طالبان تغيرت من وجهة نظر إيران: من يعوض الفراغ الأميركي

طالبان تغيرت من وجهة نظر إيران: من يعوض الفراغ الأميركي

طهران – أعادت التطورات الميدانية العسكرية لحركة طالبان المتشددة في أفغانستان التساؤلات بشأن الموقف الإيراني من تلك التداعيات وتأثيرها على أمنها، خاصة أن النظام في طهران فتح باب التواصل مع الحركة ويبحث في الوقت نفسه عن دور إلى جانب روسيا والصين بعد الانسحاب الأميركي.

وتخشى إيران التي تتشارك مع أفغانستان حدودا بطول أكثر من 900 كيلومتر، موجة نزوح جديدة نحو أراضيها. ووفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تستضيف إيران أكثر من 3.46 مليون أفغاني غالبيتهم من اللاجئين، أي ما يشكل نحو أربعة في المئة من سكان إيران.

وتأتي الخشية من نزوح جديد في وقت تواجه إيران أزمة اقتصادية واجتماعية حادة تعود بشكل رئيسي إلى العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها عليها منذ انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق حول برنامج طهران النووي عام 2018. وزادت هذه الأزمة سوءا بفعل تبعات جائحة كوفيد – 19 التي تعد إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بها.

وفي حين ما انفكت إيران تطالب بانسحاب عدوتها اللدودة الولايات المتحدة من أفغانستان وإنهاء “احتلالها” للبلاد، إلا أن هذا الخروج والتبعات المترتبة عليه يُتوقع أن يضع طهران في مواجهة تحديات إضافية.

ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا كليمان تيرم إن المسؤولين الإيرانيين يقاربون هذا التطور من زاوية “إدارة موقف متناقض بين (…) المعاداة النشطة للولايات المتحدة من جهة، والحاجة الملحة للحفاظ على الأمن على الخاصرة الشرقية للبلاد من جهة أخرى”.

وشددت طهران في الأيام الأخيرة من خلال تصريحات لمسؤولين وزيارات ميدانية لقادة عسكريين على أن الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية آمنة، لكن الوضع في أفغانستان يثير خشية من أن يتيح ظهورا متجددا لبعض التنظيمات الجهادية خصوصا تلك المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية.

وتنظر إيران إلى أفغانستان بالكثير من الاهتمام، ويدعم ذلك وجود مشتركات ثقافية وعرقية ولغوية وتاريخية ودينية تراهن عليها طهران في بناء علاقات تعزز نفوذها الإقليمي ومصالحها السياسية.

وبالنسبة إلى وجهة النظر بشأن التعامل مع طالبان فإن منابر إيرانية محافظة لم تمانع في التعامل مع الحركة المتشددة، حيث تشير صحيفة “كيهان” إلى أن “طالبان تؤكد أن لا مشكلة لديها مع الشيعة واحترامها لحدود إيران (…) لكن مقاربتها القائمة على القوة ترسم مستقبلا غير مضمون بالنسبة إلى الشيعة وإلى حدود بلادنا”.

وعلى الرغم من تلك التصريحات إلا أن طهران وثقت علاقاتها مع طالبان استعدادا على ما يبدو لسيناريو سيطرة الحركة المتشددة من جديد على مقاليد الحكم في الجار الأفغاني.

وجمعت علاقات متضاربة بين إيران وطالبان خلال فترة حكم الأخيرة في أفغانستان وإقامتها “الإمارة الإسلامية” بين العامين 1996 و2001. لكن المقاربة الإيرانية تبدلت الآن، إذ قام ممثلون للحركة بزيارات معلنة إلى طهران في الأشهر الأخيرة. كما استضاف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في السابع من يوليو الحالي حوارا أفغانيا بين ممثلين للحركة والحكومة.

وتكرّر طهران منذ مدة موقفا تؤكد فيه أن الحركة ليست الحل لمستقبل أفغانستان، لكنها باتت “واقعا” فيها، ويجب أن تكون “جزءا من حلٍّ مستقبلي” يقرّره الأفغان أنفسهم.

ويرى مراقبون أن النظام الإيراني يسعى من خلال تدخله المباشر في الأزمة الأفغانية للإيحاء بتمتعه بقوة داخل أفغانستان وأنه يمتلك ورقة يمكن التفاوض عليها مع الإدارة الأميركية مستقبلا خاصة في ظل الانسداد في الملف النووي.

ويشير هؤلاء إلى أن العلاقة مع طالبان قد يستغلها النظام الإيراني من أجل الضغط على الرئيس جو بايدن وتحقيق اختراقات في ملفات أخرى في منطقة الشرق الأوسط.

ويقول كليمان تيرم، وهو متخصص في الشأن الإيراني، إن “الواقعية السياسية” لإيران يترجمها تحليل طاغٍ تتشاركه مع روسيا ودول آسيا الوسطى منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان.

ويرى تيرم أنه بالنسبة إلى طهران، فحركة طالبان “تغيّرت لأنها تبدو اليوم أقل خطرا من داعش؛ فهي عمليا حركة إسلامية قومية، مقارنة مع القوات العسكرية الجهادية العابرة للقوميات” التي يتشكّل منها التنظيم.

وشكل تحول القوات الأميركية إلى دول آسيا الوسطى هاجسا أمنيا للإيرانيين، كما تسبب في القلق لدى الصين وروسيا اللتين تحركتا بسرعة منذ الانسحاب الأميركي على خلفية تداعيات التطورات الميدانية المتسارعة بعد سيطرة طالبان على مناطق شاسعة في أفغانستان، والتخوفات من انتقالها إلى الدول المجاورة وخاصة في آسيا الوسطى.

ويقول المحلل السياسي نيكولا ميكوفيتش إن غزو طالبان لأي من جيران أفغانستان لا يعد أمرا من المسلمات. لكنه يوضح أنه في حال حققت انتصارات داخل أفغانستان فإن ذلك سيؤدي إلى اتحاد روسيا والصين وإيران في تحالف جديد لمكافحة الإرهاب لحماية مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى.

وشنت حركة طالبان هجوما شاملا على القوات الأفغانية في أوائل مايو مستغلة الانسحاب الأميركي. وسيطرت الحركة على مناطق ريفية شاسعة، ومعابر حدودية مهمة مع إيران وتركمانستان

وطاجيكستان وباكستان. ولا تزال دول الجوار الأفغاني تخشى المزيد من سيناريوهات قاسية على أمنها من بينها إيران.

العرب