عاش العراقيون ساعات عصيبة ليل الاثنين – الثلاثاء على وقع فاجعة جديدة لا يزال صداها يتردد حتى الآن، في ظل أحاديث عن ارتفاع أعداد القتلى والمصابين بسبب حريق هائل شب في مستشفى الإمام الحسين، والمخصص لعزل مصابي فايروس كورونا في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار جنوب العراق.
وقال مسؤولون في قطاع الصحة الثلاثاء إن عدد قتلى الحريق الذي اندلع في مستشفى لعلاج المصابين بفايروس كورونا بمدينة الناصرية في جنوب العراق ارتفع إلى 66، في حين تجمع حشد من المواطنين الغاضبين قرب مشرحة المدينة في انتظار تسلم جثث ذويهم.
وأضاف المسؤولون أن أكثر من 100 شخص أصيبوا في الحريق الذي شب مساء الاثنين، والذي يعتقد أنه نجم عن انفجار خزان أكسجين في المستشفى.
وأكد مسؤولان أن عدد القتلى يشمل رفات 21 جثة متفحمة لم يتم بعد التعرف على هويات أصحابها.
وأرجع أشخاص تجمعوا عند مشرحة المدينة وقوع الحادث إلى إهمال السلطات المحلية وقصور إجراءات الأمن والسلامة بالمستشفى.
وقال محمد فاضل، الذي كان ينتظر أمام المشرحة لتسلم جثة شقيقه، “لم تكن هناك استجابة سريعة للحريق. ولم يكن هناك عدد كاف من رجال الإطفاء. المرضى ماتوا حرقا. إنها كارثة”.
صورة
وعلى إثر هذه الفاجعة قرر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إقالة مدير صحة ذي قار ومدير مستشفى الحسين ومدير الدفاع المدني في المحافظة، وإخضاعهم للتحقيق، عقب الحريق الذي نشب في مستشفى الإمام الحسين والذي أودى بأرواح العشرات من المرضى وإصابة آخرين.
وبحسب بيان صادر عقب اجتماع طارئ للكاظمي مع عدد من المسؤولين الحكوميين وقيادات أمنية، قرر رئيس الوزراء العراقي البدء بتحقيق حكومي عالي المستوى، للوقوف على أسباب الحادثة، وإيفاد فريق حكومي وأمني لذي قار لمتابعة الإجراءات ميدانيا.
وتضمنت القرارات توجيه مختلف الوزارات بإرسال مساعدات طبية وإغاثية عاجلة إلى محافظة ذي قار، وإرسال الحالات الحرجة من المصابين للعلاج خارج العراق، وإعلان الحداد الرسمي على أرواح ضحايا الحادثة.
وبعد قرارات الكاظمي أعلن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أن البرلمان سيحول جلسة الثلاثاء الاعتيادية لتدارس الخيارات بشأن فاجعة مستشفى الإمام الحسين التعليمي في ذي قار.
واعتبر في تغريدة له عبر تويتر أن “فاجعة مستشفى الحسين دليل واضح على الفشل في حماية أرواح العراقيين (…) وقد آن الأوان لوضع حدّ لهذا الفشل الكارثي”.
وأكد الرئيس العراقي برهم صالح أن فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد، نتاج الفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات.
وأضاف صالح في تغريدة على تويتر الثلاثاء أن “التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هما عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم، لا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين”.
وقررت محافظة ذي قار الثلاثاء الحداد وتعطيل الدوام ثلاثة أيام بعد حريق المستشفى الاثنين.
وقالت في بيان إن محافظ ذي قار أحمد غني الخفاجي أصدر جملة من القرارات العاجلة بخصوص ما جرى مساء الاثنين من حادث مفجع تسبب في وقوع ضحايا، بينها إعلان الحداد، والتحقيق.
وأعلنت السلطات المحلية في المحافظة حال الطوارئ، فيما استدعت دائرة صحّة ذي قار الأطبّاء المجازين للالتحاق بعملهم.
وبعد السيطرة على الحريق، خرجت تظاهرة صاخبة أمام المستشفى وهتف المتظاهرون “الله أكبر، الأحزاب حرقونا”.
وكانت السلطات العراقية أعلنت مصرع العشرات على الأقلّ في حريق اندلع في قسم مخصّص لعزل المصابين بكورونا في مستشفى بمدينة الناصريّة، في مأساة تأتي بعد شهرين ونصف الشهر على مصرع أكثر من 80 شخصا بحريق مماثل اندلع في مستشفى ببغداد.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ألسنة النيران تلتهم المبنى، الذي تصاعدت منه أعمدة الدخان الأسود.
ووفقا لمصدر في دائرة الصحّة في المحافظة فإنّ الحريق نجم عن انفجار أسطوانات أوكسجين. وإذا صحّت هذه المعلومات تكون هذه المأساة نسخة طبق الأصل عن تلك التي وقعت في مستشفى ابن الخطيب في بغداد في نهاية أبريل، ونجمت أيضا عن سوء تخزين أسطوانات الأوكسجين التي يستخدمها مرضى كوفيد – 19.
وعزت مصادر سبب الحادث إلى الإهمال الذي غالبا ما يكون مرتبطا بالفساد، في بلد تعاني مستشفياته من حالة سيّئة وهاجر عدد كبير من أطبّائه بسبب الحروب المتكرّرة منذ أربعين عاما.
وكان العراق معروفا حتّى ثمانينات القرن الماضي بمستشفياته في العالم العربي وبجودة خدماتها ومجانيتها، لكنّه بات اليوم يعاني تدهورا على هذا الصعيد وسط ضعف تدريب كوادره الصحيّين وقلّة موارد وزارة الصحّة، التي لا تتجاوز 2 في المئة من مجمل موازنة الدولة.
وأعلنت وزارة الداخليّة في أبريل اندلاع سبعة آلاف حريق بين يناير ومارس، كان سبب غالبيتها احتكاكات كهربائية في متاجر أو مطاعم أو مبان، فيما تضرب البلاد حاليا موجة حرّ تجاوزت الخمسين درجة مئوية.
صورة
وفي نهاية أبريل الماضي، اندلع حريق مماثل في مستشفى ابن الخطيب المخصّص لمرضى كورونا في بغداد، مما أسفر عن أكثر من 80 قتيلا.
وكان الكثير من ضحايا حريق ابن الخطيب على أجهزة التنفّس الاصطناعي ويتلقّون العلاج من كوفيد – 19، وقد أصيبوا بحروق أو اختناق في الحريق الذي انتشر بسرعة في أروقة المستشفى، حيث كان العشرات من الأقارب يزورون المرضى في وحدة العناية المركزة.
وأثار الحريق يومها غضبا واسعا، ما أدّى إلى تعليق مهام وزير الصحّة آنذاك حسن التميمي الذي ما لبث أن استقال بسبب تلك المأساة.
والعراق الذي لا يزال اقتصاده المعتمد على النفط يتعافى إثر عقود من الحروب ويعيش الكثير من سكّانه تحت خطّ الفقر، سجّل أكثر من 1.4 مليون إصابة بكوفيد – 19 وأكثر من 17 ألف وفاة.
ولا تزال البنية التحتية الصحية في البلاد متهالكة، والاستثمار في الخدمات العامّة محدود بسبب الفساد المستشري.
ومنذ بدء إطلاق اللقاح في مارس، لم تتمكّن السلطات الصحية من تلقيح سوى واحد في المئة من سكّان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.
ويأتي حريق المستشفى بعد ساعات على اندلاع حريق محدود في مقرّ وزارة الصحة في بغداد، سرعان ما تمّ احتواؤه من دون تسجيل أي وفيات.
صحيفة العرب