بلدان الساحل الأفريقي.. تنمية مؤجلة وإرهاب لا ينتهي

بلدان الساحل الأفريقي.. تنمية مؤجلة وإرهاب لا ينتهي

الأمن والمياه من أكثر الملفات إلحاحا في منطقة الساحل الأفريقي، والتي عانت على مدار سنوات طويلة من ويلات الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، وفتحت رئاسة موريتانيا لمجموعة دول الساحل الباب أمام تساؤلات عديدة عن سر نجاتها من العنف المتطرف، وكيفية عملها لتحقيق تنمية وطنية شاملة في محيطها الإقليمي المضطرب.

نواكشوط – لم يخف دبلوماسي موريتاني مخاوف بلاده من تداعيات سلبية للمشكلات المتفاقمة في منطقة الساحل الأفريقي، التي تعد ساحة جاذبة للإرهاب والتهريب والجريمة العابرة للحدود.

وشكلت تلك المنطقة مسارا طويلا من المفاوضات بين البلدان الأفريقية والأوروبية للبحث عن حلول اقتصادية وسياسية جذرية تضع حدا لأطول “حرب عصابات” تعيشها القارة السمراء.

وتطمح موريتانيا، التي يبلغ عدد سكانها 4.64 مليون نسمة، إلى استثمار عملها ضمن مجموعة دول الساحل لتعزيز نفوذها الأفريقي، لكن تحديات كبيرة تواجهها الدولة العربية تتعلق بتفاقم مشكلات الأمن والمياه والتطرف والبطالة والفقر المدقع في تلك المنطقة.

وتقترب رئاسة نواكشوط لمجموعة دول الساحل “ج 5” من نهايتها بعد عام كان مليئا بجملة من التحديات فاقمتها جائحة كورونا، التي أثرت بشكل مباشر على عمل دول المجموعة (بوركينافاسو، النيجر، تشاد، مالي)، وهي الدول التي تشكل التحالف لمواجهة الإرهاب وتأمل في تحقيق التنمية.

الإرهاب يفرض تحديات كبيرة على دول مجموعة الساحل للقيام بمشاريع تنموية في مناطقهم

وتقول مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية، في تقرير مطول حول تلك المنطقة وتحدياتها، إن ملفي الأمن والمياه يبرزان كأكثر الملفات إلحاحاً في منطقة الساحل، بالإضافة إلى العنف المتطرف الذي يشعل بالفعل تلك المساحة الشاسعة التي تفصل شمال القارة الأفريقية عن جنوبها.

وستعقد دول الساحل الخمس منتصف فبراير الجاري قمة في نجامينا عاصمة تشاد لتقييم الأوضاع الميدانية وسط احتمال تقليص قوة برخان عديدها، وهي قوة فرنسية تعمل ضدّ جماعات جهادية في منطقة الساحل.

ومجموعة دول الساحل الأفريقي هي تجمع إقليمي يهدف إلى التنسيق والتعاون ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وجذب تمويلات واستثمارات خارجية إلى تلك المنطقة.

وتعتبر موريتانيا أن مجموعة دول الساحل الخمس، التي تأسست عام 2014، أظهرت صمودا على المضيّ قدما في مواجهة انعدام الأمن وإطلاق برامج إقلاع اقتصادي في تلك المنطقة المضطربة.

وفي ديسمبر الماضي، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إن جيوش دول المجموعة تواصل إلى جانب الشركاء الدوليين الحرب على الإرهاب بـ”صرامة وعزيمة”، لكنه لم يخف أيضا حاجة هذه الدول إلى التمويل لمواجهة التحديات الاقتصادية خاصة أنها دول مثقلة بالديون الخارجية.

وأنشأت قوة عسكرية مشتركة في يونيو 2017 بدعم من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي لمواجهة تهديد الإرهاب، إلا أن التحديات التي تواجه هذه القوة قاسية على أقل تقدير.

ويقول محمد السالك ولد إبراهيم، وهو باحث ودبلوماسي موريتاني، إن بلاده قامت بدور ريادي في مجموعة دول الساحل فيما يتعلق بالجهود المبذولة لمواجهة تحديات الأمن والتطرف والإرهاب.

ولم يتردد الدبلوماسي الموريتاني، في ندوة إلكترونية عقدها مجلس الأعمال البريطاني الموريتاني مؤخرا، في مناقشة المشكلات التي تواجهها منطقة الساحل، مشيرا إلى أن تلك المشكلات تتمثل في “عدم الاستقرار السياسي والتطرف والإرهاب، فضلا عن الافتقار إلى الحكم”.

فاقمت جائحة كورونا وتداعياتها المشكلات في تلك المنطقة، وتطمح دول مجموعة الساحل إلى جذب استثمارات ومشاريع لإحداث التنمية للقضاء على أسباب تنامي ظواهر الإرهاب والتطرف والتهريب والجريمة العابرة للحدود. وتؤرق تلك المشكلات دول عديدة في شمال القارة الأفريقية وجنوبها وتعقّد مساعي إنهاء الأخطار الإرهابية المتفاقمة.

وينشط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي في دول الساحل الأفريقي مستغلا الأوضاع الأمنية الصعبة في ليبيا ومالي منذ 2011، ووسّع نشاطه لاحقا إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات جهادية محلية أخرى في دول بوركينافاسو والنيجر وتشاد.

وتتساءل مؤسسة “عرب دايجست” عن أسباب نجاة موريتانيا على عكس الدول المماثلة في مجموعة الساحل من ويلات الهجمات الإرهابية. وتقول إن هذا يعد أمرا لافتا بالنظر إلى وجود العديد من القضايا التي تمكّن الإرهاب من الازدهار في البلاد.

وتعدّد المؤسسة مشكلات ومن بينها “الغنى الفاحش والفقر المدقع والنخبة الراسخة والفساد وبطالة الشباب والانقسامات الاجتماعية العميقة في مجتمع ألغى العبودية فقط في عام 1981″، إضافة إلى وجود تهديدات مباشرة من الميليشيات الجهادية النشطة في مالي المجاورة.

ويرى فريدريك ويري، الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، أن “حكام موريتانيا، وكثير منهم ضباط عسكريون، قد اقتربوا من الإسلاميين بمزيج من الخيارات المشتركة والتنظيم والقمع لتدعيم شرعيتهم المترهلة منذ إنشاء البلاد كجمهورية إسلامية في عام 1960”.

ويضيف ويري، في ورقة بحثية كتبت لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، “شبح الجهادية العنيفة لم يتبدد”، لكنه قال إن “موقف موريتانيا التي أبدت تحفظا لفترة طويلة في شن عمليات عسكرية طويلة الأمد خارج أراضيها ساهم في جعلها بمنأى عن الهجمات الجهادية”.

ويوضح أن من شأن “العمليات المستقبلية عبر الحدود والدور المتنامي لموريتانيا في الساحل الأفريقي أن يمنحا الجهاديين الذين تنصبّ جهودهم على موريتانيا، اندفاعة ترويجية جديدة”.

تطمح موريتانيا للاستفادة من الثروات الطبيعية فوق أراضيها والعمل على النهوض باقتصادها، حيث يعيش أكثر من 31 في المئة من سكانها الذين يتجاوز عددهم الـ4 ملايين نسمة تحت خط الفقر.

وصنف البنك الدولي، في تقرير نشر في نوفمبر الماضي، الاقتصاد الموريتاني بأنه “بالغ الحساسية للصدمات الخارجية كاضطراب أسعار المواد الأولية والظروف المناخية والأزمات السياسية”، ويعتمد بشكل أساسي على المساعدات الدولية.

وتقول مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية إن موريتانيا لديها آمال كبيرة في أن يؤدي الحقل الغاز البحري الكبير المشترك مع جارتها السنغال إلى تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة.

ويقع حقل تورتو الكبير/أحميم في المحيط الأطلسي قبالة الدولتين على عمق 2850 مترا. ووفقا لشركة “بي. بي” البريطانية التي تستثمر بكثافة في الحقل، لديها ما يقدر بنحو 15 تريليون قدم مكعب من الغاز وعمر افتراضي يصل إلى 30 عاما.

وكانت موريتانيا والسنغال قد وقعتا اتفاقيات ثنائية لإنهاء الخلافات حول الحقل البحري، ويتوقع بدء الاستغلال بحلول عام 2022.

وتشير المؤسسة الاستشارية إلى أن شركة بريتيش بتروليوم، مثل شركات الطاقة الكبرى الأخرى، تنحرف بعيدًا عن الهيدروكربونات وقد تم بالفعل تأجيل مرحلتين من التطوير المخطط لهما. وعلق أحد محللي الطاقة “إن احتمالية رؤية هذه التطورات للضوء، على الأقل تحت إشراف شركة بريتيش بتروليوم، يجب إعادة النظر فيها في ضوء أحدث تحول استراتيجي بعيد المدى تجريه الشركة البريطانية”.

وعلق الدبلوماسي الموريتاني في مداخلته أمام مجلس الأعمال البريطاني الموريتاني على الضرر الذي ألحقه الاستعمار بالنسيج الاقتصادي والاجتماعي لمنطقة الساحل، حيث كانت بلاده مثل الأعضاء الآخرين في المجموعة مستعمرة فرنسية حتى حصلت على الاستقلال في عام 1960، ولا تزال فرنسا تعتبر أفريقيا منطقة نفوذ لا يمكن الاستغناء عنها.

التنمية سلاح فعّال

في تقرير للأمم المتحدة نشر في التاسع من نوفمبر الماضي وصف الهجمات الإرهابية المعقدة والمتكررة في منطقة الساحل على أنها “منسقة بشكل جيد” مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، وهي جماعة مشكلة من مجموعات عسكرية مسلحة متطرفة تنشط في منطقة الساحل.

وأشار التقرير الأممي إلى أن “الهجمات الإرهابية تعمل على نطاق واسع في منطقة الساحل من موريتانيا إلى حوض بحيرة تشاد”، حيث وسّعت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من نفوذها من وسط مالي إلى شرق بوركينافاسو على طول الحدود بين مالي والنيجر، بينما تستمر أجزاء كثيرة في النيجر في التركيز على صراع القوى الإقليمي بين المجموعات المختلفة.

ويفرض الإرهاب تحديات كبيرة على دول مجموعة الساحل للقيام بمشاريع تنموية في مناطقهم. ويعد ملف التنمية من الضرورات الأساسية لمكافحة الظاهرة، خاصة أن سكان تلك المنطقة يعانون من الهشاشة الاقتصادية والفقر والبطالة والجوع.

ويقول الدبلوماسي الموريتاني محمد السالك ولد إبراهيم إن أهداف مجموعة دول الساحل الخمس تتضمن “ضمان التنمية والأمن في فضاء الدول الأعضاء، وتحسين الظروف المعيشية للسكان والجمع بين التنمية والأمن بدعم من الديمقراطية والحكم الرشيد في إطار من التعاون الإقليمي والدولي، وتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة”.

ويوضح ولد إبراهيم أنه “لا يمكن تعزيز الاستقرار والأمن بالوسائل العسكرية فقط” في منطقة الساحل الأفريقي. وتكمن إحدى طرق إعا

قة تقدم الإرهاب الجهادي في تنفيذ الإصلاح الهيكلي والاقتصادي لدول المجموعة.

ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن الوضع الإنساني في منطقة الساحل يشهد تدهورا كبيرا وسريعا، حيث طلب نحو 31.4 مليون نسمة من سكان الساحل المساعدة والحماية، واضطر المزيد من السكان إلى الفرار من منازلهم خلال عام 2020.

ويوضح التقرير تفاصيل النزاعات بين المجتمعات المحلية، التي يغذّيها نقص المياه، حيث يبدو أنه يخرج عن نطاق السيطرة بشكل خطير في تلك المناطق.

ويصف ولد إبراهيم مشكلة المياه بأنها “مشكلة كبرى لمنطقة الساحل”، مشيرا إلى وجود تعهد بتمويل من فرنسا وبنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي وآخرين بقيمة 14 مليار يورو للجدار الأخضر العظيم في منطقة الساحل والذي يهدف إلى حل أزمة المياه.

ويرتبط بالمبادرة التي تحدث عنها الدبلوماسي الموريتاني خط أنابيب عبر أفريقيا يهدف إلى استخدام محطات تحلية المياه على السواحل الشرقية والغربية للقارة، وخط أنابيب لتوصيل المياه الصالحة للشرب إلى مجتمعات الساحل، إضافة إلى وجود التزام بتوفير البنية التحتية لوصول المياه إلى الرعاة، وهو أمر بالغ الأهمية لنزع فتيل العنف على موارد المياه المتناقصة.

وتقول الأمم المتحدة إن الساحل الأفريقي يواجه مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني أكثر من 14 مليون شخص من الأزمات لانعدام الأمن الغذائي خلال مواسم الجفاف، وهو أعلى مستوى منذ بداية أزمة الساحل في عام 2011. وتشير بشكل واضح إلى تأثير النزاع بشدة على سبل العيش والأسواق والوصول إلى الغذاء.

ووضعت مجموعة دول الساحل الأفريقي استراتيجية للأمن والتنمية وبرنامج “استثمار ذو أولوية” يركز على الحوكمة والأمن والمرونة الاقتصادية والبنية التحية وقد أطلق البرنامج بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، المرحلة الأولى (2019 – 2021) بميزانية قدرها 1.996 مليار يورو لدعم 40 مشروعا.

ولا تزال الأسئلة بلا أجوبة حول إمكانية نجاح تلك الاستراتيجيات في الحد من تنامي الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل الأفريقي، الذي بات يؤرق العديد من البلدان شمالا وجنوبا، خاصة مع تفاقم التحديات الاقتصادية والتنموية وقلة التمويلات الخارجية ومدى الوفاء بها لجعل تلك المناطق بلا إرهاب.

ملف التنمية يعد من الضرورات الأساسية لمكافحة الإرهاب

العرب