الرحلة المزعجة لبايدن إلى كابول عام 2009 تغير رؤيته لحرب أفغانستان

الرحلة المزعجة لبايدن إلى كابول عام 2009 تغير رؤيته لحرب أفغانستان

لم ينس الرئيس الأميركي جو بايدن تفاصيل سيئة ومزعجة لرحلة قادته عام 2009 إلى أفغانستان قبل تعيينه نائبا للرئيس في تلك الفترة، والتي ساهمت في تشكيل رؤيته بشكل كامل حول جدوى الحرب الأطول للولايات المتحدة في البلد، المهدد الآن بعودته إلى الفوضى.

وينهي الأميركيون فعليا وجودهم العسكري في أفغانستان أواخر أغسطس المقبل، وسط مخاوف حقيقية من تداعيات هذا الانسحاب على البلد الذي يعاني من تدهور الوضع الأمني وضعف شديد تعانيه الحكومة في كابول.

وبينما يفخر بايدن بأن بلاده تركت وراءها أكثر من 300 ألف جندي أفغاني دربتهم لـ”حماية استقرار” أفغانستان، فإن الواقع على الأرض يرسم صورة سوداوية أمام الهزائم العسكرية لهذه القوات وتقدم غير مسبوق لحركة طالبان المتطرفة.

وحذر مرارا مسؤولون وخبراء عسكريون وأعضاء في الكونغرس الأميركي من مخاطر الانسحاب من أفغانستان، وتأثيراته التي بدأت تظهر للعيان مع اتساع دائرة سيطرة طالبان على مناطق واسعة من البلاد.

وتشير مصادر سياسية مختلفة في الولايات المتحدة إلى أن مشاعر الإحباط من الحرب في أفغانستان تولدت لدى بايدن قبل أكثر من عشر سنوات ولم تهدأ قط.

وتقول وكالة رويترز إن بايدن قبيل رحلته إلى كابول في يناير عام 2009، أي قبل قليل من أداء اليمين الدستورية كنائب للرئيس حينها، وجه تحذيرا للرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي وهما جالسان إلى مأدبة عشاء. قال إن كرزاي قد يخسر دعم الولايات المتحدة ما لم يشرع في تطبيق نظام لصالح جميع الأفغان، ملمحا إلى مزاعم فساد تطال شقيق كرزاي.

وتوضح أن كرزاي رد حينها بتوجيه انتقادات إلى الولايات المتحدة بأنها لا تبالي بمقتل المدنيين الأفغان، وأنه مع استمرار الخلاف بينهما ألقى بايدن بمنديل الطعام وانتهى العشاء فجأة، بحسب رواية كثيرين ممن حضروا المناسبة.

وكان بايدن يبذل جهودا عسكرية وإنسانية قوية في تلك الرحلة لإعادة بناء أفغانستان بعد الإطاحة بحكومة طالبان، التي أوت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

لكن الصدام مع كرزاي وباقي أحداث الرحلة المزعجة ولدت لدى بايدن إحساسا بأن الحرب التي تؤرق واشنطن ربما يستحيل النصر فيها، وعاد حينها إلى واشنطن بتحذير شديد اللهجة للرئيس المنتخب باراك أوباما مضمونه أن هذه اللحظة ليست مناسبة لإرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان.

يكشف جوناه بلانك مساعد بايدن السابق لفترة طويلة والذي رافقه في رحلة 2009، إن الأمر بالنسبة إليه “لم يكن مجرد نفاد صبر.. أخذ التفاؤل يتبدد سنة بعد أخرى”.

وخسر بايدن هذا الخلاف السياسي مع أوباما، الذي أمر في النهاية بزيادة عدد القوات المرسلة إلى أفغانستان، ومدد أمد الحرب في حكمه الذي انتهى في العام 2017، لكن سيد البيت الأبيض يشرف الآن على انسحاب كامل للقوات.

واعترف بايدن الخميس الماضي باحتمال اندلاع حرب أهلية جديدة في أفغانستان، لكنه كرر التزامه بسحب القوات. وفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن دعمها الدبلوماسي والإنساني للأفغان، يقول بايدن إن مصيرهم أصبح الآن في أيديهم.

كان هذا أكبر جهد يبذله الرئيس الديمقراطي في العلن حتى الآن لطمأنة الأميركيين بشأن الاستراتيجية الخاصة بأفغانستان، فيما تنتزع طالبان السيطرة على قطاعات كبيرة من بلد على حافة الفوضى.

أحداث رحلة بايدن كنائب للرئيس أوباما إلى كابول ولدت لدى بايدن إحساسا بأن الحرب التي تؤرق واشنطن ربما يستحيل النصر فيها
أحداث رحلة بايدن كنائب للرئيس أوباما إلى كابول ولدت لدى بايدن إحساسا بأن الحرب التي تؤرق واشنطن ربما يستحيل النصر فيها
ويقول بايدن إنه اتخذ القرار بناء على فهم واضح للأوضاع وأنه “لن يرسل جيلا آخر من الأميركيين للحرب دون توقعات منطقية بتحقيق نتيجة مختلفة”.

وقُتل حوالي 2400 من أفراد القوات الأميركية في أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة وأصيب ألوف آخرون. ويؤيد غالبية الأميركيين قرار بايدن سحب القوات من أفغانستان حسبما أظهر استطلاع أجرته منظمة إبسوس في أبريل، لكن 28 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع رأوا أن الولايات المتحدة حققت أهدافها في أفغانستان، بينما قال 43 في المئة إن الانسحاب الأميركي الآن يصب في مصلحة القاعدة.

وتتطابق مشاعر القلق لدى مجموعة من أعضاء الكونغرس وجماعات الإغاثة من الحزبين من أن النهج الذي يسلكه بايدن الآن يشوبه خلل.

ويقول النائب مايك روجرز، وهو أكبر عضو جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، “في كل مرة أسأل فيها الإدارة عن خطتها إزاء أي من هذه القضايا يقولون لي إنها في الطريق.. تساورني المخاوف من أن تؤدي هذه القرارات السيئة لعودتنا إلى أفغانستان في المستقبل القريب”.

ويحذر منتقدون بمن فيهم مسؤولون في الحكومة الأميركية من أن الانسحاب يتم دون ضمانات بمشاركة طالبان في عملية سلام أو انتخابات ديمقراطية أو حتى قطع العلاقات مع القاعدة.

ويرى السناتور الجمهوري لينزي غراهام، الذي رافق بايدن في رحلة 2009، أن القاعدة قد تعاود الظهور في أفغانستان وتمهد لهجوم آخر على الولايات المتحدة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن سيطرة طالبان على أفغانستان ليست في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

وتؤكد السناتور الديمقراطية جين شاهين أنها تشعر “بقلق بالغ” إزاء الأوضاع في أفغانستان.

أما هيذر بار، المديرة المشاركة المؤقتة لقسم حقوق المرأة في منظمة هيومن رايتس ووتش والتي أمضت سنوات في أفغانستان فلها تقييم متشائم للغاية. تقول “يبدو الأمر كأنه كارثة مكتملة، كأن البلاد في طريقها للانهيار”.

ومن جهته يقول روبرت غيتس، وزير الدفاع في عهد أوباما، الذي اصطدم مع بايدن، في مذكراته في 2014 “كان بايدن يجادل طوال العملية، وسيظل يتذرع بأن الحرب لا يمكن استمرارها سياسيا في الداخل”.

ولم يكن قرار المغادرة سهلا، لكنّ مساعدين حاليين وسابقين قالوا إن مخاوف بايدن من التعثر في أفغانستان ظهرت إلى الوجود في الرمق الأخير من عمر إدارة جورج دبليو بوش وزادت بمرور السنين، إلا أن رحلة 2009 هي التي أقنعته بفشل هذه السياسة.

صحيفة العرب