للحظة ما، كان لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان أمل بمرور العاصفة التي أثارها سادات بكر- أحد رجال المافيا في تركيا ويعيش في المنفى ويملك قناة “يوتيوب” ويحمل ضغينة عميقة ضد حكومة أردوغان. لقد شاهد ملايين الأتراك في هذه السنة الأفلام التي عرضها بكر، والتي يجلس فيها وهو يرتدي قميصاً وراء طاولة، وأمامه مسبحة، ويوجه انتقاده للرئيس التركي وحكومته. لم يزعجه أن بكر رجل مافيا مجرم.
اتهامات بكر، وإن كانت غير مدعومة بالأدلة، فإنها قاسية؛ فقد اتهم ابن رئيس الحكومة الأسبق بتجارة المخدرات، وقال إن عضو برلمان كان مشاركاً في موت امرأة شابة. وحسب قوله، اضطر إلى إرسال أشخاص لضرب سياسي آخر لأنه أهان أردوغان. وتحمل أيضاً مسؤولية الهجوم على هيئات تحرير الصحف الكبرى في الدولة، وقال إن وزير الداخلية سليمان صويلو، اقترح عليه حماية شرطية.
حصلت أفلام بكر الثمانية على ملايين المشاهدات. وطالب سياسيون في المعارضة وحتى أعضاء في الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، بفتح تحقيق في هذه الاتهامات. وقد أشارت الاتهامات إلى أن المافيا أصبحت شريكة في الائتلاف الحكومي، قال كمال كلتشدار أوغلو، رئيس حزب المعارضة الأكبر. “حتى لو كان واحد في الألف من هذه الادعاءات صحيحاً فهو كارثة”، قال جميل تشتشيك، وهو شخصية رفيعة في حزب العدالة والتنمية.
في 20 حزيران أعلن بكر أنه سيوقف نشر الأفلام في الوقت الحالي. رجل المافيا الذي كما يبدو يعيش في الإمارات قال إن السلطات المحلية حذرته من أنه سيكون معرضاً للاغتيال إذا استمر في ذلك. هدنة أردوغان كانت قصيرة. فبعد يوم على إعلان بكر، أعلنت وزارة العدل الأمريكية بأن الشرطة في النمسا اعتقلت رجل أعمال تركياً، سيزجين باران كوركماز، الذي تم ذكره في عدد من الأفلام. اتهم الأمريكيون كوركماز بتبييض أكثر من 133 مليون دولار، حصل عليها بالخداع من خلال حسابات بنكية في تركيا ولوكسمبرغ. اتهم رجل الأعمال بأنه هو وعضوان من طائفة تؤيد تعدد الزوجات من يوتا وأصحاب شركة للوقود، خدعوا وزارة المالية الأمريكية عندما قدموا طلبات كاذبة لتسهيلات ضريبية على استخدام الوقود المتجدد. تقدر الخدعة بمئات ملايين الدولارات.
وحسب لائحة الاتهام، فإن كوركماز وشركاءه أنفقوا الأموال على شراء شركة طيران وفنادق في تركيا وسويسرا، وبيت على البحر في إسطنبول، ويخت يبلغ طوله 46 متراً، وحاولوا أيضاً تطوير شبكة علاقات مع أردوغان. جايكوف كينغستون الذي اعترف بدوره في الخدعة قبل سنتين، تم توثيقه ذات مرة مع الرئيس التركي في حفل استثمارات في تركيا.
كوركماز الذي ينفي دوره في الاحتيال، قد يجد نفسه عالقاً في محادثات مهمة جداً مع المحققين الأمريكيين. وقال بكر إن كوركماز، الذي يجري ضده تحقيق في تركيا، فرّ من الدولة في السنة الماضية بفضل تحذير تلقاه من وزير الداخلية.
كما سرب بكر أيضاً أسماء عدة شخصيات رفيعة في الحكومة، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق تحت أردوغان، ورئيس وكالة المشتريات الأمنية في الدولة، وقضاة وضباط في الشرطة، وصحافيون يؤيدون الحكومة، الذين حسب قوله، نزلوا في فندق قرمز الفاخر، بالمجان على الأغلب.
لم يعد بطل الشعب
احتمالية أن يتم فتح تحقيق رسمي في أعقاب اتهامات بكر ضعيفة، لكن أردوغان لم ينجح في التملص من قوة هذه الفضيحة. مؤيدو حزبه الذين تحملوا بصمت أدلة على الفساد في الفترة التي كان فيها الاقتصاد مزدهراً، هم الآن أقل تسامحاً؛ لأن ارتفاع مستوى المعيشة وانهيار سعر العملة تقضم مداخيلهم، والتضخم ارتفع 17.5 في المئة في حزيران، وهذا رقم قياسي في السنتين الأخيرتين.
تراجعت الليرة إلى حضيض جديد أمام الدولار، بالأساس بعد أن بدأ أردوغان بالضغط على البنك المركزي لخفض الفائدة. ويدعي البنك الدولي أن الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت خلال وباء كورونا ألقت 1.6 مليون تركي آخر إلى الفقر في السنة الماضية.
للمرة الأولى منذ سنوات، يظهر أردوغان هشاً ضعيفاً. وحسب استطلاع لشركة الأبحاث “تركيا ريفرو”، فإن تأييد حزب العدالة والتنمية انخفض إلى 26 في المئة. وهي النسبة الأدنى منذ إنشائه قبل عقدين. ولو جرت انتخابات رئاسية الآن، فسيخسر أردوغان أمام أي مرشح من المرشحين الثلاثة المحتملين. سيتم إجراء الانتخابات في 2023، لكن 58 في المئة من الأتراك وكذلك أحزاب المعارضة، يريدون تبكير موعدها.
أردوغان يفقد اتصاله الساحر. الديكتاتور التركي أمر مؤخراً مؤسسات الدولة بضبط ميزانياتها ووقف مشاريع البناء والعقارات، وإن كان أعطى إعفاء من ذلك لمكتب الرئيس بالطبع. بعد بضعة أيام على ذلك، نشر عدد من الصحافيين صورة لمقر الرئاسة الذي يقدر بـ 74 مليون دولار والذي فيه بركة سباحة وشاطئ على شكل الهلال التركي، والذي بني من أجل أردوغان على شاطئ البحر المتوسط. وبالنسبة لزعيم بنى نفسه كبطل للشعب، لا يبدو هذا جيداً على الإطلاق.
القدس العربي