أدلى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، بتصريحات حول أفغانستان وحركة طلبان والتواجد العسكري التركي وحماية مطار كابول. وقال في مؤتمر صحفي عقده في مطار أتاتورك قبيل توجهه إلى جمهورية قبرص الشمالية التركية، إن تركيا تدرس إمكانية إجراء لقاءات مع حركة طالبان حول مسألة تأمين القوات التركية لمطار كابول، ودعا حركة طالبان إلى التوقف عن “احتلال مناطق إخوانهم” في أفغانستان، والعمل لإرساء السلام في كافة أرجاء البلاد. كما وصف أردوغان نهج الحركة في أفغانستان بأنه “ليس نهج مسلم تجاه مسلم آخر”. وذكر خلال زيارته لعاصمة جمهورية قبرص الشمالية التركية، لفكوشا، أن أنقرة ستناقش مع حركة طالبان المستاءة من بعض الأمور ملف أفغانستان والمسيرة المتعلقة بتشغيل مطار كابول.
المفهوم من تصريحات أردوغان يمكن تلخيصه كالتالي: أولا، أن تركيا لا تغلق الباب أمام إجراء محادثات مع طالبان، وترى أن هناك فرصة للتفاهم مع الحركة، ولكنها في ذات الوقت ترى أن هذه المحادثات يجب أن تجري في إطار جامع وعلى أرضية سليمة. ثانيا، أنها تنظر إلى الحركة على أنها جزء مهم من الشعب الأفغاني، إلا أنها لا ترى طالبان ممثلا لكل الشعب الأفغاني الذي يتكون من أعراق وطوائف مختلفة. ثالثا، أن أنقرة مستاءة من سعي طالبان لفرض سيطرتها على جميع الأراضي الأفغانية بقوة السلاح.
الموقف التركي من حركة طالبان ينسجم مع الواقع الأفغاني، ولا يمكن اعتبار حركة طالبان حاليا “ممثلا شرعيا للشعب الأفغاني”. ولم تحصل الحركة حتى اللحظة على تفويض من الشعب الأفغاني لتكون ممثله الشرعي، سواء عبر الانتخابات أو الاستفتاء الشعبي أو اتفاق كافة الأطراف المتنازعة
الموقف التركي من حركة طالبان ينسجم مع الواقع الأفغاني، ولا يمكن اعتبار حركة طالبان حاليا “ممثلا شرعيا للشعب الأفغاني”. ولم تحصل الحركة حتى اللحظة على تفويض من الشعب الأفغاني لتكون ممثله الشرعي، سواء عبر الانتخابات أو الاستفتاء الشعبي أو اتفاق كافة الأطراف المتنازعة. ولا تمنحها الاتفاقية التي أبرمتها مع واشنطن هذا التفويض، لأن أفغانستان ليست ملكا للأمريكيين، كما أن سيطرة الحركة على مناطق شاسعة في البلاد بقوة السلاح لا تعني أنها يمكن أن تنصب نفسها ممثلا شرعيا للشعب الأفغاني، ولو كان ذلك مقبولا لوجب الاعتراف بأن حفتر الذي وصلت قواته إلى أبواب طرابلس ممثل شرعي للشعب الليبي.
هناك أطراف أخرى في أفغانستان، غير حركة طالبان، تمثل أجزاء مهمة من الشعب الأفغاني، كما أن هناك حكومة في كابول معترف بها دوليا. وتعترف حركة طالبان نفسها بأن هؤلاء شركاء لها في الوطن، ولذلك تجلس معهم على طاولة المفاوضات في الدوحة للتوصل إلى تفاهم يحقق السلام في أفغانستان. وإن كانت الحركة ترفض التواجد العسكري التركي في مطار كابول، فإن الأطراف الأخرى بما فيها الحكومة المعترف بها دوليا تؤيده.
تقول حركة طالبان إن القوت التركية يجب أن تخرج من أفغانستان مع قوات الناتو ضمن الاتفاقية الموقعة مع واشنطن، إلا أن هذه الاشكالية يمكن تجاوزها ببساطة من خلال توقيع اتفاقية ثنائية للتعاون العسكري بين أنقرة وحكومة كابول
تركيا دخلت أفغانستان تحت مظلة حلف شمالي الأطلسي “الناتو”، إلا أن القوات التركية لم تقم خلال كل هذه السنوات بأي مهمة قتالية. بل كان هدف أنقرة هو أن تساعد الشعب الأفغاني وتخدمه قدر المستطاع، ولو تحت تلك المظلة. وتقول حركة طالبان إن القوت التركية يجب أن تخرج من أفغانستان مع قوات الناتو ضمن الاتفاقية الموقعة مع واشنطن، إلا أن هذه الاشكالية يمكن تجاوزها ببساطة من خلال توقيع اتفاقية ثنائية للتعاون العسكري بين أنقرة وحكومة كابول.
تركيا لن تحارب في أفغانستان نيابة عن الولايات المتحدة، ومن يدعي ذلك يجهل الروابط التاريخية بين الشعبين التركي والأفغاني، ويتجاهل طبيعة العلاقات التركية الأمريكية في السنوات الأخيرة. ومن المؤكد أن بقاء مطار كابول مفتوحا سيكون لصالح الشعب الأفغاني، كما أن أنقرة مستعدة للإسهام في مشاريع تنمية وبنى تحتية تغير وجه البلاد.
معظم النخب من الإسلاميين العرب ودعاة الربيع العربي يصفقون لهذا الانتصار، إلا أن آراء طالبان حول نظام الحكم قد تحرج هؤلاء في المستقبل القريب؛ لأنهم يطالبون بالديمقراطية والسماح لتأسيس أحزاب سياسية. وبالتالي، قد يُتهمون بالازدواجية
بعيدا عن خلاف طالبان مع تركيا، ثمة أسئلة عديدة تنتظر أجوبة من الحركة ومؤيديها. تقول طالبان إنها تريد إقامة إمارة إسلامية في أفغانستان. وإن حاول المتحدثون باسم الحركة التهرب عن إفصاح تفاصيل النظام الذي تسعى طالبان إلى إقامته، مكتفين بالقول بأن كيفية إقامة نظام إسلامي معروفة، فإن المتتبع لتصريحاتهم ترى أن نظام طالبان لا ديمقرطية فيه ولا أحزاب سياسية ولا انتخابات. والسؤال الأول الذي يطرح نفسه هو: “ماذا ستفعل الحركة إن لم تقبل الأطراف الأفغانية هذا النوع من النظام السياسي؟”.
انتصار طالبان على القوات الأمريكية بعد مقاومة مبنية على التأييد الشعبي والصبر وطول النفس يستحق التقدير. ويلاحظ أن معظم النخب من الإسلاميين العرب ودعاة الربيع العربي يصفقون لهذا الانتصار، إلا أن آراء طالبان حول نظام الحكم قد تحرج هؤلاء في المستقبل القريب؛ لأنهم يطالبون بالديمقراطية والسماح لتأسيس أحزاب سياسية. وبالتالي، قد يُتهمون بالازدواجية، وتوجه إليهم مثل هذه الأسئلة: “هل تعتبرون طالبان ولي أمر متغلب تجب طاعته؟”، و”هل المطالبة بالحكومة المنتخبة حلال على شعبكم وحرام على الشعب الأفغاني؟”.
إسماعيل ياشا
العربي 21