المؤشرات الاقتصادية لدول الإقليم
تتكون دول إفريقيا جنوب الصحراء والمسماة بإقليم الساحل الإفريقي من تسع دول، تمتد من الحدود السودانية شرقًا حتى ضفاف الأطلسي غربًا، ومعظمها دول حبيسة باستثناء السنغال وموريتانيا؛ المطلتين على المحيط الأطلسي، وتقارب مساحة الإقليم العشرة ملايين كيلومتر مربع؛ 64% منها صحراء جرداء، و30% منها أراضٍ صالحة للزراعة، ويزيد عدد السكان عن المائة مليون نسمة بقليل، وتعد دول الإقليم الأفقر عالميًّا؛ نظرًا إلى تدني أداء اقتصاديات دول الإقليم، وارتفاع معدل الخصوبة؛ حيث تمتاز دول الإقليم بنسب ولادات عالية تتراوح بين 30-48 بالألف، مع انخفاض معدل الوفيات إلى حدود 13-22 بالألف, ومعدل النمو الطبيعي في حدود 2%، ويعزى ذلك إلى انتشار الأمية والجهل، وارتفاع نسبة الخصوبة التي تقدر بـــــ7 أطفال للمرأة في سن الإنجاب، وضعف المؤشرات الاقتصادية بدول المنطقة، وتتقاطع دول الإقليم في جملة حيثيات؛ أبرزها:
-
تتراوح نسبة الأمية في دول الإقليم من 42% من مجموع السكان في موريتانيا إلى 83% في النيجر؛ نسب الأمية في دول تجمع الساحل الخماسي من أعلى المعدلات عالميًّا.(1)
-
تقع أربع دول -هي النيجر وتشاد ومالي وموريتانيا- في قائمة أفقر 15 دولة في العالم؛ بل إن النيجر تعتبر أفقر دولة في العالم؛ حيث يقع ثلاثة أرباع سكان دول المجوعة في خانة الفقراء، وتتراوح نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر بين 43 إلى 54%.
-
تُعَدُّ دول المجموعة محطة ترانزيت دولية لتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية المتجهة إلى الدول الأوروبية.
-
عرف معظم دول الإقليم حروبًا أهلية ذات طابع عرقي وديني؛ ما زالت تداعياتها مستمرة في الإقليم.
-
شهد معظم دول الإقليم انقلابات عسكرية على حكومات مدنية منتخبة غير مرة.
-
في العقد الأخير استوطنت تنظيمات جهادية متطرفة في الدول الخمس المكونة للتجمع.
-
الانفجار السكاني بدول الإقليم جعل التركيبة العمرية لبلدان الإقليم تتميز بفتوة المجتمع؛ إذ 50% من المجتمع تقل أعمارهم عن 20 سنة؛ مما يترتب عليه مضاعفة النفقات الاجتماعية (صحة، وغذاء، وتعليم، وسكن)؛ وهو ما يمثِّل عبئًا اقتصاديًّا على النفقات العامة؛ التي تعاني عجزًا مزمنًا؛ الشيء الذي جعل نسبة البطالة ترتفع، ويتزايد النزوح من الريف إلى المدن والهجرة إلى الخارج بحثًا عن ظروف عيش أفضل، كما أن النسبة العالية من النازحين لها تأثير سلبي على المدن التي تظهر فيها مظاهر الاكتظاظ؛ خاصة في الأحياء الفقيرة، التي تضاعف عددها حول المدن الكبرى والعواصم (مدن الصفيح – أحزمة البؤس)؛ هذا الأمر جعل دول الإقليم مصدرًا رئيسًا للهجرة غير الشرعية صوب القارة العجوز.
• ضعف الموارد المالية لمعظم دول الإقليم جعلها عاجزة عن تمويل معظم المشاريع التنموية بدول الإقليم.
• هشاشة البنية التحتية، وتدني الخدمات، واستشراء الفساد على كافة المستويات، والقلاقل السياسية، وغياب الأمن جراء الحروب الأهلية المتعاقبة في بعض دول الإقليم، وتوطن الإرهاب العابر للقارات؛ جعل معظم دول الإقليم طاردة للاستثمارات الأجنبية.
• استعمال السكان بالإقليم للخشب بنسبة 80% كطاقة، والرعي الجائر أدى إلى انجراف التربة، وتقلص مساحة الغابات؛ مما فاقم من مشكلة التصحر، التي تعتبر الأعلى عالميًّا.
• اعتماد الكثير من دول الإقليم على تحويلات المهاجرين المغتربين من أبنائها؛ حيث في دولة مالي 52% من الناتج الخام تأتي من تحويلات اليد العاملة المهاجرة!
• يعاني معظم دول الإقليم من حدة المديونية، وارتفاع خدمة الدين؛ الذي تجاوز أحيانًا أصل الدين، وبالتالي تظل هذه الدول في حاجة إلى المساعدات والهبات من المنظمات الأممية والدولية؛ وهو الشيء الذي يرهن القرار الوطني ويتدخل في صياغات التحالفات، ويُعيد هيكلة الاقتصاديات الوطنية لهذه الدول وفق استراتيجيات وخطط الدائنين.
• الجفاف الذي يضرب من حين إلى آخر دول الإقليم؛ مفضيًا إلى نفوق ملايين الماشية، وانجراف التربة، وتدنِّي الإنتاج الزراعي؛ مما يفاقم معاناة سكان دول الإقليم، ويفضي إلى انتشار المجاعات والأوبئة والأمراض؛ أبرزها: الملاريا، والسل الرئوي.
الصراعات المسلحة داخل دول الإقليم
عرف معظم دول الإقليم صراعات مسلحة، أفضت في الغالب إلى حروب أهلية ذات طابع عرقي، أطولها أمدًا حرب الشمال والجنوب في تشاد؛ التي زادت على ربع قرن، وما زالت تداعياتها قائمة تنذر بانفجار قنابل موقوتة عند تضافر عوامل الاحتقان والانفلات الأمني التي تكثر في دول الإقليم, أما أشرس تلك الحروب فهي الحرب في شمال مالي؛ حيث استغلت في أواسط عام 2012 تنظيمات متطرفة (جماعة أنصار الدين الإسلامية، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) الصراع المسلح الدائر منذ 50 سنة بين الحكومة المركزية بباماكو وبين قبائل الطوارق والقبائل العربية الأزوادية (الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد) في شمال مالي؛ الذي يعاني من التهميش، ويفتقر إلى أي شكل من أشكال التنمية الحقيقية, لتبسط هذه التنظيمات سيطرتها في مدة وجيزة على شمال مالي –ثلثي مساحة الدولة- والوسط، وتتجه جنوبًا؛ مما جعل الحكومة المالية تستغيث بالمجتمع الدولي، ولاسيما فرنسا؛ التي قادت الحرب في شمال مالي؛ فيما بات يعرف بعملية سرفال؛ التي أعادت سيطرة الجيش والدولة المالية على كامل أراضيها، ودخولها في اتفاق طويل النفس مع المتمردين الطوارق والأزواديين في الشمال رعته الجزائر وبوركينا فاسو الجارتان.
ساعد انهيار نظام معمر القذافي؛ الذي كان يحتضن الحركات الانفصالية المالية على أراضيه في عودة الأخيرة مدججة بالسلاح؛ لتفرض سياسة الأمر الواقع على الحكومة المركزية بباماكو.
وعلى الرغم من النجاح النسبي لعملية سرفال؛ فإنها أفضت في المجمل إلى نتائج عكسية؛ حيث أدَّت إلى المزيد من التنسيق بين التنظيمات الجهادية، ولاسيما بين القاعدة وداعش، أدَّت إلى سيطرة شبه مطلقة على طرق ومعابر التهريب في الإقليم, كما أن المنطقة باتت تعج بترسانة أسلحة خارج سيطرة جيوش المنطقة.
إضافة إلى الصراع الدائر في مالي، الذي لم يحسم حتى اللحظة، على الرغم من وجود قوات فرنسية وأميركية على الأرض؛ فإن معظم دول الإقليم تتلمظ فوق صفيح ساخن جراء قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة لتجر البلد إلى أتون حرب أهلية وعرقية، تفاقم من معاناة سكان الإقليم؛ الذي تحاصره الأزمات من كل حدب وصوب:
-
فتشاد؛ التي يتوقع أن يُقْدِم رئيسها على تعديل للمرة الثانية في دستور البلاد؛ ليتمكن من الترشح إلى ولاية رئاسية خامسة, يرى المراقبون أن خطوة كهذه كفيلة باندلاع حرب أهلية تطيح بالسلام الأهلي؛ الذي دام لأقل من عقدين من الزمن في بلد تعايش مع الحروب والانقلابات منذ ستة عقود؛ بل ذهب بعض المراقبين إلى أبعد من ذلك بقولهم: إن أحداث تشاد المتوقعة في 2016 قد تكون البداية الفعلية لربيع إفريقي يطيح بالزعامات الإفريقية المعمرة.
-
شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى منذ سنوات قليلة حربًا أهلية بدأت عرقية لتتحول لاحقًا إلى حرب دينية بين المسلمين والمسيحيين.
-
النيجر -البلد الأفقر في العالم- شهد تركيزًا في هجمات “بوكو حرام”؛ التي تعتبره الحلقة الأضعف لترهب دول الجوار.
-
الكامرون هي الأخرى تشهد قلاقل من نوع مغاير؛ لكنها لا تقل خطورة عن دول الجوار.
-
ثورة الشارع البوركينابي التي رمت ببليز كومباري خارج السلطة في سابقة إفريقية ما زالت تعاني من عدم استقرار؛ جرَّاء الاحتراب على السلطة والنفوذ بين المؤسسة العسكرية وجنرالاتها وأباطرة المال، وبين النخبة الوطنية المدنية؛ التي لا ترى للعسكر دورًا في العملية السياسية.
-
أما المارد الإفريقي المريض والشقيقة الكبرى -نيجيريا- التي تعرف أعلى معدلات فساد في العالم؛ فهي تحاول أن تتلمس طريق الخلاص بعد انتخاب المعارض محمد بخاري رئيسًا للدولة مطلع إبريل/نيسان 2015، الذي وعد بإصلاحات جذرية تقتلع الفساد وتؤسس للدولة المدنية دولة المساواة والرفاه, إلا أن حجم الفساد وتغول القطط السمان وسيطرتها على مفاصل الدولة العميقة، تجعل من مهمة بخاري عسيرة إن لم نقل: شبه مستحيلة!
-
موريتانيا الغارقة في مشاكلها الداخلية تعاني هي الأخرى من إشكاليات بنيوية، يستعصي فهمها على غير الموريتاني لطرافتها؛ (فعاصمة البلاد التي تعتبر العاصمة الوحيدة في العالم بلا شبكة صرف صحي أو مجارٍ! التي حتمًا تقل تكلفتها عن المطار الدولي المزمع إقامته، أو غيرها من مشاريع البنية التحتية!), تعيش أزمات وجودية قد تعصف في أية لحظة بالسلام الهش الظاهري؛ الذي تتمتع به البلاد؛ فالحوار مع المعارضة يراوح مكانه منذ سنوات لأسباب يجهلها معظم المراقبين! والوحدة الوطنية تتآكل بسبب ارتفاع سقف مطالب الشرائح المهمشة من جهة، وتعنت السلطات من جهة أخرى.
-
أما السنغال صاحب التجربة الديمقراطية العريقة إفريقيًّا، الذي يعتبر الأقل عرضة للإرهاب العابر للقارات؛ بسبب وعي الناس من جهة، والمعالجات غير الأمنية من قبل السلطات, هو الآخر لها مشاكله العويصة والمزمنة، التي كادت قضية توريث واد الابن للسلطة أن تؤْذِن بحرب أهلية؛ لولا أن الحكمة السنغالية تغلبت في النهاية، وفي توقيت بالغ الأهمية والدلالة.
الانقلابات العسكرية ومشكلة الهرم السياسي
باستثناء السنغال الذي عرف استقرارًا نسبيًّا لعقود طويلة؛ فإن بقية دول الإقليم شهدت انقلابات عسكرية دموية، أفضى معظمها إلى حروب أهلية، أتت على الأخضر واليابس، وفاقمت من معاناة سكان الإقليم؛ مما يعني ضمنًا أن نخب المنطقة ليست مقتنعة بالتبادل السلمي للسلطة، ولا تراها وسيلة فعَّالة للتغيير، ومن هنا تولَّد هذا المفهوم الغريب؛ الذي يكاد يكون قاسمًا مشتركًا بين نخب دول الإقليم مفاده: “إن تغيير الهرم كفيل بحل الإشكاليات العالقة والمستعصية!”.
جذور نشأة معبر الموت
المرحلة الممتدة من أواسط السبعينات إلى أواخر تسعينات القرن المنصرم
جذور نشأة معبر التهريب الدولي في منطقة الساحل الإفريقي بدأت مع استغلال القذافي لطرق القوافل التقليدية -التي يسيطر عليها الطوارق والقبائل العربية الأزوادية من جنوب ليبيا وحتى شرق موريتانيا وشمال مالي- لإيصال السلاح والمؤونة والعتاد إلى مقاتلي جبهة البوليساريو؛ وذلك بعد الغضب العارم الذي انتاب الرئيس الجزائري الراحل بومدين، عندما علم بأن تلك القوافل كانت تمر من الجنوب الجزائري دون علم الحكومة الجزائرية؛ الذي كاد يتحول إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، وخلال عقدي الثمانينات والتسعينات تحول هذا المعبر إلى تهريب السلع الغذائية والبنزين من الجزائر وليبيا؛ هذه السلع المدعومة من الدولتين، وغدت مدن غات والقطرون (في ليبيا)، وجانت وتامنراست (في الجزائر)، وأغاديس (في النيجر)، وتازواتن وكيدال وغاو وتمبكتو ومنكي (في مالي) محطات مزدهرة لتجارة السلع والمواد المهربة من الجارتين الجزائر وليبيا؛ إلا أن أحداث العشرية السوداء بالجزائر جعلت الجيش الجزائري يُحكِم قبضته على ممرات التهريب ومعابره الحدودية؛ لتصاب تلك التجارة بركود، ويتقلص نشاطها بشكل لافت لنصف عقد من الزمن؛ لكن سرعان ما دبت الروح في تلك المعابر، وازداد النشاط فيها بشكل كثيف منذ عام 2006.
المرحلة الممتدة من 2006 حتى 2011
عُرفت هذه المرحلة بالحقبة الذهبية لتجارة المخدرات؛ حيث عبرت خلال هذه المعابر 93% من المخدرات القادمة من أميركا اللاتينية والمتجهة إلى أوروبا؛ وذلك بعدما غيَّر المهربون في بوليفيا وكولومبيا وبيرو وجهتهم من أميركا الشمالية إلى أوروبا الغربية؛ بعد الإجراءات الأمنية الصارمة التي اتبعتها الولايات المتحدة، التي حدَّت كثيرًا من حجم المخدرات وتدفقها إلى أميركا الشمالية، ولاسيما صنف الكوكايين، وكانت دول غينيا بيساو وموريتانيا ومالي والسنغال المحطات الرئيسة الأولى لتهريب هذه المخدرات إلى أوروبا عبر موانئ المغرب والجزائر وليبيا.
كما شهدت هذه الفترة تغلغل القاعدة وتحديدًا “قادة الأفغان العرب” إثر الضربات الموجهة، التي تلقاها التنظيم في أفغانستان بُعيد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001؛ حيث يشير العديد من التقارير الاستخباراتية إلى أن المنطقة الممتدة على طول خمسة آلاف كيلومتر من شرق وشمال النيجر مرورًا بشرق وشمال مالي، وانتهاءً بشرق وجنوب موريتانيا, أضحت تحت السيطرة المطلقة للتنظيمات الجهادية، ولاسيما شمال وشرق كل من النيجر ومالي؛ اللتين تتراخى السلطة المركزية فيهما، وتقعان بعيدًا عن العواصم؛ بل إن أجزاء كبيرة من هذه الصحراء فعليًّا تقع خارج سلطة الدولة.
المرحلة الممتدة من 2011 حتى الآن
عُرفت هذه المرحلة بالهجرة غير الشرعية المتجهة صوب القارة العجوز عبر ليبيا؛ إثر سقوط نظام القذافي، وسيطرة الميليشيات المسلحة على مقاليد الأمور في معظم المدن الليبية؛ حيث شهدت منطقة القرن الإفريقي ومنطقة الساحل الإفريقي معدلات قياسية لتدفق المهاجرين غير الشرعيين، سيطرت على معظمها التنظيمات الجهادية المتطرفة في الساحل الإفريقي أو داخل ليبيا، كما تزايدت كميات المخدرات المهربة عبر السواحل الليبية إلى أوروبا، ولم تعد تتوقف على الكوكايين القادم من أميركا اللاتينية؛ بل أضيف إليه الهيروين القادم من أفغانستان عبر طريق إيران واليمن والصومال وتنزانيا وكينيا، يتجه جزء منه إلى الأسواق الإفريقية في جنوب إفريقيا ونيجيريا، والجزء الثاني يُهرَّب عبر السودان وتشاد ليصل إلى ليبيا؛ ليتم لاحقًا تهريبه إلى أوروبا.
تُقدَّر عائدات تجارة المخدرات التي تتحكم فيها التنظيمات الجهادية بعشرات المليارات:
-
تتولى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبر معابر التهريب وممراته في الساحل الإفريقي، وتنظيم أنصار الشريعة في جنوب ووسط وغرب ليبيا، وهذا هو الممر الذي يسلكه الكوكايين القادم من أميركا اللاتينية.
-
في حين أن الهيروين القادم من أفغانستان عبر إيران واليمن والصومال توصله عصابات تهريب مسلحة من دار السلام (تنزانيا) أو من مومباسا (كينيا) إلى دارفور في الغرب السوداني؛ لتتولى ميليشيات ليبية من قبيلتي التبو والزوية إيصاله إلى مدن الكفرة وتازربو والواحات (مدن: جالو، وأوجلة، وأجخرة) لتتسلمه داعش الليبية، التي تهرِّبه إلى أوروبا عبر مواني الزويتينة وأجدابيا ودرنة.
وتتراوح عائدات التجارة بالبشر (الهجرة غير الشرعية) بين مليار إلى ملياري دولار أميركي، تحصل منها التنظيمات الجهادية المتطرفة في منطقة الساحل وليبيا على حصة تتراوح بين 500 إلى 700 مليون دولار أميركي.
واللافت في تجارة المخدرات القادمة من أميركا اللاتينية إلى منطقة الساحل الإفريقي هو تورط “حزب الله اللبناني” في هذه التجارة.(2)
ثلاثي الموت: المخدرات، الإرهاب، الهجرة غير الشرعية
لا شك في أن تجارة المخدرات كانت وراء معظم القلاقل والاضطرابات الأمنية التي عرفها كل من غينيا بيساو ومالي، وساعد الفقر والفساد المستشري في تنامي هذه الظاهرة، فوجود القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في المنطقة وفروعها؛ كحركة التوحيد، والجهاد في غرب إفريقيا وحركة بوكو حرام، أو المجموعات القريبة منها كجماعة أنصار الدين الإسلامية، فضلًا عن قرابة أحد عشر تنظيمًا مسلحًا في الجنوب الليبي تتخذ من مدن: أم الأرانب، وتمسة، وأوباري، قواعد لوجيستية لشراء السلاح المنتشر في ليبيا (21 مليون قطعة سلاح) وللتدريب والدعم، والتنسيق بين مختلف هذه التنظيمات المتطرفة في أعلى درجاته مؤخرًا, وتقول التقارير الاستخباراتية الغربية: إن أعداد المنضوين من الشباب تحت هذه التنظيمات يتراوح بين 7 آلاف إلى 43 ألف مقاتل، وأن قرابة نصفهم يمتلكون قدرات قتالية عالية،(3) كما تنشط شبكات التجنيد على امتداد مدن دول الإقليم؛ حيث يتواجد وسطاء التجنيد وينشطون ويعملون في قرابة أربعة آلاف مدرسة ومعهد قرآني ومؤسسات دينية ذات طابع خيري ودعوي، وتشكل مجالًا خصبًا لوسطاء التجنيد لصالح التنظيمات الجهادية، وتتركز هذه المدارس والمعاهد أساسًا في مدن: نواكشوط، ونواذيبو، وروصو، ومنطقة الحوضين في موريتانيا، ومدن: كيدال، ومنكا، وتمبكتو، وتاوديني، وغاو، وليري، وموبتي في مالي، وفي نيامي، وزندر، وأغاديز، وأرليت في النيجر، وفي نجامينا، وأبشا، وفايا في التشاد، وفي واغادوجو، وبوبو، ديولاسو، ودوري، وهفويا، وتوغان، ونونا في بوركينافاسو. وتتركز العناصر الأجنبية من أتباع المجموعات الجهادية في مدن الجنوب الليبي، وشمال تشاد، والنيجر، وشرق مالي، أمَّا وسطاء التجنيد فعادة ما يكونون من أبناء البلد؛ بحيث يتكلمون اللهجات المحلية، ويجيدون التواصل مع الأهالي بلكنات محلية، وأحيانًا يكونون من أعيان البلد، وعلى صلة بالمجتمعات الأهلية الإفريقية؛ كل ذلك لتسهيل الانتشار من جهة، ومن جهة أخرى لعدم لفت الانتباه وتجنبًا للملاحقة. وتنشط القاعدة في تجارة التهريب والهجرة غير الشرعية، وقد سُجِّلَ تعاونٌ وتنسيق وثيق بينها وبين المافيا الكولومبية والبرازيلية في تجارة المخدرات؛ مما جعل من مالي والنيجر وتشاد وليبيا أهم معابر المخدرات والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ مما مكَّن القاعدة من السيطرة على معابر التهريب الرئيسية في منطقة الساحل، ووفر لها مصدرًا للدخل، وجاء انهيار الدولة ومؤسساتها في ليبيا بُعيْد سقوط نظام القذافي فرصةً ذهبية لإيجاد معبر آمن إلى أوروبا، وتنشط قوارب الهجرة السرية وتهريب المخدرات عبر مدن زوارة، وصبراته، والزاوية، والخمس، وزليطن، ومسلاتة، وسرت، والنوفلية، وبن جواد على الساحل الليبي. وقد ساعد القاعدةَ وفروعَها على السيطرة والتحكم بتجارة التهريب والمعابر الحدودية السرية استعانتُها وتجنيدُها لخبراء الصحراء من الطوارق وقبائل البرابيش, كما مكَّنها انتشار الفقر والأمية من شراء الذمم والتغلغل أفقيًّا في المجتمعات المحلية عبر أسلوب تقديم المساعدة للأسر والعائلات المحتاجة، وإقامة مشاريع ريعية غير ربحية، وتقديم قروض للمعوزين من غير فوائد، هذه الأمور ستصعِّب مهمة اجتثاث واقتلاع القاعدة وفروعها، بعد أن أضحت جزءًا من مكونات النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية لهذه البلدان، بعد أن غابت الدولة وخدماتها عن تلك المجتمعات الأهلية!
هذا فضلًا عن أن إقليم الساحل الإفريقي شهد أنشطة ضارة أخرى لا تقل سوءًا عن ثلاثي الموت؛ مثل: نقل وطمر النفايات السامة، والأدوية الفاسدة، والمنتجات منتهية الصلاحية، وتجارة الرقيق الأبيض.(4)
سياسات القوى الإقليمية في المنطقة (ليبيا، الجزائر، نيجيريا)
ليبيا
كان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي بارعًا في توظيف تناقضات دول الإقليم؛ لضمان سيطرته على الإقليم, حيث ارتبط بعلاقات وثيقة مع معظم رؤساء دول الإقليم؛ في الوقت الذي كان لا يتورع عن احتضان المعارضة المسلحة والفصائل المتمردة في دول الإقليم! وتقديم الدعم المادي لها، وتسليحها وتدريبها على الأراضي الليبية، وقد استخدمها في بعض الأحيان للإطاحة بأنظمة حاولت الوقوف في وجه نفوذه المتنامي في القارة السمراء، أو عند المجاهرة بإعلان العداء له.
الجزائر
حاولت الجزائر أن تكون أكثر احترافًا في تعاملها مع دول الإقليم؛ لأنهم يشكِّلون باحتها الخلفية الرخوة، فتراوحت سياستها بين التلويح بالجزرة أو العصا؛ فعملت على إقامة مشاريع تنموية واستثمارات في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لم ترقَ يومًا إلى طموحات وتطلعات قادة تلك البلدان, وعند الخلاف تقوم باحتضان المعارضة المسلحة للأنظمة الخارجة عن السيطرة على أراضيها، ودعم الفصائل المتمردة, وعلى الرغم من هذا لم تتورط الجزائر بشكل مباشر في الحروب الأهلية التي اجتاحت المنطقة؛ خلافًا للقذافي الذي برع في إشعالها من حين لآخر.
نيجيريا
نيجيريا العملاق الإفريقي المريض، الذي نخر فيه سوس الفساد؛ حتى شَلَّ قدرته على التأثير, شكل شمالها الذي عاني طويلًا من التهميش حاضنة معتبرة لمعظم الجهاديين الأفارقة في الإقليم (بوكو حرام، وجند الله), ولم يكن لدى قادة وجنرالات نيجيريا أي بُعد استشرافي أو استراتيجي للتعامل مع دول الإقليم؛ الأمر الذي مكَّن الراحل القذافي من الاستفراد بدول المنطقة، وصل حدَّ تبعيةٍ مطلقةٍ من بعض الأنظمة لطرابلس!
سبل المعالجة
التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها دول الإقليم متمثِّلة في ثالوث الموت (المخدرات، والإرهاب، والهجرة غير الشرعية)، تتجاوز قدرات أي دولة منفردة؛ بل إن تضافر جهود دول الإقليم مجتمعة والتنسيق فيما بينها مع ضرورة القيام بإصلاحات هيكلية عميقة لاقتصاديات دول المنطقة بالتوازي مع الإصلاح السياسي؛ الذي بات ضرورة، هي الخطوات الأولى للقضاء على الثالوث المرعب، وضمان الاستقرار بالإقليم؛ حيث إن دول الإقليم تمثل سوقًا ضخمة، والتجارة البينية بين دول الإقليم دون عوائق جمركية ستعمل على تكامل اقتصاديات المنطقة مع دول الجوار الغنية؛ فدول كموريتانيا، والسنغال، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، والكاميرون، ووسط إفريقيا، وتشاد، تعتبر دولًا شابة، مصدِّرة لليد العاملة، في حين أن دولًا غنية كنيجيريا، والجزائر، وليبيا، تعتبر دول وجهة للعمالة الوافدة, هذا فضلًا عن أن بعضًا من دول الإقليم يعتبر دولًا زراعية بامتياز؛ لكنها لا تتوافر على الرأسمال اللازم لإقامة المشاريع الزراعية ذات العائد المجزي, هذا بالإضافة إلى ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالاستثمار الأجنبي حتى تكون جاذبة.
إن العمل على توفير فرص عمل في دول الإقليم لملايين الشباب الإفريقي؛ الذي تطحنه الفاقة والعوز هو الضمانة الأهم للحدِّ من الهجرة غير الشرعية، وتحسين وتنمية المناطق المهمشة والنائية لا شك سيحد من تنامي القاعدة في تلك المناطق النائية, وهذا الأمر يتطلب سياسات وإصلاحات جادة من قبل دول الإقليم، مع ضرورة وقوف المجتمع الدولي في خطة مارشال عاجلة لمساعدة دول الإقليم على القيام بتلك الإجراءات، التي باتت ضرورة يمليها تفاقم وتردي الوضع في إقليم الساحل الإفريقي؛ الذي بات يشكِّل خطرًا على السلم والأمن الدوليين.
__________________________________
الهوامش
1- الحسين الشيخ العلوي: تجمع الساحل الخماسي.. تنسيق في ظل التعقيدات, مركز الجزيرة للدراسات (تاريخ النشر: 22 سبتمبر/أيلول 2014), (تاريخ التصح: 24 أغسطس/آب 2015), انظر الرابط التالي
http://studies.aljazeera.net/reports/2014/09/2014921988539708.htm
2- ماثيو ليفيت: إرهاب «حزب الله» المرتبط بتجارة المخدرات – تهديد متنامي عبر الحدود, معهد واشنطن (تاريخ النشر: سبتمبر/أيلول 2012), (تاريخ التصفح: 26 أغسطس/آب 2015),
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/hizbullah-narco-terrorism-a-growing-cross-border-threat
3- المصدر السابق.
4- فرانسيس ميرتينس والمادو فيليب دي أندريه: هل أصبح غرب إفريقيا محطة مركزية للتهريب والاتجار بالبشر؟ مجلة الناتو (تاريخ النشر: 2009), (تاريخ التصفح: 26 أغسطس/آب 2015), http://www.nato.int/docu/review/2009/Organized_Crime/AR/index.ht
د. الحسين الشيخ العلوي
مركز الجزيرة للدراسات