف أن يزيد من زعزعة استقرار البلاد وقد يؤدي إلى هجرات وأزمات لاجئين في دول آسيا الوسطى”.

كما يرى أن جنوب أفغانستان، الذي تسكنه أغلبية من البشتون، سيصبح قاعدة لمقاتلي القاعدة والدولة الإسلامية، حيث سيكون لديهم حرية تشغيلية أكبر بكثير للقيام بمجموعة من الأنشطة، بما في ذلك التجنيد والتدريب والتخطيط للهجوم.

وتشير التوقعات كذلك إلى احتمال أن تتسبب الفوضى المتزايدة في أفغانستان إلى “تعرض أمن البلدان المجاورة للخطر من خلال توفير أرض تدريب للجماعات المسلحة الإقليمية”، فضلا عن التداعيات المحتملة للاشتباكات العنيفة بين طالبان وقوات الأمن إلى موجة نزوح واسعة للسكان.

وكانت المعارك العنيفة بين طالبان والقوات الحكومية الأفغانية تسببت في سقوط الآلاف من الضحايا المدنيين والنزوح الداخلي للسكان من المناطق الريفية إلى عواصم ومدن إقليمية محمية بدرجة أكبر نسبيا.

اقرأ أيضا:

طالبان تحقق مكاسب ميدانية بسرعة غير متوقعة

ولا يخفي مركز الدراسات الأميركي توقعاته من إمكانية وقوع المدن الكبرى في أفغانستان بأيدي حركة طالبان، حيث يمكن أن “تؤدي مكاسب الحركة إلى اندلاع أزمة إنسانية إقليمية يصعب معالجتها وسط أعمال العنف”، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيشكل تهديدا مستداما.

ويتوقع أن “يؤدي الفراغ الأمني وازدياد قوة طالبان إلى إحياء معسكرات التدريب للجماعات الإرهابية المختلفة في المناطق النائية في أفغانستان، مما يعرض أمن المنطقة بأكملها للخطر”. كما يمكن للمنظمات الإرهابية الدولية والإقليمية التعبئة والعمل انطلاقا من المنطقة لتهديد أمن جنوب آسيا ووسطها، وإعادة إحياء مخاطر القاعدة والدولة الإسلامية.

وتثير مخاوف أخرى لن تكون أقل حدة من غيرها من السيناريوهات المتوقعة الحدوث في أفغانستان على غرار تحرك حركة طالبان الباكستانية المتمركزة في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان على تكثيف هجماتها ضد باكستان، حيث يرى مركز ستراتفور أن هذا الأمر “سيؤدي إلى استفزاز إسلام أباد لزيادة تدخلها في أفغانستان”.

ويوجد نحو 5 آلاف مقاتل من طالبان الباكستانية في المنطقة الحدودية مما يشير إلى أن المجموعة مستعدة للاستفادة من سيطرة طالبان على مناطق جديدة في أفغانستان.

كما يتوقع أن يكون للجماعات الإرهابية التي تعمل ضد الهند مثل جيش محمد وعسكر طيبة عمق استراتيجي أكبر لتنفيذ هجماتها في المنطقة بسبب صلاتها بحركة طالبان، حيث يمكن للهجمات أن تدفع نيودلهي إلى التدخل ضد هذه الجماعات في باكستان وأفغانستان.

ويرى مركز ستراتفور أن “مجرد تغلب طالبان على القوات الأفغانية سيعيد تنظيم القاعدة إلى العمل في أفغانستان”، كما لا يمكن استبعاد عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أكد قدرته على الصمود والسيطرة على الأجزاء الجنوبية من البلاد.

ويقول المركز إن نجاح هذا السيناريو “سيشكل زيادة كبيرة في التهديد الإرهابي للغرب، نظرا إلى أن كل من القاعدة والدولة الإسلامية يحافظان على نية استراتيجية لاستخدام ملاذ أفغاني آمن لضرب أهداف في الخارج”.

صحيفة العرب