القرن الآسيوي القصير

القرن الآسيوي القصير

161

مع حالة الاضطراب التي يعاني منها الاقتصاد الصيني وتخبط اقتصادات نمور شرق آسيا الرئيسية والتحديات التي تواجه سنغافورة, هل كل هذا يعني أن “القرن الآسيوي” قد وصل لنهاية مبكرة؟

لقد أطلق المؤرخ البريطاني الماركسي إيريك هبسباوم في إحدى المرات على العصر الممتد من الثورة الفرنسية سنة 1789 حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 “القرن التاسع عشر الطويل” وقبل أكثر من عشر سنوات بدأ الناس بالتكهن عن “القرن الآسيوي” الصاعد الذي تحركه الصين والذي لا يمكن إيقافه، ويعززه ما يفترض أنه الانحدار الحتمي لأميركا.

ولكن مع حالة الاضطراب التي يعاني منها الاقتصاد الصيني وتخبط اقتصادات نمور شرق آسيا الرئيسية مثل ماليزيا وتايلند والأسئلة التي تواجه سنغافورة فيما يتعلق بحيوية نموذجها الاقتصادي، فهل كل هذا يعني أن “القرن الآسيوي” قد وصل لنهاية مبكرة؟

إن المتاعب السياسية والاقتصادية تعصف بالمنطقة من الشرق إلى الغرب، ففي الهند وإندونيسيا يبدو أن الآمال بانتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس جوكو ويدودو سوف يطلق موجه جديدة من الإصلاحات لم تنجح, وفي كوريا الجنوبية فشل رئيسان متعاقبان في الوفاء بوعودهما الشجاعة بكبح جماح ذا تشابيول، وهي التكتلات التجارية العائلية الضخمة، وذلك من أجل إطلاق روح ريادة الأعمال, وفي اليابان ورغم أن رئيس الوزراء شينزو آبي قد أدخل إصلاحات واسعة، فإنها لم تؤد حتى الآن إلى إعادة إطلاق الديناميكية الاقتصادية، كما أن الجهود من أجل التعامل مع التهديد الديمغرافي المتمثل في تزايد أعداد كبار السن لم تبدأ بعد.

هناك كذلك التحديات السياسية والأمنية الخطيرة التي تواجه آسيا، ومن بينها تزايد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ووجود دلائل على تنامي المشاعر القومية مجددا في المنطقة، بالإضافة إلى تحطم نموذج الحكم في هونغ كونغ المتمثل في بلد واحد ونظامين.

إن المطالبات الإقليمية الضخمة للصين في بحار الصين الشرقية والجنوبية بالإضافة إلى إقليم أرونشال براديش الهندي تزيد من زعزعة الاستقرار، وربما العامل الأكثر خطورة هو أن يصبح نظام كوريا الشمالية المنعزل الذي لا يمكن توقع تصرفاته أقل استقرارا مقارنة بأي وقت مضى تحت قيادة كيم يونغ أون العنيفة والتي تفتقد للخبرة.

في غياب أطر إقليمية متماسكة لم يكن من المفاجئ أن يتم بناء هياكل منافسة حيث تتزعم الولايات المتحدة الأميركية الشراكة عبر المحيط الهادي التي سوف تربط 12 دولة مطلة على المحيط الهادي ضمن منطقة تجارة حرة ضخمة تحكمها مجموعة متقدمة من القواعد المتفق عليها، وبدورها تعمل الصين من خلال بنك استثمار البنية التحتية الآسيوي ومبادرة “طريق الحرير” على تأسيس منطقة تجارية تتمحور حول الصين وتبقي ليس فقط سيطرتها الإقليمية، ولكن أيضا نموذج رأسمالية الدولة فيها.

كل هذا الغموض يكشف عن عيوب خطيرة في أسس القرن الآسيوي، وهي عيوب تمت تغطيتها حتى وقت قريب بالنمو الاقتصادي السريع للمنطقة. لقد أعطت سلاسل الإنتاج الضخمة التي تربط الأعمال التجارية عبر البلدان الانطباع بوجود بنية فوقية آسيوية فريدة، وطالما كانت اقتصادات المنطقة تزدهر لم يكن هناك حافز من أجل تحديد المشاكل التي تواجهها، ناهيك عن التعامل معها.

وإن ما نتج عن ذلك من جمود في السياسات هو جوهر العديد من المشاكل الاقتصادية الناشئة في المنطقة، علما بأنه سوف يكون من الصعب التعامل مع هذا الجمود، وذلك نظرا لأنه جزء من أنظمة الحكم في بعض البلدان.

إن النظام الفيدرالي في الهند قد أثبت أنه يعيق الإصلاح بشكل أكبر بكثير مما توقعه مودي، حيث رفضت حكومات الولايات إجراءات مثل ضريبة المبيعات الموحدة الجديدة وإصلاحات الأراضي، وهي إجراءات حيوية من أجل تمكين الهند من بناء سوق داخلي موحد يرتكز على بنية تحتية عالمية المستوى. إن فيتنام تواجه مشكلة مماثلة من الشلل السياسي بسبب انقسامات القيادة الجماعية للحزب الشيوعي.

وقد مكنت رأسمالية الدولة في الصين من أعلى الهرم إلى أسفله البلاد من تفادي هذه المشكلة، حيث إن الحزب الشيوعي الحاكم موحد نسبيا فيما يتعلق بالبرنامج الاقتصادي، ولكن النمو الجامح في العقود القليلة الماضية قد خلق تحديات ضخمة أخرى، خاصة الانحدار البيئي على نطاق لم يشهد له مثيل في أي مكان آخر على هذا الكوكب, وديون ضخمة للحكومات المحلية وفساد على نطاق واسع، وكل هذه الأمور أصبحت بالعلن، بحيث أصبح من الصعب ضمان قدرة الحزب على التعامل معها، وذلك كما ظهر ذلك جليا من الإدارة المشوشة للتقلب الأخير الذي حصل في سوق الأسهم.

إن العمق الفعلي للمتاعب الاقتصادية الصينية غير واضح، نظرا لأن كلا من عملية اتخاذ القرارات والإحصاءات المهمة لا تزال محاطة بهالة من السرية. إن من الواضح أن التحول الذي تسعى السلطات إليه أي التحول إلى خدمات أكثر استدامة واقتصاد يحركه الاستهلاك سوف يتطلب إصلاحات واسعة موجهه نحو السوق.

ويمثل هذا خيارا وجوديا لحكام الصين، حيث إن التخلي عن سيطرة الحكومة من أجل الإصلاح الناجح يصطدم مباشرة مع هدف الرئيس شي جينبينغ بتقوية قبضة الحزب على البلاد.

إن ماليزيا وتايلند تواجهان كذلك قرارا وجوديا تقريبا بين الاستمرار في مساراتهما الحالية -حزب واحد قائم على عرقية معينة في ماليزيا وحكم النخبة/العسكر في تايلند- وبين البدء بعملية المصالحة السياسية التي تستهدف إشراك مجموعات مهمشة واسعة من مواطنيهم في العملية السياسية، ولكن يبدو أن قادة كلا البلدين لا يمكنهم رؤية الخيارات المطروحة أمامهم.

ربما أكثر قصة تبعث على الأمل تأتي من اليابان التي بعد عقدين من الزمان بدأت أخيرا في التخلص من جمودها السياسي المترسخ حيث تم التخلي عن العادات القديمة المتمثلة في تدليل الزراعة والطاقة الكهربائية وغيرها من القطاعات الاقتصادية، ولكن بالطبع هناك الكثير الذي يتعين القيام به خاصة المصادقة على الشراكة عبر المحيط الهادي والتي سوف تطلق العنان للمزيد من مجالات الاقتصاد الياباني.

لقد ظهر آبي بنهجه الشجاع مثالا لقادة آسيا الآخرين، خاصة الصينيين, إن مثل هذه الشجاعة والجرأة ستكون حيوية من أجل استمرارية القرن الآسيوي.

يوريكو كويكي

الجزيرة نت