بيروت – توقّفت أوساط سياسية لبنانيّة وعربيّة عند قول قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إن “الجميع يعلم أن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي لا تزال فاعلة، والجيش هو الرادع للفوضى”.
وقالت هذه الأوساط إنّ كلام قائد الجيش اللبناني يمثّل إشارة في غاية الوضوح إلى دور مقبل للجيش اللبناني، أقلّه في مجال حفظ الأمن، في ظلّ مخاوف من انفجار الوضع الاجتماعي في لبنان كلّه.
واستبعدت هذه الأوساط تسلّم الجيش السلطة مباشرة في لبنان، مشيرة إلى أن ظروف البلد لا تسمح بذلك على الرغم من انهيار كلّ المؤسسات اللبنانية الأخرى -ابتداء من رئاسة الجمهوريّة- وغياب القدرة على تشكيل حكومة.
وأضافت أنّه “ليس في وارد القيادة العسكريّة اللبنانيّة الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله الذي يوازي عدده عناصر الجيش اللبناني، إضافة إلى امتلاكه خبرة ميدانيّة واسعة في ضوء مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا منذ عشر سنوات”.
وباتت المحافظة على الجيش اللبناني أولويّة وموضع اهتمام أميركي وأوروبي -خصوصا من جانب فرنسا- في هذه الظروف بالذات، وقد ركّزت المهمّة الأساسيّة التي قامت بها السفيرتان الأميركية والفرنسيّة في بيروت دوروثي شيا وآن غريو في السعوديّة مؤخّرا على توفير مساعدات مباشرة للجيش اللبناني بهدف دفع الجنود والضباط نحو الاستمرار في تنفيذ مهامّهم.
وذكرت مصادر دبلوماسية لبنانية أنّ السعودية، التي تنسق مع السفيرتين الأميركيّة والفرنسيّة عبر سفيرها في بيروت وليد البخاري، منفتحة على فكرة دعم الجيش اللبناني عبر توفير مبالغ نقديّة شهريّة بالدولار لكلّ جندي وضابط.
يأتي ذلك في وقت وجد فيه جنود لبنانيون صعوبة في توفير مواد غذائية لأفراد عائلاتهم وحتّى في دفع أجرة نقل تسمح لهم بالالتحاق بثكناتهم.
وأصبح ما يقبضه الضابط أو الجندي اللبناني يساوي حاليا أقلّ من نسبة عشرة في المئة مما كان يتقاضاه قبل سنة عندما بدأ انهيار قيمة العملة اللبنانية مقابل الدولار.
وأشارت المصادر اللبنانية إلى افتعال حزب الله مشاكلَ للجيش في مناطق سنّية -مثل مدينة طرابلس- عن طريق مجموعات سنّية أو علويّة محسوبة على الحزب الذي استطاع في الماضي التسلل إلى عاصمة الشمال اللبناني مستفيدا من تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي فيها.
ولا ينظر حزب الله بعين الرضا إلى أي دور يمكن أن يلعبه الجيش اللبناني مستقبلا، خصوصا أن معظم ضباط الجيش وجنوده من السنّة.
ويقول مراقبون محليون إن الرهان على الجيش بوصفه المؤسسة الضامنة يأتي نتيجة اقتناع أوروبي وأميركي بأن الطبقة السياسية لا يمكن إصلاحها والرهان عليها لإخراج لبنان من أزمته، وإن بقاءها استغرق وقتا كافيا دون أن تغادر مكانها، وإنها بجّلت مصالحها الخاصة ومصالح طوائفها وارتباطاتها الخارجية على التغيير.
وأضافوا أن الطبقة السياسية في لبنان لم تبد أي رغبة في معالجة أكبر مشكلة أمنية وهي قضية سلاح حزب الله بدافع الخوف أو بدافع الاهتمام بالحفاظ على حقوقها السياسية ومكاسبها في ظل سيطرة الحزب، وأن الجميع راضون بالأمر الواقع بمن في ذلك من يصنفون خصوما للحزب ولارتباطه بإيران.
ووجد الجيش نفسه في مواجهة مع المحتجين في أكثر من مناسبة للتغطية على فشل السياسيين، وخاصة بعد الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بحكومة سعد الحريري، لكنه كان ينجح في تهدئة الأوضاع بما يمتلكه من مصداقية لدى اللبنانيين.
وجاءت تصريحات جوزيف عون بعد غضب فرنسي وأميركي من اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وتلويح بفرض عقوبات أوروبية نهاية هذا الشهر على جميع المساهمين في عرقلة تشكيل الحكومة وإعاقة القيام بإصلاحات ضرورية يضعها المجتمع الدولي شرطا لحصول البلاد على دعم مالي يساعدها على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي.
وشدّد قائد الجيش اللبناني أثناء وجوده في منطقة بعلبك يوم الجمعة الماضي على أن “الأمن خط أحمر، والجيش لن يسمح بالعبث بأمن منطقة بعلبك ولا أي منطقة أخرى، مهما كانت الأثمان والتضحيات”، مشيرا إلى أن “أهل بعلبك هم دعاة سلام، والمخلّين بالأمن لا يحظَون بأي غطاء سياسي من أيّ جهة كانت”.
وقال “أبناء بعلبك هم أبناؤنا، وندعو المطلوبين إلى تسليم أنفسهم لتسوية أمورهم القانونية، وإلاّ فالجيش بالمرصاد، ودم العسكريين لن يذهب سُدى”. ومعروف أن بعلبك تعتبر معقلا من معاقل حزب الله في لبنان.
وتطرّق العماد عون إلى الأوضاع الراهنة قائلاً “يبدو أن الوضع يزداد سوءا، والأمور آيلة إلى التصعيد، لأننا أمام مصير مأزوم سياسيّا واجتماعيا. مسؤوليتنا كبيرة في هذه المرحلة، ومطلوب منا المحافظة على أمن الوطن واستقراره، ومنع حدوث الفوضى. تجربة الأمس (الاشتباكات التي حصلت في طرابلس مع الجيش) كانت مثالا على ذلك. أهنئكم على ضبط أعصابكم وتفويت الفرصة على من أراد إحداث فتنة”.
العرب