مؤتمر إعمار لبنان إشارة الغضب الفرنسي على تسعة أشهر من المماطلات المتبادلة

مؤتمر إعمار لبنان إشارة الغضب الفرنسي على تسعة أشهر من المماطلات المتبادلة

اعتبرت أوساط لبنانية متابعة أن قرار فرنسا استضافة مؤتمر دولي لإعمار لبنان بالتزامن مع اعتذار سعد الحريري عن مهمة تشكيل الحكومة يحمل رسالة غضب واضحة من باريس على الطبقة السياسية بسبب انقضاء تسعة أشهر من المماطلات المتبادلة دون التوصل إلى نتيجة في وقت يعيش فيه لبنان وضعا صعبا اقتصاديا واجتماعيا وصحيا.

وأضافت الأوساط اللبنانية أن الرسالة الفرنسية ليست عامة، وهي موجهة بالأساس إلى السياسيين المباشرين لملف تشكيل الحكومة، الأول رئيس الحكومة المكلف الذي دعمته باريس وراهنت عليه، وأضاع على مبادرتها لحل الأزمة تسعة أشهر كاملة من أجل نتيجة كان يمكن التوصل إليها من الشهر الأول.

أما الثاني فرئيس الجمهورية ميشال عون الذي اكتفى بلعب دور المعرقل أمام تحركات الحريري ومبادرة نبيه بري رئيس مجلس النواب، ولم يكن له من هدف سوى الاحتفاظ بالتوازنات الحالية الخادمة لحليفه حزب الله ولصهره زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل.

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن فشل الحريري في تشكيل حكومة “يؤكد الجمود السياسي الذي فرضه القادة اللبنانيون منذ أشهر”، وأن هناك “ضرورة ملحّة” في الوقت الحالي لإزالة هذه “العقبة المتعمدة وغير المقبولة” والسماح بتشكيل حكومة في لبنان والتعجيل بتعيين رئيس للوزراء.

ويرى متابعون للشأن اللبناني أن فرنسا تخلت عن المجاملة وباتت توجه رسائل واضحة للمسؤولين اللبنانيين، وتلوّح في وجوههم بالعقوبات، والجديد أنها ستعقد مؤتمرا دوليا لمساعدة اللبنانيين ولن تقبل أن تذهب أموال المانحين إلى أيدي هؤلاء السياسيين الذي تثار حول أغلبهم شبهات فساد، كما أنهم يعيقون التحقيقات المحلية والدولية التي تسعى لمعرفة حقيقة ما يجري سواء ما تعلق بالاغتيالات أو الفساد.

ويشير هؤلاء إلى أن موقف فرنسا يعبّر عن موقف جماعي للدول المعنية بإخراج لبنان من أزمته، بدءا من الاتحاد الأوروبي ومرورا بالولايات المتحدة. ويشترك الجميع في مساعدة لبنان دون إغفال العقوبات على المعرقلين.

ويبدو أن المجتمع الدولي أخذ قرارا بإنقاذ لبنان ومنع انهيار اقتصاده ومساعدة سكانه الذين باتوا يعيشون أوضاعا صعبة، لكن هذا المسار سيتم بمعزل عن السياسيين المتهمين بالعرقلة والذين سيكونون أمام حل واحد هو الكف عن التعطيل والمسارعة إلى تشكيل الحكومة لتجنب الغضب الدولي.

ويضع السياسيون اللبنانيون بمن فيهم الحريري “أيديهم على قلوبهم” من القائمة الفرنسية – الأوروبية للعقوبات ومنع سفرهم المتوعّدين بها بسبب فشلهم في حل معضلة الحكومة. وحصل توافق سياسي بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل الاثنين للتحضير لهذه العقوبات.

وصرح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد الأوروبي يشعر “بأسف عميق” لقرار الحريري الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة وإبقاء البلاد في طريق مسدود.

Thumbnail
وقال بوريل “منذ عام تقريبا لا توجد في لبنان حكومة قادرة على العمل، ما أدى إلى أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة يعاني الشعب اللبناني من عواقبها المأساوية”.

وأضاف “تقع على عاتق القادة اللبنانيين مسؤولية حل الأزمة الداخلية الحالية التي تسببوا فيها هم أنفسهم”، مؤكدا أن “لبنان في حاجة إلى حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية والحكم والتحضير لانتخابات 2022 التي يجب إجراؤها في موعدها المحدد”.

واعتبرت الولايات المتحدة من جهتها أنّ تخلّي الحريري عن تشكيل الحكومة يمثّل “خيبة أمل جديدة” للشعب اللبناني. وشدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس على “الأهمية الحاسمة لأن تُشكّل الآن حكومة ملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات ذات أولوية”.

ورغم التصعيد السياسي الداخلي والعالمي بخصوص الوضع في لبنان، لم تبد السعودية حدا أدنى من الاهتمام خلال فترة تكليف الحريري الذي اعتبرته ورقة سياسية محروقة بالنسبة إليها منذ تدخل الرئيسي الفرنسي إيمانويل ماكرون “لإطلاق سراحه” من حجزه في الرياض ومنعه من السفر.

ومن المتوقع أن يدعو الرئيس عون إلى استشارات نيابية لتسمية رئيس وزراء جديد بيد أن الأمر لا يخلو من صعوبة وتعقيدات، لاسيما وأن الحريري يرفض تزكية أيّ شخصية، وهو ما يشكل مأزقا حقيقيا بحكم أنه من يتمتع بالحيثية السنية الأكبر في البلاد.

وقال الحريري في لقاء تلفزيوني مع قناة “الجديد” المحلية مساء الخميس إنه وأعضاء كتلته النيابية لن يسمّوا أيّ شخصية لرئاسة الحكومة، لكنه سيؤمّن النصاب البرلماني عندما تعقد جلسة نيابية بشأن ذلك.

ويرى متابعون أن رفض الحريري المشاركة في تسمية من سيخلفه على مستوى التكليف يضع فريق 8 آذار وخاصة الرئيس عون وحليفه حزب الله أمام خيارات صعبة، معتبرين أنه إلى حد الآن لا توجد شخصية سنية على استعداد لتولي هذه المهمة المعقدة.

وقال الرئيس اللبناني الجمعة إن بلاده ستتمكن من تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها حاليا على مختلف المستويات.

جاء كلامه خلال لقائه في قصر الرئاسة شرق بيروت وفداً من جامعة سيدة اللويزة. وأضاف عون “لا شيء يجب أن يحبط اللبنانيين رغم قساوة ما يتعرضون له”، متعهدا ببذل كل الجهود للخروج من الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها.

صحيفة العرب