مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انسحاب بلاده من مواجهة الجهاديين في منطقة الساحل، طفت إلى السطح تساؤلات بشأن البديل لملء الفراغ في ظل إعلان باريس خطة غامضة لإنشاء تحالف دولي في المنطقة لم تلق ترحيبا أميركيا ولا أوروبيا.
باريس – تجتمع فرنسا والدول الخمس في منطقة الساحل الجمعة للمرة الأولى منذ إعلان باريس تقليص وجودها العسكري، للتحضير لفك الارتباط الفرنسي الكامل في المنطقة دون وجود بدائل واضحة، فيما يتفاقم الخطر الجهادي في المنطقة المضطربة.
وتعول فرنسا التي قضت 8 سنوات في المنطقة دون تحقيق نجاحات كبيرة في مواجهة الجهاديين على الجيوش المحلية لملء الفراغ بعد رحيل قواتها (عملية برخان)، بالتزامن مع مساعيها لإنشاء تحالف دولي لمواجهة الجهاديين لا يجد حماسة من قبل حلفائها الأوروبيين وحتى الأميركيين.
ويجمع المحللون على أن الجيوش المحلية المتعثرة لن تقدر دون دعم دولي واسع على التصدي لهجمات الجهاديين الدامية وسيطرتهم على مناطق واسعة من أنحاء المنطقة الشاسعة، ما يطرح تساؤلات بشأن البدائل بعد الرحيل الفرنسي.
ويشير هؤلاء إلى وجود بديلين لتعويض الانسحاب الفرنسي وضمان صمود الجيوش المحلية، وهما كل من الولايات المتحدة غير المكترثة بالانخراط المباشر في المعارك على الأرض وروسيا الجاهزة لملء الفراغ وتعزيز نفوذها في المنطقة.
فرنسوا لوكوانتر: الإرهاب يواصل توسعه وتجذره محليا وفق تحرك يثير قلقنا
ورغم بعض النجاحات التكتيكية المسجلة لا يزال الوضع قاتما في دول الساحل الأفريقي، فبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء أزمة أمنية في شمال مالي امتدت إلى الجوار، لا يمر يوم تقريبا في دول الساحل الأفريقي من دون وقوع هجوم ضد ما تبقى من القوات المحلية أو انفجار لغم يدوي الصنع أو ممارسات تستهدف المدنيين.
ولا تبدو الولايات المتحدة متحمسة كثيرا لقيادة عملية عسكرية في الساحل، خصوصا وأن استراتيجيتها الجديدة في مكافحة الإرهاب تسعى لتقليص حجم تواجدها في المناطق الساخنة والاكتفاء بتوفير التدريب والدعم اللوجيستي للجيوش المحلية. أما الدول الأوروبية فلا يزال تدخلها العسكري في الساحل محدودا.
ولا يريد الرئيس الفرنسي ماكرون الانسحاب فورا من الساحل كما أنه لا يريد في الوقت نفسه الغرق في الرمال المتحركة بالمنطقة.
ويسعى ماكرون لحل هذه المعادلة الصعبة، إذ أنه لا يريد أن يترك أحد أهم مراكز نفوذ بلاده في أفريقيا لقمة سائغة للروس، خاصة بعدما خسر جمهورية أفريقيا الوسطى، التي أصبحت شركة فاغنر الروسية تصول وتجول فيها عقب إنهاء فرنسا عملية “سانغاريس” العسكرية في 2016.
والخيار المطروح أمام باريس والذي مهدت له منذ أشهر، يتمثل في تدويل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال المزيد من إشراك حلفائها الأوروبيين أكثر في هذا الصراع، ودفع الولايات المتحدة إلى تحمل عبء أكبر في المنطقة، مع إبقاء باريس لقواعد عسكرية في كل من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ولا تبدي الدول الأوروبية ترحيبا ملحوظا بالخطوة التي سبق وأن دعت إليها باريس، لاسيما في ظل رغبة العديد منها في عدم الانخراط في أي تحالفات جديدة في تلك المنطقة على نحو يمكن أن يزيد من الأعباء العسكرية التي تتعرض لها ويفرض ضغوطا داخلية قوية على بعض الحكومات، مع ظهور اتجاهات داخلية أوروبية تدعو إلى عدم الانخراط في مثل هذه الجهود.
وتحشد فرنسا نحو 5100 عنصر من قوات برخان في المنطقة، بينما تشكل الولايات المتحدة القوة الأجنبية الثانية في المنطقة بنحو 1100 عنصر، لكن دورها يقتصر على التدريب وتقديم الدعم اللوجيستي والاستخباري.
الرئيس الفرنسي لا يريد الانسحاب فورا من الساحل كما أنه لا يريد في الوقت نفسه الغرق في الرمال المتحركة بالمنطقة
ويرى باحثون أن الانسحاب الفرنسي من المنطقة سيدفع الولايات المتحدة إلى مراجعة استراتيجياتها في المنطقة عبر حشد الموارد اللوجستية للمشاركة في التحالف الدولي المنشود، ذلك أن الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الفرنسي تبدو روسيا العدوة اللدودة لواشنطن مستعدة لملئه. ووفق هؤلاء، فإن انسحاب فرنسا قد يكون فرصة للقوى الطامحة لترسيخ نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة الغنية بالموارد، كاحتياطات ضخمة من الذهب واليورانيوم والمعادن الأخرى، وروسيا جاهزة لملء الفراغ، بدليل أن عدة مظاهرات في مالي أصبحت ترفع شعارات مؤيدة لموسكو مقابل حرق الأعلام الفرنسية.
ويقول تشارلز جوردون المدير الإداري لشركة ميناس الاستشارية في شؤون المخاطر “أعتقد أن الولايات المتحدة تعتبر أن الساحل هو مجال فرنسا وبالتأكيد مشكلة أوروبا، وبالتالي فهي تريد أن تفعل أقل قدر ممكن هناك”.
ويضيف جوردون “سواء أراد الأميركيون الانسحاب أو أرادوا خفض قواتهم، كما يحدث الآن، تزداد الحرب سوءا ويحتاج الفرنسيون إلى الأميركيين أكثر مما احتاجوا إليهم في أوقات أخرى”.
ولا تزال الجماعات الجهادية تترك بصماتها على مناطق شاسعة تخلت عنها الدول. وكل أسبوع تلحق خسائر فادحة في صفوف القوات المسلحة والمدنيين على حد السواء، رغم إعلان برخان مسؤوليتها عن مقتل أو اعتقال قياديين مرتبطين بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة.
وفي يونيو أقر الجنرال فرنسوا لوكوانتر رئيس أركان الجيوش الفرنسية بأن “الإرهاب الإسلامي يواصل توسعه وتجذره محليا وانتشاره عالميا وفقا لتحرك يثير قلقنا”.
العرب