كيف حوّل حزب الله الدولة في لبنان إلى خادمة لنفوذه

كيف حوّل حزب الله الدولة في لبنان إلى خادمة لنفوذه

لم يترك حزب الله المدعوم من النظام الإيراني أي فرصة لتعزيز نفوذه في لبنان الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية تهدده بالانهيار الكامل، ويستغل الحزب في ذلك الوضع الهجين للنظام السياسي لبسط سيطرته الكاملة على مؤسسات الدولة.

ويطلق سياسيون لبنانيون تحذيرات منذ سنوات من الانعكاسات السلبية لسيطرة الحزب الشيعي على مفاصل الدولة، ويشيرون في ذلك إلى عمل الحزب على بناء دولة داخل الدولة اللبنانية لخدمة أهداف إيران ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

وأظهرت مؤشرات عديدة أن الحزب على استعداد تام لقلب الطاولة في أي لحظة إذا تم المساس بنفوذه وتكرار سيناريوهات العام 2005 و2006، وسط مخاوف داخلية وخارجية من تكديس الحزب للسلاح واستخدامه في ترهيب اللبنانيين وفرض أجندته بالقوة في حال ضاقت أمامه السبل.

وتوضح وثيقة بحثية صادرة عن معهد تشاتام هاوس البريطاني المتخصص في تحليل السياسات، الطرق المختلقة التي يسيطر بها حزب الله على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكيف يمكّن النظام السياسي في لبنان الحزب والجهات الفاعلة الأخرى من ممارسة السلطة دون مسؤولية.وتقول الباحثة لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، إن حزب الله بصفته لاعبا هجينا صعد ليصبح أكثر المنظمات السياسية نفوذا في لبنان، حيث يتمتع بالشرعية داخل الدولة اللبنانية، وقادر على العمل دون المساءلة المطلوبة سواء من الدولة أو المسؤولية تجاه الشعب اللبناني.

ويعيش لبنان على وقع أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة النطاق تهدده بالانهيار، في ظل انسداد أفق الحل السياسي لإنهاء عقدة تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري منذ تكليفه في أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى استمرار سيطرة حزب الله التي تعيق وصول مساعدات خارجية.

وتشير الخطيب في ورقتها البحثية إلى أن حزب الله يعتبر التمسك بالقوة دون مسؤولية مثاليا بالنسبة إلى وضعه، حيث يمتلك القدرة العسكرية على الاستيلاء على السلطة في لبنان بالقوة، لكنه ليس من مصلحته القيام بذلك.

وتؤكد أن “حزب الله على الرغم من أنه يستخدم خطاب مكافحة الفساد، إلا أن ساسته لم يستخدموا نفوذهم لدفع الإصلاحات من أجل تنظيف نظام الدولة الذي يفيدهم”، معتبرة أن محاولات الحكومات الغربية لعكس نفوذ الحزب من خلال التركيز على كبح أنشطته عن طريق العقوبات غير كافية.

وتوضح أن “بقاء النظام السياسي الحالي فإنه لن يكون من الممكن تخفيف قبضة الحزب على الدولة اللبنانية، ويبقى الإصلاح بالجملة مسعى مقعدا وطويل الأمد”.

وتستند الورقة البحثية بشكل أساسي على زيارات ميدانية في لبنان بين عامي 2005 و2020، ومقابلات بحثية وجها لوجه وعبر الإنترنت، فضلا عن محادثات غير رسمية مع مجموعة واسعة من الفاعلين وأصحاب المصلحة بما في ذلك أعضاء الجماعات السياسية والخدمة المدنية والجيش والمنافذ الإعلامية.

وينشر الحزب نفوذه في جميع أنحاء الدولة اللبنانية من رئاسة الجمهورية إلى المؤسسات السياسية التمثيلية والخدمة المدنية، فضلا عن المؤسسات اللبنانية العسكرية والأمنية.

وتقول الباحثة إن هذا التأثير يعود إلى عوامل عدة من بينها “استفادة الحزب من راع خارجي موثوق هو إيران على عكس الأطراف الأخرى، وقدرة حزب الله من حيث التنظيم والتمويل والموارد المادية وعدد الأنصار، وهو ما يفوق قدرة الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى”.يستغل حزب الله صيغة “الجيش والشعب والمقاومة” لإضفاء شرعية داخل الدولة دون مساءلة تتطلبها مؤسسات الدولة في لبنان، وهو يستخدم هذا الوضع الهجين والاستثنائي في ترهيب خصومه.

وتقول الباحثة لينا الخطيب إن “هذا الوضع الهجين مثاليا لحزب الله، حيث يمكنه من ممارسة السلطة دون مواجهة احتمال نشوب حرب أهلية أو عقوبات دولية على البلاد”، ويمكنه من ترهيب الخصوم باعتباره المجموعة الوحيدة غير القوات المسلحة اللبنانية الداعمة للدفاع الوطني، للاحتفاظ بنفس الأسلحة التي تستخدمها لترهيبهم.

وتوضح أن هذا الوضع عبارة عن “سلطة الأمر الواقع في لبنان دون الحاجة إلى تلبية احتياجات المواطنين عموما”.

وتقول إن حزب الله يستخدم التمثيل الوزاري لخدمة مصالحه مثل الأحزاب السياسية الحاكمة الأخرى في لبنان، ويصر الحزب على تكليف كل من وزارة الصحة العامة ووزارة المالية في مجلس الوزراء المقبل، مما يمنحه سيطرة مباشرة على قطاعين رئيسيين مرتبطين بمصالحه بشدة.

وترى أن من شأن سيطرة الحزب على وزارة المالية أن “تساعد في حماية تورطه في غسيل الأموال ضد تدقيق الدولة، لاسيما في ما يتعلق بالتدفق النقدي إلى حزب الله من الشتات الشيعي، وهو مصدر تمويل لا تتمتع به الأحزاب السياسية الأخرى في لبنان”.

وتشير وثيقة مسربة عام 2010 من مجموعة ستراتفور البحثية ونشرتها ويكيليكس إلى أن أحد أسباب إصرار حزب الله على السيطرة على وزارة الزراعة هو أن المجموعة كانت (في ذلك الوقت) تعتمد بشكل متزايد على نترات الأمونيوم لتصنيع المتفجرات حيث كانت تكافح لشراء متفجرات من الدرجة العسكرية والحصول عليها. وتؤكد الباحثة أن نفوذ حزب الله من خلال الخدمة المدنية يعد قناة أخرى لتوليد الدخل، كما هو الحال مع الأطراف الأخرى في لبنان.

لا يترك حزب الله من مكان داخل لبنان من أجل فرض سيطرته عليه في سبيل تحقيق نفوذه والحفاظ على مكاسبه، وتقول الباحثة في هذا السياق إنه “يمكن لحزب الله والأطراف اللبنانية الأخرى استيراد البضائع المعفاة من الجمارك بفضل قرارات مجلس الوزراء بشأن جمعيات النفع العام”. وتشير إلى أن الحزب يستخدم مثل هذه المراسيم لخلق غطاء لبعض أنشطته الأمنية.

وتعمل مؤسسة جهاد البناء التي تأسست بموجب مرسوم في 25 أكتوبر 2000 ويديرها المجلس التنفيذي لحزب الله، في مجالات البناء والزراعة والمياه والطرق والصناعة وحماية البيئة، بالإضافة إلى دائرة فنية. وتعمل هذه المؤسسة بالشراكة مع العديد من الكيانات الحكومية اللبنانية لاسيما من خلال البلديات واتحادات البلديات في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

وتقول الباحثة الخطيب إن “تورط حزب الله في تجارة الأدوية المشروعة وغير المشروعة يعتبر مصدر دخل مهمّا للجماعة، حيث تشير تلك الأنشطة في هذا المجال إلى قدر من تورطه في الفساد”.

وتضيف أن “سيطرة الحزب على عضوية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وهو مؤسسة حكومية تابعة لرئاسة الحكومة، تسمح له باستيراد مجموعة واسعة من البضائع عبر مطار بيروت ومينائها دون دفع رسوم جمركية”.

كما يستفيد حزب الله، مثل النخب السياسية الأخرى في لبنان، من الفساد القائم في جميع كيانات الدولة المرتبطة بمرفأ بيروت لتوليد الإيرادات واستيراد البضائع وتصدير بطرق غير مشروعة.

وأدى الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس من العام الماضي، والذي تسببت فيه كميات كبيرة من نترات الأمونيوم ممزوجة بمواد كيميائية أخرى، إلى تدمير الميناء والمناطق السكنية المحيطة به، مما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتكثيف الاهتمام المحلي والدولي بشأن تورط الحزب في تدمير الميناء والحرب في سوريا.

وتقول الباحثة إن “حزب الله يختلف عن منافسيه في مدى استخدامه لمرفأ بيروت لنقل المخدرات والأسلحة والمواد المتفجرة داخل لبنان وخارجه دون أي رقابة حكومية على عملياته أو تفتيش حظائره التي يستخدمها”.

وتضيف أن “البضائع غير المشروعة تدخل لبنان في بعض الأحيان عبر الميناء لنقلها برا إلى سوريا. وفي أوقات أخرى تُخزّن المواد المستخدمة في صنع المتفجرات في الميناء وجمعها مؤقتا لتجهيزها للشحن في الخارج”.

صحيفة العرب