بعد يوم واحد من الاعتداء الدامي الذي شهدته ضاحية الصدر شرقي بغداد، ليلة الإثنين الماضي، وراح ضحيته 30 مدنياً، بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 50 آخرين، وتبنّاه تنظيم “داعش”، أقرّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خطة أمنية جديدة هي الأولى من نوعها تتضمّن تقسيم بغداد إلى قيادتين عسكريتين لجانبي الكرخ والرصافة وتنصيب قيادات عسكرية عليها، مع استبدال قطعات وألوية عسكرية مكان أخرى والدفع بقوات إضافية إلى أطراف العاصمة.
وكلّف الكاظمي اللواء ظافر المحمداوي لقيادة عمليات جانب الرصافة من بغداد، واللواء الركن سعد محسن عريبي قائداً لعمليات الكرخ، بحسب بيان عقب اجتماع عقده الكاظمي بالقيادات الأمنية والاستخبارية على خلفية التفجير. كذلك وجّه الكاظمي بإعادة توزيع القوات العراقية داخل بغداد ورفع جاهزيتها العسكرية، مع إصدار حزمة عقوبات بحق ضباط ومسؤولين أمنيين بتهمة التقصير في حفظ الأمن بمدينة الصدر. ويعتبر التقسيم الجديد لبغداد هو الأول من نوعه الذي يجرى فيه توزيع مهام المسؤولية على قيادتين عسكريتين بجانبي الكرخ والرصافة، مرتبطتين بقيادة العمليات العراقية المشتركة التي يرأسها الكاظمي نفسه.
وقالت مصادر أمنية من بغداد، لـ”العربي الجديد”، إن “السلطات العراقية تتوقع هجمات إرهابية قد تستهدف المناطق العراقية الفقيرة في بغداد في الفترة المقبلة، والإجراءات الحالية تستهدف مواجهة تلك التحديات”. وأضافت أن “وكالة الاستخبارات العراقية تمتلك معلومات تفيد بأن هناك مخططات إرهابية تستهدف بغداد، بهجمات انتحارية وأخرى بعبوات ناسفة، وتعمل الآن على تتبّع خيوط المعلومات وتنفيذ عمليات استباقية لإحباط تلك الهجمات”.
معلومات استخبارية عن مخططات إرهابية لاستهداف بغداد
وبحسب المصادر، وأحدها ضابط برتبة عميد في قيادة العمليات المشتركة، فإن “الحكومة تواجه تحدياً أمنياً آخر يتمثّل بتصعيد الفصائل المسلحة الحليفة لطهران من لهجة الخطاب الطائفي بعد التفجير وإصدار جملة من التهديدات ضد مناطق محددة ذات أبعاد طائفية تهدد بخلق حالة فوضى كبيرة، في بغداد تحديداً، وسط مخاوف من عمليات انتقام طائفية لتلك الفصائل في الوقت ذاته”.من جهته، بيَّن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي أنّ “تفجير مدينة الصدر والاضطراب الأمني المرتقب هو أمر متوقع في ظل استمرار الأزمة السياسية بين الأحزاب والصراعات بين القوى التي تؤمن بالدولة والقانون، وبين قوى تريد أن يكون العراق ساحة حرب وفوضى كبيرة”، معتبراً أن “التغييرات الأمنية التي تُستحدث بين فترة وأخرى لن تكون مجدية في حال استمرت الخطط الأمنية التقليدية كأداة للعمل، بالتالي يحتاج العراق إلى أدوات أمنية وخطط واستراتيجيات جديدة وحديثة”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن “هناك حديثاً سياسياً عن أن بعض التغييرات في مناصب القادة الأمنيين تأتي ضمن خطة سياسية أيضاً، وتتهم بعض الجهات الكاظمي بأنه يسعى للسيطرة على جميع قادة الأجهزة الأمنية المهمة، لكن حكومة الكاظمي تبرّر تلك التغييرات وعمليات الاستبدال بالحاجة لذلك”.
وتعتمد السلطات الأمنية بالعادة طريقة “النشر العسكري”، التي تتمثل بالانتشار العسكري والأمني المكثف، ويترافق ذلك مع نصب حواجز تفتيش ونقاط مراقبة في أغلب مناطق البلاد، وتحديداً بغداد، لا سيما المحيطة بالمنطقة الخضراء، التي تضم السفارة الأميركية ومقار البعثات الدبلوماسية والمباني الحكومية الأخرى، ومع ذلك تحدث في بعض الأحيان عمليات إرهابية، ليؤكد مراقبون عقبها أن آلية إدارة ملف الأمن تحتاج إلى تحديثات.
من جهته، أشار المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، في اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن “بغداد عادة ما تتعرّض إلى تهديدات أمنية من فلول وبقايا تنظيم “داعش”، وتمارس القوى الأمنية دورها في الاستعداد لأي هجمات محتملة، وهذا أمر ينتهي مع زيادة التنسيق بين القوات الأمنية والحكومة إضافة إلى التدريب الجيد والترقب الذكي، لكن الوضع حالياً مسيطر عليه في بغداد”، مضيفاً أن “القيادة العراقية الممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة تملك جميع الأوراق والأفكار وهي على علم بكل تفاصيل الوضع الأمني في البلاد، بالتالي فإن استحداث أي غرف أمنية جديدة، يعني أن هناك حاجة ماسة لتعزيز الأمن”، معتبراً أن “وجود قيادات أمنية جانبي الكرخ والرصافة، فرصة لتعزيز الأمن في جانبي العاصمة”.
التحاصص في المناصب الأمنية سبب خراب المنظومة العسكرية
أما الخبير الأمني والباحث أحمد الشريفي، فلفت إلى أن “الكاظمي يعلم أن التحاصص في ملف المناصب الأمنية هو سبب خراب المنظومة العسكرية والأمنية، لذلك يضع الأحزاب في موقف محرج بعد كل فاجعة، كي يباشر بتصحيحات لا تعارضها الأحزاب”. وأكد لـ”العربي الجديد” أن “قيادة عمليات بغداد فشلت خلال السنوات الماضية في تحقيق أي إنجازات، كما أن الأحزاب الشيعية، وتحديداً منظمة “بدر”، تسيطر عليها بشكلٍ شبه كلي، بالتالي فإن تشكيل قيادات فرعية للكرخ والرصافة تتبع القائد العام للقوات المسلحة هي خطوة ذكية”.
زيد سالم
العربي الجديد