أي مستقبل لأمازون بعد تنحي جيف بيزوس

أي مستقبل لأمازون بعد تنحي جيف بيزوس

واشنطن – أعاد ترك جيف بيزوس مؤسس “أمازون” منصبه كمدير للشركة فتح أسئلة محيرة حول مستقبل عملاق التكنولوجيا في وقت تتزايد فيه المنافسة مع عدة شركات عملاقة أخرى على الريادة وتحقيق الأرباح.

ويدخل بيزوس، الذي يعتبر أغنى رجل في العالم الاثنين مرحلة جديدة في حياته المهنية بعدما بنى انطلاقا من مكتبة متواضعة على الإنترنت واحدة من أقوى الشركات في العالم.

وسيترك رجل الأعمال البالغ من العمر 57 عاما منصب المدير العام لساعده الأيمن أندي غاسي لما قيل إن الهدف من ورائه هو سعي بيزوس لتكريس نفسه لمشاريع أخرى، أولها رحلة إلى الفضاء في 20 يوليو، لكنه سيحتفظ بدور رئيسي في الشركة التي أسسها قبل 27 عاما من خلال استمراره رئيسا تنفيذيا لمجلس إدارتها.

وفي مقابل ما حظي به بيزوس من ثناء لابتكاراته العديدة التي أدت أحياناً إلى زعزعة قطاعات اقتصادية بأكملها، تعرض كذلك لانتقادات بسبب بعض الممارسات التجارية التي تنطوي على سحق المنافسة أو بسبب معاملة موظفيه.

وتمكنت أمازون تحت قيادته من إنجاز رحلة تطور مذهلة من مكتبة مقرها في كراج منزل إلى شركة تكنولوجيا متعددة الجنسيات.

ويقول الصحافي ديفيد بيكر في برنامج وثائقي أذيع على “بي.بي.سي راديو فور”، إن “التحول من متجر يبيع كل شيء إلى شركة تبيع كل شيء يحتاج إلى عقلية تتسم بالتخطيط والمخاطرة والطموح والابتكار وتتجاوز الحدود”. ولا تتقيد طموحات بيزوس بالجاذبية، إذ إن بناء طريق للفضاء يظل واحدا من اهتماماته الحالية.

وسواء أكان في مجال بيع الكتب أم في ما يتعلق بالحوسبة السحابية أو في قطاع التوصيل للمنازل، فإن بيزوس “مسؤول يشجع التغيير”، على ما وصفه داريل ويست من مركز الابتكار التكنولوجي في معهد بروكينغز.

ولاحظ ويست أن بيزوس “أعطى زخما للكثير من الخدمات التي بات الناس يعتبرونها أمرا مسَلّما به، كالتسوق عبر الإنترنت، وطلب شيء ما وتسلّمه في اليوم التالي”.

وتبلغ قيمة أمازون اليوم في البورصة أكثر من 1700 مليار دولار، هي التي أطلقها بيزوس من مرأبه وكان يتولى توضيب الحزم بنفسه.

وحققت الشركة عام 2020 مبيعات بقيمة 386 مليار دولار، بمختلف القطاعات التي تضمها هذه المجموعة المترامية الأطراف، من التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية إلى محال البقالة والذكاء الاصطناعي وإنتاج الأفلام.

وأعلنت شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة تسجيل أرباح ضخمة بلغت إجمالي 38 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2020.

وكانت شركة أمازون في الصدارة من حيث تسجيل الأرباح، بفضل الزيادة الهائلة لعدد المتسوقين عبر الإنترنت، الأمر الذي ضاعف دخلها ثلاث مرات مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.

ورأى المحلل في “أندبوينت تكنولوجيز أسوشيتس” روجر كاي أن لدى بيزوس “غريزة معرفة ما سينجح” في السوق المقبلة.

ونجحت أمازون في التفوق على منافسيها بفضل اختيارها في السنوات الأولى “إعادة استثمار كل الأرباح في النمو”، على ما ذكّر كاي، موضحا أن هذه الاستراتيجية كانت تثير أحيانا قلق المستثمرين ولكنها تبدو الآن “منطقية تماما”.

وأشار بوب أودونيل من “تكناليسيس ريسيرتش” إلى أن جيف بيزوس لم يكن “الأول أو الوحيد” في مجال التجارة عبر الإنترنت “ولكنه فهمها وعمل على تحسينها”.

واعتبر أودونيل أن رئيس أمازون “أدرك خصوصا الحاجة إلى توفير بنى تحتية” في هذا القطاع، سواء أكان من خلال إقامة شبكته الواسعة من المستودعات أم تكوين أسطوله من الشاحنات. وأضاف أن”الكثير من الشركات الأخرى لم تشأ إنفاق الأموال على هذا الجانب وراء الكواليس”.

ومكّنت أرباح أمازون صاحبها من تكوين ثروته. وحتى بعد تنازله عن جزء من أسهمه في “أمازون” لزوجته السابقة بعد طلاقهما، تبلغ ثروة جيف بيزوس في الوقت الراهن نحو 200 مليار دولار وفقا لمجلة “فوربس”.

ويتخلى بيزوس عن الإدارة اليومية لشركته من أجل تخصيص المزيد من الوقت لمشاريع أخرى كشركته “بلو أوريجين” التي ستطلق أول رحلة سياحية فضائية في 20 يوليو سيكون جيف بيزوس من بين ركابها. ويمتلك رجل الأعمال أيضا صحيفة “واشنطن بوست” وأعلن أنه يريد تكريس وقت ومال لمحاربة التغير المناخي.

ويأتي تنحي بيزوس في وقت توجه فيه الجهات الناظمة أو تلك الناشطة في مجال الدفاع عن الموظفين انتقادات كثيرة إلى أمازون التي ارتفع عدد موظفيها في الولايات المتحدة إلى أكثر من 800 ألف بعد نمو أعمالها خلال الجائحة.

وفيما تركّز أمازون على أن الأجر بالساعة لديها يبلغ 15 دولارا حدا أدنى، وأنها توفر امتيازات مختلفة للعاملين لديها، يأخذ عليها منتقدوها هوسها بالفاعلية إلى درجة تجعلها تعامل الموظفين كما لو كانوا آلات.

وفي رسالته السنوية الأخيرة إلى المساهمين في أبريل، وبعد محاولة فاشلة لتأسيس نقابة في مستودع لمجموعته في ألاباما، أقر بيزوس بأن على أمازون أن تقدم أداء أفضل لموظفيها ووعد بأن تصبح “أفضل ربّ عمل على كوكب الأرض”.

أما الجهات الناظمة التي تخشى تزايد سيطرة عدد قليل من شركات التكنولوجيا العملاقة على قطاعات كاملة من الاقتصاد، فتعتزم اتخاذ تدابير لتفكيك أمازون جزئيا. وبالتالي، قد تصبح المجموعة “ضحية نجاحها”، على ما قال كاي.

ولكن حتى لو قسّمت المجموعة إلى كيانات عدة، فإن كل واحدة منها “ستزدهر في سوقها الخاص”، بحسب توقعاته. وأضاف “يمكنني بسهولة أن أتخيل سيناريو يكون فيه مجموع الأجزاء أكبر من الكل الموحد. لن يكون المساهمون حزينين لذلك”.

لكن ما يجمع عليه الخبراء أن أبرز عامل لنجاحات بيزوس وأمازون يكمن في التخطيط بعيد المدى. ويشير المدير التنفيذي السابق لأمازون جون روزمان إلى أن بيزوس “مستعد جدا لأن ينتظر 10 سنوات لكسب المال في مجال جديد” وأن يظل ملتزما بشيء ما إذا تم إحراز تقدم.

ومن المؤكد أن بيزوس مستعد للمهام الشاقة حين يتعلق الأمر بتأسيس بنية تحتية لغزو الفضاء. ففي حديثه خلال إحدى فعاليات شركته الفضائية بلو أوريجين، أصر بيزوس على أن “الأرض محدودة، وفي حال استمر اقتصاد وسكان العالم في التوسع، فإن الفضاء هو السبيل الوحيد”.

العرب