ستشهد أسواق النفط تبعات إلغاء اجتماع “أوبك+” مع وجود خلاف بين الأعضاء، مما يؤشر إلى مزيد من الاضطرابات خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم حل سريع، وتوقع محللون ومتخصصون نفطيون أن يرتفع سعر النفط إلى ما بين 85 إلى 90 دولاراً للبرميل إذا استمر الخلاف.
وألغت “أوبك+” الإثنين اجتماعها الوزاري لاستكمال المفاوضات في شأن خطة الإنتاج وتمديد الاتفاق لنهاية العام المقبل، من دون تحديد موعد محدد للاجتماع في وقت لاحق، ويأتي الإلغاء بعد تأجيل اجتماعين سابقين الخميس والجمعة الماضيين، نتيجة خلافات بسبب ربط زيادة الإنتاج خلال أغسطس (آب) المقبل بتمديد الاتفاق.
وفشل التحالف في اتفاق حول سياسة إنتاج النفط وتمديد الاتفاق الحالي حتى نهاية 2022، في ظل تمسك السعودية وروسيا بتمديد اتفاق التحالف الأوسع نطاقاً إلى نهاية 2022، وتعتبره أولوية قبل زيادة الإنتاج، بينما تُصر الإمارات على تغيير “نقطة الأساس” التي حُسب على أساسها حجم الخفض المطلوب من كل دولة في حال تمديد الاتفاق.
وقبيل الاجتماع شهد التحالف محادثات جانبية غير رسمية، في محاولة للتقريب بين وجهات نظر الأعضاء، والتوصل إلى حل يتواءم مع سياسات “أوبك+”، ولكن مصيرها كان عدم التوفيق، فيما يمنح إلغاء الاجتماع دول التحالف مزيداً من الوقت للاطلاع على موقف الإمارات تفصيلياً، بحسب مصادر مطلعة.
أميركا تدعو لحل توافقي
وعلى صعيد متصل، صرح المتحدث باسم البيت الأبيض أمس الإثنين بأن إدارة بايدن تحث على حل توافقي لمحادثات “أوبك+” المتعثرة بشأن إنتاج النفط” وقال المتحدث في بيان، إن “الولايات المتحدة تراقب عن كثب مفاوضات أوبك+ وتأثيرها في التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كوفيد-19”. وأضاف، “لسنا طرفا في هذه المحادثات، لكن مسؤولي الإدارة منخرطون مع العواصم المعنية للحث على حل توافقي يسمح بالمضي قدماً في زيادات إنتاجية مقترحة”.
موعد الاجتماع المقبل
من جانبه، قال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول محمد باركيندو في بيان، إنه بعد التشاور مع وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، تم إلغاء الاجتماع الوزاري الـ 18 لتحالف “أوبك+”، وسيتم تحديد موعد الاجتماع المقبل لاحقاً.
ويعني إلغاء الاجتماع أنه لا اتفاق على زيادة إنتاج النفط مع استمرار الخطة السابقة التي تقضي بزيادة الإنتاج للشهر الحالي بمقدار 500 ألف برميل يومياً. ومع التراجع الكبير في الطلب على النفط بسبب جائحة كورونا، اتفقت “أوبك+” العام الماضي على خفض الإنتاج قرابة 10 ملايين برميل يومياً من مايو (أيار) 2020، مع وجود خطط لإنهاء القيود بحلول نهاية أبريل (نيسان) 2022، ويصل حجم الخفض حالياً إلى نحو 5.8 مليون برميل يومياً.
بداية النهاية وارتفاع الأسعار
وقالت “آي إن جي إيكونوميكس”، إن عدم توصل “أوبك+” إلى اتفاق قد يقدم بعض الدعم لأسعار النفط لفترة وجيزة، لكنه “قد يكون مؤشراً إلى بداية النهاية بالنسبة للاتفاق الأوسع”.
وعززت أسعار النفط خلال تعاملات الثلاثاء بعد إلغاء اجتماع “أوبك+”، وإخفاق التوصل لاتفاق حول رفع الإنتاج على الرغم من تزايد الطلب. وزادت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم سبتمبر (أيلول) بنسبة 0.6 في المئة، أو 44 سنتاً إلى 77.60 دولار للبرميل عند الساعة 10:00 صباحاً بتوقيت غرينتش، أما خام غرب تكساس الأميركي، فارتفعت أسعار العقود الآجلة تسليم أغسطس بنسبة 1.94 في المئة، أو 1.46 دولار إلى 76.63 دولار للبرميل هو أعلى سعر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
اختلاف وجهات نظر
وقال رئيس استراتيجية السلع لدى “إي إن جي جروب ” وارن باترسون لوكالة “بلومبيرغ”، إن إبقاء “أوبك+” على مستويات الإنتاج من دون تغيير في أغسطس هو عامل صعودي للأسعار من الناحية النظرية، لكنه يرى احتمالات عدم الاتفاق على تغيير مستويات الإنتاج ضئيلة.
من جهته، قال الأكاديمي في كلية هندسة البترول في جامعة الكويت ومحلل أسواق النفط العالمية طلال البذالي، إنه في ظل اختلاف وجهات نظر المنتجين الأعضاء فالكل متمسك برأيه، إذ لا جدوى من استمرار الاتفاق أو تحديد موعد لاجتماع مقبل.
وتوقع البذالي “أن تكون هناك وساطات من داخل تحالف أوبك+ لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل وسط بما يتماشى مع سياسات التحالف، وهذا يستغرق وقتاً قد يصل إلى أسبوع أو شهر، ويعتمد على حسب الاقتناع بوجهات النظر أو التنازلات التي يقدمها كل طرف”، مضيفاً “أن السيناريو المتوقع هو استمرار الخلاف، فإما أن يسمح التحالف للإمارات بزيادة إنتاجها وتغيير الأساس المرجعي الذي تريده أو لا يحدث شيء”.
ورجّح البذال، أن تبقي “أوبك+” محافظة على قرارها الأولى بخفض الإمدادات إلى أبريل 2022، مضيفاً أن هناك طلباً من السعودية وروسيا بتمديد الاتفاق حتى ديسمبر (كانون الأول) 2022، ولكن من المتوقع أن يكون القرار الأول فعالاً، ولن تكون هناك قرارات جديدة ما لم تحل المشكلات الحالية.
وقال الأكاديمي الكويتي “إن التغيير المفاجئ في سياسة الإمارات قد يكون سببه ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات مغرية، فأي زيادة للإنتاج قد تنعكس إيجابياً على الاقتصاد الإماراتي”، مضيفاً “أن زيادة الإنتاج حق للإمارات والسعودية والكويت، فهي تعمل على زيادة أسعار النفط ولذلك عليها الاستفادة من الأسعار المرتفعة”. وأفاد بأن الإمارات ترى أنها تخفض أكثر من اللازم، ولذا فهي تريد أن تجني مزيداً من الأرباح.
وحول تداعيات الخلاف الأخير على مستقبل التحالف، قال البذالي، إن “أوبك+” في حال تحدٍ في هذه المرحلة، بعدما تعزز بسبب أزمة كورونا باتفاق على خفض الإنتاج، إذ ساعدت الجائحة في توحيد الجميع، وقد يكون للأزمة الحالية تبعات وبداية خلق شروخ في التحالف ومنظمة “أوبك” نفسها مستقبلياً، متوقعاً ألا تستمر منظمة “أوبك” بعد عام 2030، بحيث تكون كل دولة تنتج من دون قيود ووفق سياستها الخاصة.
وذكر البذالي أن إلغاء الاجتماع رفع أسعار النفط، لأن الكل يتوقع زيادة في الإنتاج، وكانت الأسعار متماسكة وقابلة للانخفاض مع زيادة بمقدار 400 ألف برميل يومياً، إلا أن الإلغاء من دون قرار أوجد قلقاً في السوق من أن الخلاف بين الأعضاء قد يجر الأسواق لمساوئ أكبر.
وأضاف البذالي، “ستستمر أسعار النفط في الصعود إذ استمر الخلاف خلال الفترة الحالية، لكن إذا تطورت الأمور واتجه بعضهم لزيادة إنتاجه منفرداً مثلما حدث ببداية تفشي جائحة كورونا وانهيار الاتفاق السابق على إثره، فستتجه الأسعار إلى الانخفاض وفق عوامل السوق والعرض والطلب”.
إيجاد مخرج
وقال رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة “أوراسيا” لاستشارات المخاطر أيهم كامل، إن إلغاء اجتماع “أوبك+” يعتبر محاولة لإيجاد مخرج وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء بقيادة السعودية وروسيا من طرف والإمارات من طرف آخر في شأن تصور زيادة الإنتاج خلال العام الحالي، وهو مؤشر جيد لتقريب وجهات النظر.
وأضاف، “بالنسبة إلى طلب الإمارات لزيادة إنتاجها إلى 3.9 مليون برميل فمن الصعب الوصول إليه، وربما من الممكن أن يكون هناك مخرج زيادة إنتاجها بشكل مؤقت، أو محاولة درس المقترح في وقت لاحق، ولكن من الصعب إعادة هيكلة اتفاق “أوبك+” على الأقل في الوقت الحالي، فالأمر بحاجة إلى درس ومناقشات من دول التحالف”. وأشار إلى أن من عادة “أوبك+” التوصل إلى حلول معينة، فالخلاف الحالي يمثل توتراً حقيقياً بسبب تباين في وجهات النظر، ولكن التحالف سيخسر إن لم يحدث التوافق بين الأعضاء، متوقعاً أن تلامس الأسعار مستويات أقل من 80 دولاراً إذا لم يتم الاتفاق خلال هذا الأسبوع.
وقال محلل الأسواق العالمية أحمد حسن كرم، إن قرار إلغاء اجتماع “أبوك+” كان مفاجئاً، إذ كان الجميع يتوقع اتخاذ قرار مصيري يثبت أسعار النفط الحالية أو يرفعه أكثر مما هو عليه الآن، وأضاف أن قرار التأجيل هذا يأتي ربما لمحاولة رأب الصدع بين أعضاء “أوبك” بسبب الآراء المعاكسة في ما بينهم، وربما نرى بعض تحركات من أعضاء التحالف لإقناع طرفي النزاع بالعدول عن آرائه وجذبه للطرف الآخر وعودة العلاقات في ما بينهم.
وتابع كرم، “قرار التأجيل سيأتي بثماره على أسعار النفط بالإيجاب، وربما سنرى بعض الزيادة في الأسعار نتيجة لذلك، ولكن التحركات من بعض أعضاء “أوبك” لمحاولة رد العلاقات بين الجانبين ستكون سريعة حتى تتم السيطرة على أسعار النفط وثبات وتيرتها التصاعدية بالشكل السلس، ولا تفتلت زمام الأمور وتخرج عن السيطرة”.
وأشار إلى أن استمرار الخلافات داخل “أوبك” سيضعفها ويقلل من هيمنتها على التحكم بأسعار النفط، مؤكداً أن تفاقم الخلافات سيجعل من المنظمة صورية لا تستطيع السيطرة على أسعار النفط، وبالتالي خروج بعض الأعضاء منها لعدم وجود الفائدة المرجوة منها. وذكر أن الجميع يترقب التطورات خلال الفترة المقبلة والتي قد تكون حرجة للأسواق النفطية.
سيناريوهات متوقعة
وقال المدير التنفيذي لشركة “فيرجن إنترناشيونال ماركتس” أحمد معطي، إنه بعد إلغاء اجتماع “أوبك+” من دون تحديد موعد للاجتماع الجديد بسبب ارتفاع حدة الخلاف مع الإمارات التي ترفض تمديد الخفوض المتبقية حتى نهاية عام 2022، فإن هناك سيناريوهات متوقعة، وهي تدخّل وسيط وليكن الولايات المتحدة لحل الخلاف بين الدول، ولكن من المرجح أن تكون هذه المناقشات صعبة وطويلة الأمد. وأشار إلى أن السيناريو الآخر يتمثل في تحديد موعد جديد والوصول إلى حل تفاوضي يرضي جميع الأطراف.
وأضاف معطي أن الأسواق سعّرت المخاوف بعد إلغاء الاجتماع، وارتفع النفط إلى 77 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس إلى 76.40 دولار للبرميل، متوقعاً مزيداً من الارتفاعات لمستويات بين 80 و90 دولاراً للبرميل، وفي حال عدم الإعلان عن موعد قريب لـ “أوبك+” والإعلان عن استمرار التفاوض، فسنرى وقتها النفط عند مستويات 100 دولار للبرميل.
ورجّح معطي أن يحدث تدخل من أغلب دول العالم، لأن زيادة الأسعار تعني ارتفاع الضغوط التضخمية حول العالم، وبالتالي تهديد التعافي الاقتصادي بسبب كورونا، متوقعاً الوصول إلى حل تفاوضي من شأنه أن يجعل سعر برميل النفط ما بين 60 و70 دولاراً.
حرب أسعار
بدوره، أشار المتخصص في شؤون النفط محمد مهدي عبدالنبي إلى أن استمرار الخلاف الحالي يُشعل حرب الأسعار، وعندها سيخسر الجميع. وقال إنه مع عودة الاستهلاك النفطي العالمي لمستويات ما قبل الجائحة بشكل أسرع مما كان متوقعاً، وسط عودة فتح الاقتصادات بشكل واسع، يعني أن الأسواق ستكون متعطشة لمزيد من الإمدادات، وإذا ما توصل كبار المنتجين إلى اتفاق في شأن الإنتاج، فقد تبقى الأسعار مستقرة حول المستويات الحالية عند 75 دولاراً للبرميل لكلا الخامين، خصوصاً أن الخلاف حول تمديد الاتفاق وليس حول تقليص قيود الإنتاج، وربما نشهد عودة الأسعار لمستويات 80 دولاراً للبرميل قريباً.
زيادة الطلب العالمي
وأوضح كبير الاقتصاديين لدى شركة “أوربكس” عاصم منصور، أن موقف الإمارات حيال زيادة إنتاج “أوبك+” بـ 400 ألف برميل بداية من شهر أغسطس يستند إلى زيادة الطلب العالمي المتوقع على النفط خلال العامين الحالي والمقبل، إضافة إلى أن دول المنظمة حريصة على عدم خسارة حصتها في أسواق النفط العالمية لمصلحة النفط الصخري الأميركي. ويرى أن زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل خلال الشهر المقبل كفيلة بالحفاظ على أسعار النفط أعلى 70 دولاراً للبرميل، لافتاً إلى أن فشل التوصل إلى اتفاق بسبب معارضة بعض الأعضاء قد يؤدي لارتفاعات مؤقتة.
80 دولارا السعر المتوقع
بدوره قال بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” إن انهيار محادثات سياسة إنتاج النفط في “أوبك+” أدى إلى حالة من عدم اليقين حيال مسار إنتاج المجموعة، في حين أبقى البنك على توقعاته لسعر خام برنت عند 80 دولاراً للبرميل هذا الصيف، وزيادة تدريجية في الإنتاج أوائل العام المقبل. وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات مدعومة بحالة الجمود. وقال بنك “غولدمان ساكس” في مذكرة “يبدو أن من الممكن التغلب على الخلافات بين الجانبين، إذ إنهما اتفقا على زيادة الإنتاج حتى نهاية العام، مع استمرار حالة عدم اليقين العالية لأرصدة النفط لعام 2022، وهو ما يجعل التعهد بأي التزام طويل الأجل غير ضروري اليوم”. واتفقت “أوبك+” على تخفيضات قياسية للإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يومياً العام الماضي مع انتشار وباء كورونا. وأبقى البنك على توقعاته بزيادة تدريجية في الإنتاج في النصف الثاني من هذا العام، تليها زيادات مماثلة في الإنتاج في الربع الأول من عام 2022 لإنهاء الانخفاض في المخزونات .
وقال البنك “في حين أن تهديد نشوب حرب أسعار جديدة بين دول “أوبك+” لم يعد ضئيلاً، إلا أنه سيحد من تأثيرها السلبي على الأسعار بداية من 2.5 مليون برميل يومياً في الأسواق العالمية، وحاجتها إلى إنتاج إضافي خمسة ملايين برميل بحلول نهاية العام لتفادي انخفاض حاد للمخزونات”.
غالب درويش
اندبندت عربي