مع بوادر الصيف الساخن وتردي منظومة الكهرباء في العراق، يبدو أن البلاد ما زالت تسير فوق “صفيح ساخن” متخم بالأزمات السياسية والأمنية، حيث تتزايد التحديات أمام حكومة مصطفى الكاظمي، خصوصاً مع التوقعات بموجة احتجاجية جديدة ربما تسهم في تعقيد مشهد الانتخابات المقبلة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتتزايد التساؤلات في شأن إمكانية أن تنتهي الفترة المقبلة بهدوء، خصوصاً مع تصاعد النقمة الشعبية الواضحة، سواء على مستوى عدم تحقيق الحكومة الحالية أياً من مطالب الانتفاضة، أو على مستوى تردي الخدمات، وخصوصاً الطاقة الكهربائية.
بالإضافة إلى التعقيدات الداخلية على المشهد العراقي، يبرز تحدٍ آخر مرتبط باحتمال تصعيد أميركي – إيراني في العراق، قد يسهم في تعقيد مشهد الانتخابات المقبلة.
وتجمع غالبية التيارات المنبثقة من الانتفاضة العراقية على مقاطعة الانتخابات المقبلة، إذ يشير ناشطون إلى أنها لم تحقق شروط المحتجين وتفتقر إلى “مقومات النزاهة والشفافية”، فضلاً عن كونها تجرى في أجواء أمنية غير ملائمة مع استمرار عمليات الاغتيال وتنامي نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في الساحة العراقية.
تجاذب سياسي
وتتباين الرؤى والتحليلات في شأن الكتل السياسية الراغبة في تأجيل الانتخابات. ويرى فريق أن التيارات الموالية لإيران ترغب في إدامة “حالة الفوضى” التي تتيح لها استمرار السيطرة والنفوذ، بينما يرى فريق آخر أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وفريقه يودان تأجيل الانتخابات لتمديد عمر الحكومة.
وبين هذين الرأيين يبرز رأي ثالث مفاده بأن كل القوى السياسية باتت راغبة في تنظيم الانتخابات في موعدها، لأنها تمثل “وسيلة لإعادة ترميم أوضاعها وسيطرتها على النظام السياسي” بعد الانتفاضة العراقية.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، إياد العنبر، أن “حالة من اليأس والإحباط باتت تسيطر على الأجواء العراقية، وهو الأمر الذي يجعل التعويل على احتجاجات كبيرة خلال الفترة المقبلة أمراً مستبعداً”، ويضيف أن الانتخابات المقبلة هي الأخرى “لم تعد مطلباً بالنسبة إلى العراقيين، لأنها تفتقر إلى أدنى متطلبات الانتفاضة، وينظر إليها على أنها بوابة لإعادة ترميم المنظومة السياسية الحالية مرة أخرى”.
ويعتبر العنبر أن ما يدفع العديد من القوى السياسية إلى التمسك بإجراء الانتخابات هو إدراكها أنها “تمثل وسيلة لإعادة السيطرة على النظام السياسي وإعادة ترسيخ قواعد اللعبة القائمة منذ 2003″، مضيفاً أن القوى الرئيسة “قد تفقد بعضاً من أوزانها الانتخابية، لكنها تعتمد على تحالفات ما بعد الانتخابات التي تتيح لها الحفاظ على السلطة”.
وعلى الرغم من حديث العنبر عن أن الموعد المقرر في أكتوبر المقبل “ما زال متفقاً عليه بين القوى المختلفة”، فإن نوعاً من “تجاذب المصالح في شأن موعد الانتخابات بدأ التبلور خلال الفترة الماضية”، لافتاً إلى أن هناك “رؤية خارجية برزت خلال الفترة الماضية تود تأجيل الانتخابات، وهو ما يدفع الكاظمي وفريقه إلى محاولة الاستفادة من تلك المواقف”.
إشارات سياسية وانتخابية
وكان الكاظمي قد أقال عدداً من المسؤولين في وزارة الكهرباء على خلفية انهيار المنظومة لساعات عدة، في الثاني من يوليو (تموز) الجاري، في وقت أشارت وكالات محلية نقلاً عن مصادر إلى قبول الكاظمي استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش.
وكان الكاظمي قد أشار بشكل غير مباشر إلى ارتباط ما يجري من تدهور في منظومة الطاقة الكهربائية بـ “أسباب سياسية وعناوين انتخابية”، وقال الكاظمي، السبت 3 يوليو الجاري، إن “حملة شرسة من الجماعات الإرهابية لتفجير أبراج نقل الطاقة، يجب ألا تلتقي مصالح الإرهاب مع مصالح البعض تحت عنوان انتخابي”.
وأضاف خلال الاجتماع الطارئ مع المحافظين وخلية الأزمة للطاقة الكهربائية، “وجهنا بالتحقيق لمعرفة أسباب الانقطاع بالمنظومة الكهربائية قبل يومين للوصول إلى إجابات عن حقيقة ما حصل وهل سببه خلل فني أم عمل إرهابي أم سياسي”.
الجماعات الموالية لإيران و”إدامة الفوضى”
وعلى الرغم من إمكانية أن تعقد تلك الإشكالات مشهد الانتخابات، فإن عديداً من المحللين يرون أن تلك الإشكالات ربما تسهم في زيادة تشعب الأزمات قبل الانتخابات المقبلة إلا أنها لن تعرقل إقامتها.
ويرى الكاتب بسام القزويني، أن “ملف الكهرباء كان يمكن أن يؤدي إلى إشكالات كبيرة في سياق إشعاله احتجاجات واسعة، إلا أن المصارحة التي قدمها الكاظمي إزاء هذا الملف حول الأسباب والحلول، ربما تدفع المواطن إلى إعادة التفكير في هذا الخيار في المرحلة الحالية”.
ويتوقع القزويني أن يتم تأجيل خيار الاحتجاجات إلى ما بعد الانتخابات المقبلة وإعلان نتائجها، مضيفاً أن هذا التأجيل “سيعطي أحقية ونتائج ملموسة لاتخاذ القرار المناسب، سواء بالاحتجاج أو عدمه”.
وبالإضافة إلى حالة الاحتقان الشعبي نتيجة تردي الخدمات يبرز تحدٍ آخر يتعلق بالتصعيد الأميركي – الإيراني الأخير، الذي يراه مراقبون بداية نشوء توتر أوسع ربما يسهم في تعقيد مشهد الانتخابات المقبلة.
وفي السياق ذاته، يشير القزويني إلى أن “التصعيد لن يكون من جانب واحد، فطرفا الصراع (واشنطن وطهران) يسيران في اتجاه التصادم، ومن مصلحة الجماعات المرتبطة بإيران عدم إجراء الانتخابات في موعدها، كونها تفكر في توسعة نفوذها مستغلة الفساد والسلاح الخارج عن القانون وحالة الفوضى التي تعيشها البلاد”.
ويختم بأن “القوى التي لا تمتلك فصائل مسلحة تبحث عن مخرجات لتطبيق القانون وتوفير الحماية لها، وهو الأمر الذي يجعل الانتخابات في أعلى سلم أولوياتها، أما القوى المسلحة فتود الإبقاء على الفوضى لتمكين أدواتها المسلحة بإدارة ملفات خارج تخصصها، كما جرى في الفترة الماضية من تعالي أصوات تطالب بإحالة ملف الكهرباء إلى الفصائل المسلحة”.
“ثورة” محتملة ومحاولة لتدعيم النظام
وعلى الرغم من الحديث الدائم عن إمكانية أن يمثل المجتمع الدولي عامل ضغط على الحكومة والقوى السياسية العراقية، فإن مراقبين يرون أن الفاعلين الدوليين يحاولون التمسك بخيار الانتخابات المبكرة لـ “دعم وضع النظام الحالي” متغاضين عن مطالب العراقيين، سواء على مستوى إقامة انتخابات نزيهة وشفافة أو على مستوى إنهاء “فصل الإفلات من العقاب”.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي، أن “بوادر الصيف الساخن يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حكومة الكاظمي، خصوصاً خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تداعيات ربما تسهم في تعقيد الأوضاع خلال الأشهر المقبلة”.
لكن السؤال الأهم، بحسب الهيتي، يتمثل في “إمكانية أن يؤدي تردي الكهرباء إلى ثورة خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يمكن أن تتضح دلالاته خلال الفترة القليلة المقبلة”.
وفي شأن تأثير التصعيد الأميركي الأخير على المشهد العراقي، يشير الهيتي إلى أنه “يمكن أن تكون له انعكاسات على مشهد الانتخابات المبكرة، إلا أن غايته الأساسية تتمثل في محاولات واشنطن الضغط على طهران في ما يتعلق بملفها النووي”.
ولعل ما يرجح إمكانية تصاعد نسق الاحتجاجات خلال الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة هو “إيمان العراقيين بأن الاحتجاج هو سبيلهم الوحيد للتغيير”، ويلفت الهيتي إلى أن قوى الانتفاضة العراقية تنظر إلى العامل الدولي بوصفه “ساعياً إلى تدعيم النظام الحالي والتغاضي عن متطلبات المحتجين”.
ويضيف أن تنظيم الانتخابات في هذا التوقيت يمثل “عملية إنعاش للنظام السياسي الحالي مدعومة من قوى إقليمية ودولية”، مضيفاً أن “الدعم الدولي والإقليمي للانتخابات يعطي انطباعاً واضحاً عن الغايات التي تحفز الإصرار على تنظيمها من دون توفير شروط العراقيين في شأنها”.
ويختم أن غالبية القوى السياسية ترغب في إجراء الانتخابات لـ “الخروج من المأزق الكبير الذي تمر به منذ الانتفاضة العراقية”، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو ما دفع العديد من التيارات السياسية التقليدية إلى “استقطاب جماعات جديدة تدعي تمثيل الانتفاضة في الانتخابات”.
وعلى الرغم من استمرار التساؤلات في شأن الانتخابات المقبلة في العراق وإمكانية إجرائها، إلا أن المحتجين العراقيين مستمرون في خيار المقاطعة، في وقت تستمر حملاتهم للضغط على الحكومة لتنفيذ شروطهم وعلى رأسها إنهاء فصل الإفلات من العقاب في العراق.
أحمد السهيل
اندبندت عربي